الفيروز أرض البركة والبطولة والفداء

24-4-2025 | 17:03

قِفْ أيها التاريخ وارجع للوراء، فبين يديك ذكرى تحرير سيناء.. تلك الأرض المباركة، أرض التجليات، مجمع الرسالات، ومهبط الأنبياء، وساحة الأبرار، وممر الحُجَّاج الكرام إلى بيت اللهِ الحرام، فعلى ترابها الطاهر سارت الأقدام المباركة، وعلى ثراها الميمون ارتفعت الأكُف للضراعة.. 

إننا نحتفل يوم الخامس والعشرين من شهر أبريل كل عام بذكرى تحرير سيناء الحبيبة بعد العبور العظيم للجيش المصري في 1973، حيث يأتي عيد تحرير سيناء 25 أبريل 1982 وهو اليوم الذي استردت فيه مصر أرض سيناء بعد انسحاب آخر جندي إسرائيلي منها، وفقاً لمعاهدة كامب ديفيد. 

وفي ذلك اليوم العظيم تم استرداد كامل أرض سيناء ما عدا مدينة طابا التي استردت لاحقاً بالتحكيم الدولي في 15 مارس 1989م بشكلٍ مختلف. 

تلك القطعة الغالية من أرض الوطن التي ارتوت بدماء المصريين لتحريرها من الكيان الصهيوني، حيث تأتي هذه الذكرى العزيزة على قلوبنا جميعًا في ظل أوضاعٍ إقليمية ودولية محيطة ترغب في الاستحواذ على هذا الجزء العزيز من قلب الوطن مرة أخرى، وترغب أيضًا في تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين لسيناء. 

علاوةً على ما يحدث من صراعٍ إقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وخطر التقسيم للدول لتصبح دويلاتٍ صغيرة متصارعة ممزقة.. أرض الفيروز، ذلكم الجزء الغالي الذي استشهد من أجله زهرة شباب هذا الوطن، وما بين الماضي والحاضر علينا أن نستلهم من معركة النصر دروسًا وعِبرًا لمواجهة ما يُحاك بنا وحولنا، ولمواجهة تلك الأخطار التي ترغب في القضاء على أمجاد الأجداد وجهود الأبناء ووطنية الأحفاد، نحن أحوج ما نكون الآن إلى وحدة الصف المصري؛ للمحافظة على هذا الانتصار التليد مجده القريب عهده. 

إن معركة العزة التي نحتفل بها هذه الأيام بالتزامن مع ما يحدث من حرب إبادة وقتل وترويع وتجويع لأشقائنا الفلسطينيين بغزة والضفة الغربية، وما يتعرض له الأمن القومي المصري من ممارسات استفزازية ومهاترات غير مسئولة وتصريحات عنترية جوفاء، يستدعي منا جميعًا استصحاب روح النصر التي استطاعت من خلالها القوات المسلحة المصرية تحقيق النصر، وساندها فيها جميع فئات الشعب ومؤسساته في ملحمةٍ تاريخية لاسترداد أرض سيناء الغالية من خلال معركة شاملة عسكريًا وسياسيًا وقانونيًا، فهي نموذجٌ لعملٍ جماعي لتعود أرض سيناء إلى مصرنا الحبيبة. 

وما أشبه اليوم بالبارحة، وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكلٍ مختلف، حيث وصف وتوقع المفكر الراحل جمال حمدان ما يحدث هذه الأيام منذ أمدٍ بعيد قائلًا: «سيناء تمثل قدس الأقداس، ومن يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول، ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء، من يسيطر على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير، كان هناك دائمًا عدوٌ يشكك بطريقةٍ ما في مصرية سيناء ويطمع فيها بصورة ما، بالضم، بالسلخ، بالعزل». 

ويقول «حمدان» عن محاولات ضم أو سلخ أو عزل سيناء: «قد تكون غالبًا أو دائمًا أرض رعاة، ولكنها قط لم تكن أرضًا بلا صاحب.. منذ فجر التاريخ». 

إن أرض سيناء المباركة، البقعة الغالية من أرضنا الحبيبة على قلوبنا، حباها الله بالنعم والخيرات والمكانة التاريخية والسياحية والدينية والطبيعية، ولقد عمل الرئيس السيسي على تطويرها وشهدت أكبر عملية تنمية على مدار التاريخ، وذلك بعد الحرب التي خاضتها الدولة ضد الإرهاب خلال الفترة الماضية، وتطهير سيناء من براثن الإرهاب، وتلك الجماعات التكفيرية التي زُرعت في سيناء وكانوا يحاولون السيطرة عليها، وفقدنا عددًا كبيرًا من أبناء الشرطة والقوات المسلحة البواسل من أجل قطع دابر الإرهاب اللعين. 

وليس ذلك فحسب، ولكن استمرت القيادة السياسية في اتخاذ مواقف حاسمة للمحافظة على هذه القطعة الغالية، حيث تخوض مصر الآن بقيادة السيسي حربًا ضروسًا للحفاظ على تلك الأرض الممزوجة بالدماء، فسيناء على مدار التاريخ والزمان مطمعٌ للأعداء، ولقد دافع شعب مصر عن أرض الفيروز على مدى تاريخه، وضربت قواته المسلحة أروع الأمثلة في الدفاع عن أرض سيناء التي ارتوت بدمائهم الطاهرة. 

وكل ما يحدث أو يُحاك ضد هذه الرغبة الملحة التي لا تنتهي وتورث من جيلٍ لآخر من محاولات من بعض الأعداء للسيطرة على سيناء وتهديدها بشكلٍ أو بآخر يجعلنا نسأل: لماذا هذا الإصرار؟ ربما تكون الإجابة معروفة، ولكن نكررها على مسامعنا مرة أخرى حتى ندرك خطورة الوضع... إن سيناء هي معبر الديانات السماوية، ولقد كرمها الله بذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ (سورة التين آية ١-٣)، وكرمها سبحانه وتعالى بعبور أنبيائه لأراضي سيناء نحو وادي النيل.. فعبرها الخليل إبراهيم عليه السلام، وعاش فيها موسى بن عمران عليه السلام وبها تلقى الشريعة من ربه.. وعبرها السيد المسيح وأمه مريم عليهما السلام، وسيناء هي حلقة الوصل بين آسيا وأفريقيا.. وهي معبرٌ بين حضارات العالم القديم في وادي النيل وفي دلتا نهري دجلة والفرات وبلاد الشام.. 

سيناء هي الدرع التي حمت مصر من الغزاة والطامعين، فهي الأرض التي حباها الله عز وجل بالكثير من نعمائه، وهي التي أظهرت مواقف الرجال على مرّ التاريخ، واستطاع المصريون عبرها هزيمة الهكسوس والمغول والتتار والإنجليز والفرنسيين والصليبيين، خاصةً أن معظم الغزوات كانت من ناحية الشرق حيث سيناء. 

إننا الآن نرفع نفس شعار ما قبل تحرير سيناء، ولكن بشكلٍ مختلف، حيث كانت الدولة قبل التحرير ترفع شعار "ما أُخذ بالقوة، لا بد وأن يُسترد بالقوة"، ونحن الآن نسير على نهج هذا الشعار: (ما أُخذ بالقوة، وما استُرد بالقوة لا يُحافظ عليه إلا بالقوة)، خاصةً وأن هناك تطابقًا بين صلافة العدو قبل حرب أكتوبر وصلابته الآن. 

لاشك أن الرئيس السيسي يؤكد دائمًا أن الخامس والعشرين من أبريل سيظل يومًا خالداً في ذاكرة أمتنا، وقد تجسدت فيه قوة الإرادة وصلابة العزيمة.. 

ويؤكد الزعيم السيسي أن سيناء ستظل درة التاج المصري ومصدر فخرنا واعتزازنا.. وتعظيم قدرات القوى الشاملة للدولة على رأس أولوياتنا، ودائمًا ما يوجه التحية لرجال جيش مصر المرابطين على كل شبرٍ من أرض الوطن، وكذلك رجال الدبلوماسية المصرية، وإلى روح الرئيس السادات صاحب قراري الحرب والسلام بشجاعة الفرسان ورؤية القائد. 

وحقيقةً نحن بحاجةٍ إلى التلاحم والتعاون لمواجهة هذا العدو الغاشم، لاسيما ضرورة الحفاظ على الوحدة العربية التي تحققت في أروع صورها إبان معركة تحرير سيناء، مما أعاد للعرب ثقلهم ووزنهم الدولي والإقليمي كقوى مؤثرة، حيث تمثلت الوحدة في تعاون جميع الدول العربية مع الكبيرة مصر، مما أدى إلى أن إسرائيل ذهبت تلهث وراء السلام وعقد اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل الذي عُقد في سبتمبر 1978م على إثر مبادرة "السادات" التاريخية في نوفمبر 1977م وزيارته للقدس، خاصةً بعد تغير المعايير العسكرية في العالم شرقًا وغربًا بعد تلك المعركة والتي ساهمت أيضًا في تغيير الإستراتيجيات العسكرية في العالم، والتأثير على مستقبل كثيرٍ من الأسلحة والمعدات. 

فتعالوا لنستلهم من صمت سيناء الحكمة، ومن وُعورة دروبها القوة، ومن شمسها الساطعة الجمال والبهاء والمسرة، ومن ترابها النور والبركة والرحمة، ومن جبالها الشاهقة الرفعة والغلبة والصمود والنصرة، إنها أرضٌ ترابها ذهب ونخيلها عجب.. رمالها فيروز وخزائنها كنوز.. 

سيناء هي كتابٌ مفتوحٌ كم سُطر في ثناياه بطولات وبطولات.. وكم احتوى في جوفه أمجادًا وانتصارات.. على أرض سيناء كم سطر الخالدون بأحرفٍ من نور بدمائهم الزكية وأرواحهم التقية ونفوسهم الأبية.. كتابٌ فيه يقرأ القارئون سطور العظمة المصرية على مر التاريخ.. ففي كل حجرٍ من أرض سيناء حكاية، وفي كل وادٍ من وديانها قصة ورواية، وعلى كل شبر من حصبائها قصة ختامٍ لكل ظالم ونهاية... فكل عام ومصر قويةٌ برجالها، وحرةٌ أبيةٌ بشبابها، وعزيزةٌ كريمةٌ في قلوب شعبها. والمجد للشهداء والخلود لذكراهم والدعاء للمصابين.. كل عام وسيناءُ حرةٌ مستقرةٌ وشعبها المصري بخيرٍ وسلامٍ وعطاء.. كل عامٍ وسيناء في ازدهار واخضرار ونماء... ولتحيا مصر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: