يدور ثلاثة أشخاص يرتدون بزات بيضاء حول جيف مشوّهة لوحيد قرن وأسد وزرافة تحمل آثار أقدام... إنّه مسرح جريمة وهمي لطلاب مركز تحقيق تقني وعلمي يسعى إلى مكافحة الصيد الجائر في جنوب إفريقيا.
يعمل مركز "وايلدلايف فورنسيك اكاديمي" Wildlife Forensic Academy الذي يقع داخل مستودع محمية خاصة على بُعد ساعة من مدينة كيب تاون، على مكافحة الصيد الجائر من خلال تعليم الحراس وعناصر الحفظ والشرطة تقنيات مرتبطة بالتحقيق.
ولتنفيذ مشهد ذبح الحيوانات، استخدم المدربون حيوانات محنطة. فوحيد القرن الذي يحمل تسمية "فريكي" قُتل قبل بضع سنوات واقتُلع قرنه بالمنشار.
ويقول فيل سنيمان، وهو مدّع عام سابق يعمل راهنا كمدرّب في المركز "إن أول مجموعة من الأشخاص تصل إلى مسرح الجريمة تؤدي دورا حاسما جدا".
ويضيف وهو يضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل سيناريو سيقود الطلاب إلى منزل صياد غير قانوني في إحدى زوايا المستودع "إنّ هؤلاء الأشخاص هم من سيجعلون مكان الحادث آمنا، وإذا لم يتلقّوا تدريبا، فقد يؤدي ذلك إلى خسارة أدلة كثيرة".
تواجه جنوب إفريقيا أزمة خطرة تتعلق بالصيد الجائر، إذ قُتل أكثر من 10 آلاف وحيد قرن منذ عام 2007، بحسب مؤسسة "إنترناشونال رينو فاونديشن" الخيرية. ومع ذلك، لم تبت المحاكم سوى بـ36 حالة فقط عام 2023، وفق معطيات للحكومة، على الرغم من قتل نحو 500 وحيد قرن في ذلك العام.
ويشير سنيمان إلى خطر أقل بمقاضاة المسؤولين عن عمليات صيد جائر لأنواع أخرى لا تحظى بهذه الأهمية مثل الزواحف والنسور.
ويوضح أنّ "عناصر الشرطة ليسوا متاحين دائما للتنقّل، تحديدا عندما يتعلق الأمر بجرائم في مناطق نائية".
وقد شهدت ويندي ويلسون، وهي مدربة سابقة في الشرطة بدأت تعمل في مجال الحفظ، على ضعف الاستجابة القضائية.
- "حكم مخفف" -
تقول هذه المسؤولة القانونية في عيادة طب بيطري للحيوانات البرية في جوهانسبرغ، إن قضايا الجرائم المتعلقة بالحيوانات البرية نادرا ما تصل إلى المحاكم، و"عندما تصل إلى القضاء، غالبا ما يكون الحكم عبارة عن عقوبة مخففة".
وباتت ويندي ويلسون تكرّس حياتها "للسعي إلى تحقيق العدالة لحيوانات" لا تُهمّ الرأي العام كوحيد القرن أو الفيل.
وتقول في تصريح لوكالة فرانس برس "إنّ أنواعا بأكملها تنقرض ولا أحد يعلم بذلك".
وتضيف إن "وجود حراس يدركون أهمية سلسلة التتبّع واحد من تحديات كثيرة في ملاحقة الجرائم المرتبطة بالحيوانات البرية"، مشيرة إلى الدعم العام وموارد الشرطة وقدرة المدعين العامين على معرفة الجرائم.
في مركز التدريب، تضع ماري سو دو فيلييه، واضعة قناعا وقفازات، علامات صفراء بجوار كل بصمة قدم حول جيفة وحيد القرن "فريكي".
تعمل هذه المرأة البالغة 28 عاما على حماية الكلاب البرية الإفريقية. لكن ما قادها إلى الأكاديمية هو حالة حيوان مسموم ومساعدة زميلة تدرّبت على أساليب التحقيق.
وتضيف لوكالة فرانس برس "لقد ساعدوا فريقنا في تحديد الأدلة التي ينبغي البحث عنها، ورؤية أي شيء غير طبيعي في بيئة طبيعية".
منذ افتتاحه عام 2022، درّب المركز أكثر من 500 شخص، 89 منهم فقط حراس غابات أو خبراء في حفظ الحيوانات البرية. ويقول سنيجمان إن معظم الطلاب أوروبيون، مشيرا إلى أنّ رسوم دراستهم تساعد في تمويل حراس الغابات.
ويأمل سنيجمان أن يؤدي تحسين جمع الأدلة إلى إدانة مزيد من مرتكبي جرائم الصيد غير القانوني. ويقول "قد يظنّ المرء أن لا حاجة لمركز كهذا لعدم وجود جرائم ضد الحيوانات البرية. إنه ليس حلّا مثاليا، بل مجرد مساهمة صغيرة في الصورة العامة الكبيرة".