التشكيلي البحريني جمال عبد الرحيم: لا أنظر للحياة بشكل ساذج.. وأختزل ما أراه لطرحه فنيًا

التشكيلى جمال عبد الرحيم: أحيا فى مشروع تجريب مستمر ولم أطرح نفسى كفنان بل هاوٍ

يعُد الفنان التشكيلى البحرينى جمال عبد الرحيم أحد العلامات البارزة فى الفن التشكيلى بالبحرين بشكل خاص والفن العربى عامة، هو فنان يمتلك بصمة خاصة فى أسلوبه الفنى الذى تنوع بين مجالات عدة وإن حاز الحفر والطباعة على الجانب الأكبر من أهتمامه، مارس الفن بمنطق الهاوى، فلم يقم بدراسه أكاديمية بل سعى لتعليم وتثقيف نفسه فنيًا وأكتساب العديد من الخبرات والتجارب، فكان أن قدم الكثير من العروض وحاز عنها جوائز وتكريمات عده، وشارك بمصر من خلال العديد من الفعاليات بشكل فردى أو جماعى.. ومن ثم كان معه هذا الحوار..

مشاركته بملتقى الأقصر الدولى

 شاركتَ بملتقى الأقصر في دورته الـ15.. حدثنا عن وقائع هذه المشاركة؟

قليلاً ما أشارك فى ملتقيات، لكن بحكم لقائى بالفنانة أسماء النواوى قوميسير الحدث فوجئت بقوة التنظيم، والعمل من جانبها  وكذلك الدكتورة نجاة فاروق، حاولنا أن نكون جزءا منهم ونساعد فى هذا السياق، فضلاً عن أن المكان فى الأقصر ساحر، الاستمتاع بالنيل وبسحر الأرض من الصعب أن نجده فى أى مكان. بالإضافة إلى الجولات التى تم تنظيمها لمشاركين بالملتقى والأماكن الأثرية، هى أماكن تختزل بداخلها التاريخ الذى درسناه بمراحل تعليمنا المختلفة.
أى فنان من العالم يرى الآثار المصرية يرى لمسات من سحر هذه الحضارة ويتأثر بها. وقد حاولت إدارة الملتقى حاولت الوقت للأطلاع على كل هذه المؤثرات وأرى أن عملية تخزين هذه الزيارات بعقل الفنان مهمة جداً.

التجريدي والواقعي بأعماله

قدمت عملين بالملتقى.. فما الإطار العام لهما؟

نفذت بالفعل عملين أحداهما تجريدى والآخر واقعى حديث. عندما سئلت: لماذا نفذت الأعمال بالأسود ألم تتأثر بما رأيته من تراث وحضارات؟ هنا أقول إننى لا أنظر للحياة بشكل ساذج لكنى أختزل كل ما رأيته بذهنى ليخرج فى أعمال لاحقة مع الوقت برموز ودلالات.. الخ.

استضاف جاليرى مصر معرضًا لك.. فماذا يمثل لك.. ولاسيما أنه حقق صدى كبيرا؟

قدمتُ معرضًا بالتسعينات فى قصر الفنون بدار الأوبرا المصرية، وكنت ضيف شرف على بينالى الطباعة فى الحفر وحصلت على جائزيتن. وطلب منى جاليرى مصر معرضًا وحقق صدى وانطباعا كبيرين، أنا حذر جدًا فى عروضي الخارجية وقد حضر فنانو الصف الأول ودارت بينا مناقشات طويلة مع الحضور..

طرحت محاكاة بصرية لعدة كتب.. فما الذى يغريك بهذا الاتجاه؟
أعمل بالطباعة والنحت والتصوير ولكن أحيا كل وقتى فى حالة عشق مع الطباعة، لا أستطيع ان استغنى عن الطباعة رغم انها الاقل تسويقًا، من ضمن الكتب التى نفذتها فى منتصف التسعينات هو "كتاب نوران" لصديقى الكاتب الراحل فريد رمضان وهو من اهم كتاب الرواية والسيناريو. رحل عام 2000، قبل وفاته بعدة اشهر طلبت منه العمل على كتاب جديد بعنوان "التصوف الدنيوى" فكان مريضا ولكنى فوجئت بعد وفاته أنه كتب النص ولكن بدون تنقيح، أخذته زوجتى فقامت بضبطه. يتحدث المؤلف خلال الكتاب عن طريق الحج عبر الديانات المختلفة.
بالنسبة للكتب، أقرأ النص وأبحث فيه ثم أحوله من نص مكتوب إلى نص مرئى. كنت حريصا جدًا فى صناعة الكتب وعدم حدوث تشابة بين كتاب وآخر لأن تكون التجربة متتكررة مثل ما وقع به بعض الفنانين.

رحلة طويلة مع الفن

جاء أول معارضك عام 1992 فكيف تصف هذه الرحلة الطويلة مع الفن؟

 بعد عودتى من الهند، حيث أقمت هناك لمدة خمس سنوات فى نهاية السبعينات، لم أكن قد عملت بالفن ولكن مارست مهنا عدة، عندما عدت دخلت صدفة لمعرض تشكيلى وأنا أحب القراءة والفن فقلت لصديقى أن العمل المعروض به خطأ فى النسب وغيره واذا ارسمت سأقدم افضل وبالفعل اتخذت قرار ممارسة العمل الفنى اشتغلت على نفسى وقمت بتثقيف ذاتى عبر القراءة والمشاهدة. واتخذت قرارًا عام 1987 حول ماهية مستقبلى فعملت على مشروعى وقرات تايخ الفن، لم احضر دورات أو ورش عمل ثم تعرفت على صديق تشكيلى عرفنى الأساس فى الباليت وعمل الطباعة، وحتى النحت كنت فى زيارة للنحات المصرى آدم حنين وأعجبتنى قطعة نحت وكان سعرها ما يقارب خمسة الاف دولار بداية عام 2000، فعدت للبحرين بقرار عمل بومبة نحت وحتى الآن أصبح لدى ما يقارب ألف قطعة نحت ما بين حجر وبرونز. وأنا اعتبر الفن هو مجرد لعب.

تمارس النحت والتصوير والطباعة.. فكيف تنتقل من وسيط لآخر؟
عندما يعيش الإنسان التصوف الدنيوى ترينه يبحث ولا ينشغل بالعرض ولكن العملية تتوقف على قواعد اللعبة والحب، إذا أمسكت بقواعد اللعبة بشكل صحيح سوف تتقن العمل، الحب مهم فى الفن والحياة وكل شيء. إذا لم يعشق الفنان الطبيعة والنيل وغيره، لا يمكن ان يخلو عقله الباطنى من التأثير. انا احيا فى مشروع تجريب مستمر، لم أطرح نفسى كفنان، بل أرى أننى مجرد باحث بينى وبين الحياة تاريخ أصبو لأن ينصفنى. كما أعيش من فنى وليس لدى دخل فى الحياة بخلاف الفن.

 برأيك كيف تتجلى خصوصية الفن البحرينى؟
الحركة التشكيلية فى البحرين قوية ولدينا أساتذة أقوياء، لولا قوة هذه الحركة لما استمررت. المشهد التشكيلي بالبحرين قوى على صعيد المنطقة العربية ككل وليس الخليج فحسب. ولكنها لم تأخذ حقها لكى تظهر بشكل قوى، كما تتسم بالحداثة والواقعية والتجريد.

ماذا عن المشهد التشكيلى العربى؟
أى أنسان باحث يعرف الصعود والهبوط فى الحركة، والتى أرى أنها متواضعة، ومنذ ظهرت السوشيال ميديا نرى اشياء غريبة ونجد من ينقل وينسب الاشياء لنفسه، ليس من الخطأ أن يعمل الفنان على مشروعه، ويتعلم لكنه لا يطرح نفسه وهو ناقل من فن غيره. على مستوى العالم اللعب أكبر لأن الدول العميقة فى الفن لديها حسابات فى حركة الجاليهريات والفنانين، واصبح لديها اشتراطات معينة فى حركة الجاليريهات واى جاليرى لا يأخذ أعمالا لفنان إلا بعد أن يعرف هل سيتمكن من تسويقها، أتابع حركة الفن العالمى وأذهب لآرت بازل كتجمع عالمى يعتبر الأهم فى العالم يشارك به جاليريهات من مختلف دول العالم إلا أننى لم أجد فيه فنانين عربا أو جاليريهات عرب إذن هناك خلل. فى اعتقادى الإنسان إذا أراد ينهض بشيء لابد أن يعرف أين يقف. لدينا حضارة يمكن أن ننطلق منها بشكل أساسى، ولكن لدينا مشكلة فى غياب الثقافة الفنية لدى عامة الناس وبالإضافة للفنانين والمقتنى للأعمال الفنية، يصبح مقتنيا رغم انه لم يقرأ سطرين فى تاريخ الفن، وحتى بعض من يكتبون يفتقدون للثقافة الفنية الحقيقية، الفنان واجبه مرسمه وبحثه، نفتقد لدراسات جادة فى النقد الفنى.