الدواء "حائر" بين الشراء والتوزيع

27-4-2025 | 15:02

خلال الفترة الماضية بذلت الدولة المصرية جهودًا كبيرة لمواجهة كافة التحديات التي تواجه سوق الدواء المصري، وكذلك موقف استقرار توافر الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية اللازمة لعلاج المرضى خاصة بعد تحرير سعر الصرف للجنيه مقابل الدولار.

ولا يستطيع شخص أن ينكر أنه بالفعل تم اتخاذ العديد من الإجراءات التي أعادت التوازن بخصوص توفير المستحضرات الطبية والدوائية، وكذلك للمستلزمات اللازمة التي تحتاجها المنشآت الطبية لاسيما في العمليات الجراحية وخاصة في تنفيذ المبادرة الرئاسية للقضاء على قوائم الانتظار علاوة على توفير الأجهزة اللازمة للمستشفيات في ظل التطوير المستمر للمنظومة الصحية والتي تبناها الرئيس السيسي منذ توليه المسؤولية. 

ولكن خلال الفترة القليلة الماضية استشعرنا أن هناك ناقوس خطر أصبح يؤرق المرضى يوميًا، خاصة في المستشفيات، وكذلك عيادات التأمين الصحي على مستوى الجمهورية، والتي يتردد عليها الملايين للحصول على الدواء والخدمات الطبية المختلفة بسبب نقص كبير في الأدوية، خاصة بعد قيام شركات التوزيع لأدوية المناقصات بوقف التوريد وتسلُم الأدوية من شركات ومصانع الأدوية التي رست عليها مناقصات الأدوية بحجة وجود مديونية كبيرة لشركات توزيع الدواء لدى الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي، وإدارة التكنولوجيا الطبية، تلك الهيئة المنوط بها كل المناقصات والتوريدات الخاصة بالأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية للمنشآت الطبية التابعة للدولة، وهذه الهيئة تتبع رئيس مجلس الوزراء، ويترأسها الدكتور هشام ستيت رئيس هيئة الشراء الموحد. 

الخطورة ليست في نقص الأدوية والمستلزمات فقط، ولكن في تحمل الدولة أعباء إضافية لمواجهة ومعالجة ذلك، علاوة على تهديد صناعة الدواء؛ حيث إن مريض التأمين الصحي عندما لا يجد الدواء بعيادات التأمين الصحي يقوم بشرائه من الخارج على نفقة التأمين الصحي بسعر السوق المحلي الحر بما يكون قيمته أعلى من سعر توريده عن طريق المناقصات بقيمة قد تصل للضعف؛ مما يحمل في النهاية العبء على الموازنة العامة للدولة، ناهيك عن حالة المعاناة التي يتحملها المريض ليجد هذا الدواء بعد رحلة بحث وعناء وإجراءات روتينية معقدة. 

وفيما يخص مصانع الدواء الوضع حاليًا معقد أدى إلى بطء وتعطل حركة الإنتاج بهذه المصانع رغم توافر كل مقومات الإنتاج بسبب رفض شركات التوزيع تسلُم الأدوية؛ مما أدى إلى امتلاء مخازن هذه الشركات بالأدوية، ولم يعد فيها موطئ قدم، على الرغم أن شركات التوزيع هذه تحصل على عمولة تصل إلى 7% من إجمالي المبالغ الموردة؛ حيث تحقق مكاسب كبيرة نتيجة لتسلُم الأدوية من مصانع الدواء. 

ويأتي رفض شركات التوزيع للأدوية، ووقف إصدار أوامر توريد لصالح هيئة الشراء الموحد، بحجة وجود مديونيات كبيرة لها تصل إلى 20 مليار جنيه؛ حيث تصل مديونية إحدى الشركات فقط، حسب خطاب حصلنا على نسخة منه، إلى 7 مليارات جنيه، الأمر الذي أدى إلى قيام شركات التوزيع الكبرى بإرسال خطابات لمصانع الدواء ترمي الكرة في ملعب هيئة الشراء الموحد، وتطالب مصانع الدواء بالتوريد بمدد آجلة تصل إلى 8 أشهر؛ مما يؤثر على حركة الإنتاج ويهدد بتوقف بعض المصانع لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه الموردين للمواد الخام وحقوق العاملين، وما تحتاجه حركة الإنتاج من مصروفات؛ حيث قالت نصًا إحدى شركات التوزيع في خطاباتها لمصانع الدواء: إنه في إطار الشراكة طويلة الأمد والقيمة بين شركتنا وشركتكم للصناعات الدوائية، نود أن نطلعكم على آخر المستجدات المتعلقة بأعمال المناقصات لدينا، وأن التحديات المالية التي نواجهها حاليًا مقتصرة فقط على قطاع المناقصات، وعلى الرغم من الجهود المستمرة والمتابعة الحثيثة مع الجهات المدينة، إلا أن التأخير في السداد ما زال مستمرًا، حيث تجاوزت المدفوعات المتأخرة مئتي وعشرة (210) أيام. 

وأضافت شركات التوزيع في خطاباتها نتيجة لذلك، تجاوزت المديونيات في هذا القطاع سبعة مليارات جنيه مصري، مما أثر بشكل كبير في التدفق النقدي المرتبط بالعمليات الخاصة بالمناقصات، ونأسف لإبلاغكم أننا لم نعد قادرين على الاستمرار في هذا الأمر، وبعد تحليل داخلي مكثف ومواصلة النقاشات مع الجهات المدينة، نتوقع أن تستمر هذه الوضعية على الأقل حتى نهاية شهر يوليو 2025. 

واللافت في الأمر أن الهيئات الطبية الحكومية من تأمين صحي، وكذلك مستشفيات وهيئات طبية حكومية تابعة لوزارة الصحة وغيرها تقوم بدفع جزء كبير من احتياجاتها لصالح هيئة الشراء الموحد مقدمًا، تحت بند الأدوية والمستلزمات الطبية، حتى يتم تسوية الحساب الختامي نهاية كل عام؛ مما يجعلنا نتساءل ما سبب هذه الأزمة قبل أن تتفاقم؟ على الرغم من أن الإجابة لا تحتاج إلى فلسفة، ولكنها تكمن في ضرورة سرعة اتخاذ القرار، وتوفير التمويل والدعم المالي اللازم من قبل وزارة المالية لسد مستحقات هذه الشركات. 

ومما يؤكد شعوري أنني لدي ثقة تامة في القيادة السياسية التي لا تألو جهدًا للتدخل لحل أي مشكلة تؤثر على المواطن، لاسيما المريض، وكذلك مؤسسات الدولة المختلفة في التدخل السريع لحل هذه المشكلة، وفض الاشتباك بين وزارة المالية وهيئة الشراء الموحد؛ لسداد مستحقات الشركات بما يساهم في استمرار تدفق الدواء والمستلزمات الطبية من أجهزة واحتياجات لإجراء العمليات الجراحية حتى تستمر الخدمة الطبية المقدمة للمريض بنفس المستوى، ولا يعاني من أي نقص، وتعود عجلة الإنتاج بمصانع الدواء إلى كامل طاقاتها، بدلاً من أن نجد نقصًا في الأدوية بالمستشفيات وعيادات التأمين الصحي، والموجودة في الوقت نفسه بمخازن شركات الدواء والتي تبحث فقط عن الإفراج، خاصة أن هيئة الشراء الموحد كانت قد قامت بإعداد خطط وبرامج وقواعد التدبير والشراء الموحد من الداخل أو الخارج وإعداد الموازنة التقديرية السنوية اللازمة للشراء، بالتنسيق مع وزارة المالية والجهات المستفيدة. 

وما بين أنين المرضى واستغاثاتهم، نؤكد أن الدولة تتابع وعلى رأسها الرئيس السيسي، ضمان جودة وكفاءة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وحل كافة المشكلات، لاسيما أن هناك مرضى لا يتحملون نقصًا في أي شيء؛ مثل مرضى الفشل الكلوي والأورام والسكر والضغط والأمراض المزمنة، وبالفعل الدولة خطت خطوات جادة وتسير في المسار الصحيح لتطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل، التي نجحت في المحافظات التي تم تطبيق المنظومة بها؛ بهدف تطوير وتعزيز كفاءة النظام الصحي المصري، وتقديم خدمات صحية متكاملة وآمنة وفقًا لأعلى مستويات الجودة الدولية، وبما يتماشى مع توجهات الدولة لتحقيق رؤية مصر 2030 في مجال الرعاية الصحية. 

حقيقة تم اتخاذ إجراءات فورية لتوفير احتياطي إستراتيجي مستقبلي من كافة الأدوية، والمستحضرات المهمة، ولكننا بحاجة إلى استمرار العمل على وجود مخزون إستراتيجي يصل إلى ستة أشهر؛ لمواجهة أي تحديات مستقبلية، مع توفير الأدوية والمستلزمات الطبية في ظل المتابعة الدورية للدكتور المهندس مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء لموقف تدبير احتياجات القطاع الصحي، والتأكد من التوريد المستمر للأصناف والمستلزمات التي يتم رصد شكوى من توافرها، مع العمل على توطين الصناعات في مصر فيما يخص مجال الأدوية والمستلزمات الطبية، بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية لتحقيق هدف استدامة الخدمات الصحية. 

أعلم أن هناك لجنة مشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء مهمتها العمل على توفير الأدوية والمستلزمات الطبية، تضم مسئولي مختلف الجهات المعنية بهذا الملف، فلا بد من التحرك لحل هذه المشكلة قبل أن تزيد وتصبح ظاهرة، ومن هنا أردنا أن ندق ناقوس الخطر للعمل على توفير الاحتياجات العاجلة وزيادة الاحتياطيات من الأدوية والمستلزمات الطبية المطلوبة؛ لتوفير مطالب القطاع الصحي، وحل هذا الاشتباك بين الهيئات المعنية. 

في النهاية لا فرار من مواجهة كافة التحديات السابقة حتى تنجح تلك التدابير التي اتخذتها الدولة والقرارات العاجلة على كافة الأطراف بالسوق الدوائي، أو فيما يخص المستلزمات والأجهزة الطبية، التي بدأت بإعادة النظر في تسعير بعض الأدوية المهمة والمستلزمات الطبية بعد تحرير سعر الصرف، مع مراعاة الجانب الاجتماعي للمواطنين لرفع معدلات الإنتاج لكامل طاقتها، وضمان تحقيق سعر عادل وفقًا لالتزام الحكومة بالبعد الاقتصادي لتلك الصناعات. 

ولا نمتلك في النهاية إلا أن ندعو الله بأن تحل المشكلة، اللهم يا من تعيد للمريض صحته ويا من تستجيب دعاء البائس الضعيف أسألك أن تشفي كل مريض وتلطف بجسده وتكتب له الشفاء يا أكرم الأكرمين .. وأعان الله القائمين على المنظومة الطبية حتى يقوموا بواجبهم على أكمل وجه.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: