اليمن في قلب العاصفة: سيناريوهات التهديدات وفرص التسوية

24-4-2025 | 14:02

منذ اندلاع الصراع المسلح في اليمن عام 2015، تحوّل البلد من ملف داخلي إلى نقطة اشتعال إقليمي ودولي ذات تأثير إستراتيجي متعدّد الأبعاد.

لم تعد الحرب اليمنية مجرد نزاع بين حكومة معترف بها دوليًا وجماعة الحوثيين، بل أصبحت ساحة لتقاطع مصالح إقليمية ودولية، لا سيما مع التوتر الإيراني-السعودي رغم إشارات انفراجته، وارتباط الأزمة بتعقيدات أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، وتقاطعها من جهة أخرى مع الأزمات الأمريكية-الإيرانية والإسرائيلية-الإيرانية المتتالية، خاصة بعد أحداث أكتوبر ٢٠٢٣، وقطع ذراع إيرانية مهمة في الإقليم (حزب الله)، وانهيار نظام الأسد، وإضعاف حركة حماس، ما يجعل للتطورات في المسألة اليمنية تأثيرًا مباشرًا على الأمن القومي المصري.

أولاً: جذور الأزمة اليمنية وتحوّلها الإقليمي

اندلعت الحرب في اليمن نتيجة انهيار العملية الانتقالية التي أعقبت ثورات ما أطلق الأكاديميون الغربيون عليه (الربيع العربي)، وتصاعدت حدتها بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في 2014، ودخول التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية. 

ومع مرور الوقت، تحوّلت الحرب إلى صراع معقّد الأطراف: الحوثيون المدعومون من إيران، التحالف العربي بزعامة السعودية، المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، وعدد من الجماعات المسلحة ذات الولاءات المتغيّرة.

وقد أدى دعم إيران للحوثيين إلى إعطاء الصراع بعدًا إقليميًا، حيث تعتبر طهران الحوثيين ورقة ضغط إستراتيجية على حدود السعودية، وفي مواجهة النفوذ الغربي والخليجي في المنطقة.

ثانيًا: اليمن والملاحة الدولية (البُعد الجيوإستراتيجي)

تكمن أهمية اليمن الجيوسياسية في إشرافه على أحد أهم الممرات البحرية العالمية: مضيق باب المندب، الذي يربط بين خليج عدن والبحر الأحمر، ويُعد شريانًا حيويًا لنقل النفط والسلع بين آسيا وأوروبا، ومرور نحو 10% من التجارة العالمية من خلاله، يجعل استقراره أولوية كبرى للدول المعنية بالملاحة، لا سيما مصر، التي تعتمد على قناة السويس كمصدر دخل قومي إستراتيجي.

منذ أواخر 2023، تصاعدت تهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر عبر استهداف السفن التجارية والعسكرية الغربية خاصة الأمريكية باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ، هذه الهجمات وضعت أمن البحر الأحمر على رأس أولويات الأمن القومي لدول المنطقة، وعلى رأسها مصر.

ثالثًا: مصر واليمن (ترابط الجغرافيا)

بالنسبة لمصر، فإن تهديد الملاحة في باب المندب لا ينعكس فقط على قناة السويس، بل على منظومة الأمن القومي الشاملة، حيث يشكل البحر الأحمر امتدادًا حيويًا للأمن البحري المصري، كما أن استقرار اليمن جزء من معادلة توازن القوى الإقليمي، الذي يؤثر على أمن شبه جزيرة سيناء ومصالح مصر في الخليج والقرن الإفريقي.

أمن باب المندب هو جزء من منظومة الدفاع المصري جنوبًا، ومخاطر تهديده تفرض على مصر أن تتبنى سياسات دفاعية واستباقية، من خلال:

- التنسيق العسكري والاستخباراتي مع دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات.

- تعميق التعاون مع القوى الدولية لضمان حرية الملاحة.

- تعزيز القدرات البحرية المصرية في البحر الأحمر، وهو ما بدأ بالفعل من خلال تطوير الأسطول الجنوبي وإنشاء قاعدة برنيس.

رابعًا: السيناريوهات المستقبلية للصراع اليمني

سيناريو التسوية السياسية برعاية أممية:

احتمال قائم لكنه هشّ، يعتمد على إرادة الأطراف الإقليمية والدولية في إنهاء الحرب، والعودة مجددًا لقواعد المرحلة الانتقالية التي انهارت، وقد يؤدي ذلك إلى وقف إطلاق النار، وإعادة بناء الدولة اليمنية، ما ينعكس إيجابًا على أمن الملاحة، ويُخفف من تهديدات الحوثيين.

التأثير على مصر: استقرار مرحلي يُقلل التوتر البحري، لكن يتطلب استمرار دور مصري في جهودها السياسية للوساطة بين مختلف أطراف الصراع لدعم التوازن الأمني والسياسي في اليمن.

سيناريو التصعيد الإقليمي:

خاصة في حال اندلاع صراع مباشر بين إسرائيل وإيران، كنتيجة مباشرة لاستمرار الدعم الإيراني للحوثيين مع تصاعد المواجهات في غزة أو جنوب لبنان، أو بين الولايات المتحدة وإيران، كنتيجة مباشرة لاستمرار إيران في برنامجها النووي وعدم التوصل إلى اتفاقية نهائية ملزمة لها من وجهة النظر الأمريكية.

التأثير على مصر: ارتفاع وتيرة تهديد الملاحة، مما قد يؤدي إلى تصاعد احتمالات تمدد الصراع إقليميًا.

سيناريو التقسيم الفعلي لليمن:

مع تعثر المسار السياسي، واشتداد سيطرة الحوثيين في الشمال والمجلس الانتقالي في الجنوب، قد تتكرّس حالة الانقسام، ما يُنتج بيئة مضطربة طويلة الأمد، تقود في النهاية إلى تقسيم اليمن وفقًا لنفوذ وتقاطعات مصالح القوى الإقليمية المتصارعة على جغرافيته السياسية.

التأثير على مصر: بيئة فوضوية محفوفة بالمخاطر، تتطلب مراقبة دقيقة وتكثيف الوجود المصري غير المباشر في البحر الأحمر، عبر التحالفات أو الوجود البحري المباشر.

سيناريو الجمود العسكري والتهدئة المؤقتة:

وهو السيناريو الحالي في الغالب، مع استمرار الاشتباكات بشكل متقطع، واستمرار تهديد الحوثيين للملاحة كورقة ضغط.

التأثير على مصر: استمرار حالة التوتر، مع الحاجة لحالة استعداد دائم، سياسيًا وعسكريًا، على السواحل الجنوبية.

خامسًا: التهديدات المباشرة لأمن الملاحة وقناة السويس

تراجع العائدات القومية من قناة السويس نتيجة تحوّل بعض السفن لمسارات بديلة بسبب التهديدات.
تزايد الكلفة التأمينية والشحن مما يؤثر على الأسعار العالمية، وعلى الاقتصاد المصري بشكل غير مباشر.

احتمالية التورط في صراع إقليمي إذا ما استمرت التهديدات وأصبحت مصر هدفًا غير مباشر، سواء عبر الهجمات البحرية أو الفوضى الإقليمية.

سادسًا: أهداف وتهديدات خريطة الصراع الجيوسياسي للأزمة اليمنية

إيران – نفوذ إستراتيجي بأدوات غير مباشرة إيران تنظر إلى الحوثيين كامتداد لنموذج “الحرب بالوكالة” الذي تنتهجه في مناطق مختلفة (لبنان، العراق، سوريا). الدعم الإيراني للحوثيين – سواء عسكريًا أو تقنيًا أو إعلاميًا – منح طهران ورقة ضغط فعالة على السعودية والخليج، كما منحها نقطة ارتكاز على البحر الأحمر.

أهداف إيران في اليمن:

تطويق السعودية من الجنوب.

تهديد الملاحة في باب المندب كوسيلة ضغط في أي مفاوضات نووية أو إقليمية.
تثبيت حضورها في معادلة توازن القوى الإقليمي عبر دعم الحوثيين كـ”حزب الله جديد” في الجزيرة العربية.

التهديد على مصر؟

يمثل ذلك تهديدًا مباشرًا، فتمركز وكلاء لإيران على باب المندب يعيد تشكيل ميزان القوى البحري، ويضع الأمن القومي المصري في مرمى “صراعات غير مباشرة” قد تتطور في أي لحظة.

إسرائيل – حضور استباقي في البحر الأحمر إسرائيل تُدرك جيدًا أن النفوذ الإيراني في اليمن، خاصة عبر تهديد الممرات البحرية، يمس مصالحها الحيوية، خصوصًا بعد تطبيع العلاقات مع بعض دول الخليج، ووجود قواعد اقتصادية وأمنية في إريتريا وجيبوتي.

أهداف إسرائيل في الملف اليمني:

الحد من النفوذ والوجود الإيرانيين على سواحل البحر الأحمر.

تعزيز التعاون الاستخباراتي الإقليمي والدولي لحماية مصالحها خاصة مع محاولات مد وتكثيف وجودها في القرن الإفريقي.

حماية خطوط الإمداد البحرية باتجاه ميناء إيلات.

التهديد على مصر؟

التقاطع الأمني مع إسرائيل في البحر الأحمر يحمل شقين: تعاون محتمل في حماية الملاحة، لكن أيضًا خطر تداخل العمليات الإسرائيلية مع السيادة الإقليمية، ما يستدعي الحذر خاصة في ظل الأزمات الأخرى واختلاف الرؤى البيِّن بشأنها خاصة الملف الفلسطيني ومسار تهدئة الانفجار الذي يمكن أن يهدد الأمن والمصالح الإقليمية والدولية.

الولايات المتحدة – البحر الأحمر أولوية أمنية متجددة رغم انسحاب نسبي من الملفات الشرق أوسطية، عادت واشنطن للتركيز على البحر الأحمر بعد تصاعد الهجمات الحوثية واستهدافات السفن التجارية والقطع العسكرية البحرية، خاصة خلال العامين الأخيرين، حين استُهدفت سفن مرتبطة بمصالح أمريكية وإسرائيلية.

استجابة أمريكا:

تشكيل تحالف "الحارس البحري" لحماية الملاحة، بمشاركة قوات بحرية من عدة دول.

ضربات مكثفة ضد مواقع إطلاق الصواريخ الحوثية.

دعم المساعي الأممية للتهدئة دون الانجرار إلى حرب مباشرة.

أهداف أمريكا:

حماية الملاحة الدولية والنفط الخليجي.

منع تحويل اليمن إلى نقطة سيطرة إيرانية كاملة.

الحفاظ على استقرار حلفائها الخليجيين دون تدخل ميداني مباشر.

التهديد على مصر؟

يمثل ذلك تهديدًا أيضًا، لأن أي تصعيد عسكري بين إيران وأمريكا على أرض اليمن قد ينعكس على المنطقة كلها، بما في ذلك البحر الأحمر ومصالح مصر.

القوى الإقليمية الأخرى: السعودية:

تسعى إلى الخروج من الحرب عبر تسوية تضمن استقرار حدودها الجنوبية ووقف تمدد النفوذ الإيراني، لأنها ترى في بقاء الحوثيين وتسليحهم تهديدًا مباشرًا لأمنها.

الإمارات:

تركز على تثبيت نفوذها في الجنوب وموانئ اليمن (عدن، المكلا، سقطرى)، ضمن استراتيجية أوسع للسيطرة على طرق التجارة.

قطر وتركيا:

مواقف أقل تأثيرًا، لكنها مواقف تترقب لحماية المصالح ومناطق النفوذ التي تأسست خاصة في القرن الإفريقي، وهي من جهة أخرى مواقف تتحسب تفجر الصراع وانعكاساته على اقتصاديات الإقليم، خاصة مع تصاعد الأزمة الاقتصادية الدولية وارتداداتها على أسعار السلع وحركة سلاسل الإمداد والتوريد وأسعار الطاقة.

سابعًا: ماذا يعني ما سبق على الأمن المصري، وكيف نتحرك؟

بداية، بات واضحًا للجميع أن الصراع في اليمن لم يعد محصورًا بالداخل، بل صار ساحة لتنافس إيراني-خليجي-إسرائيلي-أمريكي.

من ثم، أي اختلال في توازن القوى هناك سيؤثر على الأمن المصري في البحر الأحمر، خصوصًا إذا تمدد النفوذ الإيراني، أو توسّع الدور الإسرائيلي.

وبالتالي، على مصر أن تحافظ على موقعها كقوة إقليمية بحرية مؤثرة، من خلال تعزيز شراكاتها التقليدية، والانفتاح على ترتيبات أمن جماعي تحفظ مصالحها.

لذا، من المتصور أن نتحرك بخطوات متوازنة، وفقًا لثوابت ومبادئ السياسة الخارجية المصرية نحو:

* تعزيز القدرات البحرية المصرية في البحر الأحمر، واستمرار التطوير والتحديث لقاعدة برنيس البحرية كمركز للعمليات والتدخل السريع.

* الانخراط الفعال في أي مفاوضات سياسية تخص اليمن، لضمان الحفاظ على الأمن البحري الإقليمي.

* التحرك الدبلوماسي مع القوى الكبرى، لضمان عدم ترك الملف اليمني رهينة للمصالح الإيرانية أو التفاهمات الثنائية الكبرى والتي قد لا تراعي المصالح المصرية.

* دعم بناء الدولة اليمنية ومؤسساتها، عبر أدوات القوة الناعمة والخبرة المصرية في التعافي وإعادة الإعمار وبناء المؤسسات.

خلاصة القول، أن اليمن ليست مجرد ساحة حرب، بل مرآة لصراع النفوذ الإقليمي، ومفتاحٌ لأمن البحر الأحمر، وورقة تأثير على مستقبل قناة السويس. لذلك، فإن لمصر مصلحة جوهرية في أن تكون حاضرة بقوة في المشهد اليمني، لا فقط من بوابة البحر، بل من خلال تأثيرها السياسي والعسكري والاقتصادي، لضمان استقرار المنطقة وتأمين مصالحها الاستراتيجية، والتأكيد على دورها كشريك إستراتيجي دولي فاعل في الوساطة وجهود التسوية لتحقيق مبدأ المكسب للجميع.

* رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية

كلمات البحث
عمرو الشوبكي.. شوكة في كل العصور

لكي تتكون الشبكة، أخذت سنين كثيرة، كانت البداية بالتقاط عيون نابهة من نوابغ المصريين الذين يدرسون في الخارج بدأ استقطابها، ومن ثم العمل على غسل أدمغتها

الاتجاهات الحاكمة للسياسة الخارجية المصرية في ست سنوات

للمرة الأولي في التاريخ، نجد أن الاتجاهات والدوائر الرئيسية الأربع للأمن القومي المصري باتت تواجه تحديات، ومخاطر، وتهديدات، تنذر بالعديد من الأزمات، كان

نظرية الإعلام الدوار

تعتمد على بناء شبكة تهدف إلى إدارة والسيطرة على العقول في الدول المستهدفة (أ) من قبل الدول الأكثر قوة وتقدم ونمو (ب).. وهذه الدول (ب) لا تلجأ للحرب العسكرية