عندما تتحوّل النقاشات إلى حروب كلامية.. وتصبح الآراء أحكامًا واجبة النفاذ عند أصحابها.. وعندما تُساق الحيل والأكاذيب على أنها حقائق لتضليل الرأي العام وتلويث أفكار الناس والجمهور دون حجة أو دليل.. نصبح أمام كارثة حقيقية تحوّل لعبة كرة القدم الساحرة والجميلة إلى قنبلة موقوتة تكاد تنفجر في وجوه الجميع.
ما يحدث الآن في البرامج وعبر صفحات التواصل الاجتماعي ويتداول في إطار محتوى رياضي.. تتبادل فيه الاتهامات والخوض في الأعراض والذمم وجرائم أخرى يعاقب عليها القانون تحت مواد كثيرة أقلها السب والقذف.. يُعد جريمة ضد المجتمع بصفة عامة والرياضة بصفة خاصة بنشر أفكار وأخبار كاذبة تحض على نشر التعصب وإثارة الفتن بين الجمهور وهدم الكيانات والرموز والإطاحة بكل المحاولات التي تُبذل لاستعادة الوجه الجميل لكرة القدم والرياضة بصفة عامة.
التعصب الكروي.. كرة الثلج التي تكبر كل يوم لتمثل خطرًا على الجميع خاصة أنها تتغذى على أفكار لأشخاص من المفترض أنهم من أصحاب الرأي سواء في الإعلام أو الإدارة.. كارثة حقيقية أن تكون أداة التوصيل غير آمنة وتمثل خطرًا على المتلقي وتفسد أفكارهم بناءً على تخيلات لا تمت للواقع بصلة ولا يملك من يرددها مستندات أو وثائق تدلل على معلوماتهم.
كرة القدم التي من المفترض أنها تمثل المتعة الحقيقية للجمهور وتجمعهم روح المنافسة وشغف الفوز.. تحولت في الفترة الماضية إلى ساحة للخلافات والانقسامات والمشاعر المشحونة.. التي يقف وراءها خطاب إعلامي تحكمه سطوة الترند وعائد المشاهدات.. خطاب بعيد تمامًا عن المهنية تحكمه المصالح الشخصية والانتماءات في مشهد متصاعد تغلب عليه لغة الكراهية.. التي انتقلت عبر شاشات الفضائيات إلى الجمهور من خلال منصات التواصل الاجتماعي.. فتحولت المواقع والصفحات إلى مدرجات للأبيض والأحمر يحكمها أشخاص يغذون أفكار المشجعين بمعلومات مغلوطة وتحليلات تفتقر إلى الموضوعية.
دراسات كثيرة وأبحاث دارت حول التعصب كشفت عن نتيجة تؤكد أن الإعلام الرياضي هو المغذي الرئيسي لأفكار جمهور الكرة والأكثر تأثيرًا على اتجاهات الرأي العام للمتابعين للرياضة.. وهو الأمر الذي يكشف لنا دور الإعلام والإعلاميين الذي للأسف كثير منهم يسيطر الانتماء على أفكارهم فيتحولون إلى مشجعين متعصبين ومحرّضين للجماهير وينساق وراءهم كثير من الفئات وينعكس الأمر على السلوك العام وإثارة الكراهية التي تولّد الصدامات.
الإعلام الرياضي، الذي من المفترض أن يكون شريكًا في بناء الوعي ونشر القيم الرياضية.. بات في حالات كثيرة جزءًا من الأزمة.. فحين يتخلى الإعلامي عن دوره في التهدئة ويجري خلف الإثارة المفتعلة، يصبح طرفًا في التحريض، ويضع جماهير الكرة على طريق لا نهاية له من الاحتقان وبدلاً من تقديم محتوى يعزّز من قيمة التنافس بين الفرق نشهد محتوى يؤسس لخطاب الكراهية ويصنع نجومًا من مثيري الجدل وليس من أصحاب الفكر أو التحليل.
وإذا كنا نبحث فعليًا عن حل لجذور التعصب الرياضي.. فلا بد أن يبدأ هذا الحل من الإعلام.. ومن الإعلامي الذي تصل رسائله إلى الملايين من خلال الشاشات والمواقع والصفحات التي تشكل وعي الجمهور وتصنع مزاجه الرياضي.
نحن بحاجة إلى خطاب إعلامي جديد.. يرتكز على المسؤولية والمهنية.. خطاب يضع مصلحة الرياضة المصرية فوق أي انتماء أو حسابات شخصية.. وأن يكون هناك تفعيل حقيقي للدور الرقابي والمحاسبة وتغليظ العقوبات لكل من يسيء استخدام منصات التواصل الاجتماعي ويحولها إلى ساحات صراع بدلاً من كونها وسيلة للحوار.
انتقال زيزو وتألق إمام عاشور وبن شرقي مع الأهلي وتوقيع رمضان صبحي لـبيراميدز كلها أمور تحدث في عالم الاحتراف.. الذي جعل كريستيانو رونالدو ينتقل للدوري السعودي وميسي لميامي الأمريكي، وكل منهما كتب تاريخًا مع برشلونة وريال مدريد.
كرة القدم ستبقى أجمل حين نعيدها إلى مكانها الطبيعي مصدرًا للفرحة لا لساحات القتال والتراشق بالألفاظ وتوجيه الاتهامات.. واجب الإعلام والإعلاميين أن يقودوا مبادرات للتهدئة، وأن تكون كلماتهم وسيلة للتوعية وليست لإثارة المشكلات والأزمات.