الكفاح الفلسطيني بين البندقية والمفاوضات.. رؤية تحليلية في معركة المصير

25-4-2025 | 03:16
الكفاح الفلسطيني بين البندقية والمفاوضات رؤية تحليلية في معركة المصيرد.أريج جبر- الباحثة فى العلوم السياسية
محمد الطماوي
الأهرام العربي نقلاً عن

يعد كتاب "الكفاح الفلسطيني المسلح: السياسة والسلاح" لـ الدكتورة أريج جبر،الباحثة فى العلوم السياسية، دراسة أكاديمية متعمقة تسلط الضوء على العلاقة الجدلية بين العمل السياسي والكفاح المسلح في النضال الفلسطيني. بأسلوب تحليلي رصين، تقدم الكاتبة قراءة شاملة لمسار المقاومة الفلسطينية، مستعرضةً مراحلها التاريخية وتحولاتها السياسية، وأثر التغيرات الإقليمية والدولية عليها. الكتاب ليس مجرد توثيق لتاريخ الكفاح الفلسطيني، بل هو محاولة لفهم الأبعاد الاستراتيجية التي حكمت مسار المقاومة، ومدى تأثير العوامل الداخلية والخارجية في توجيه دفة الصراع.

موضوعات مقترحة

لطالما كان الكفاح الفلسطيني المسلح موضع جدل بين كونه ضرورة نضالية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وبين اعتباره ورقة سياسية تُستخدم لتحقيق مكاسب تفاوضية. من خلال تحليل معمق، تستعرض الدكتورة جبر كيف لم يكن العمل المسلح خيارًا ثابتًا، بل تأرجح بين كونه استراتيجية طويلة الأمد وبين كونه أداة ضغط مرحلية. تلقي الدراسة الضوء على كيفية تعامل الفصائل الفلسطينية المختلفة مع هذه المعادلة، وما إذا كان الدمج بين السلاح والسياسة قد عزز من فرص تحقيق المطالب الوطنية أم أنه كان عاملًا مثيرًا للخلافات الداخلية التي أضعفت المقاومة.

تخصص الكاتبة جزءًا مهمًا من دراستها لتحليل مواقف الفصائل الفلسطينية الكبرى تجاه العمل المسلح، موضحة كيف اختلفت رؤى كل فصيل وفقًا لأيديولوجيته السياسية وظروفه الداخلية والخارجية، حركة فتح، التي قادت المشروع الوطني الفلسطيني منذ تأسيسها، تبنت نهجًا متغيرًا بين العمل المسلح والدبلوماسية السياسية، حيث استخدمت السلاح في مراحل معينة كوسيلة ضغط قبل أن تتبنى لاحقًا خيار التفاوض مع إسرائيل عبر اتفاق أوسلو.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي نشأت كحركة يسارية ثورية، تمسكت بالكفاح المسلح كخيار استراتيجي رافضةً التنازلات السياسية، ما جعلها في صدام دائم مع المشاريع التفاوضية التي سعت لتقديم حلول سياسية للصراع، وكذلك حركة حماس، التي برزت في نهاية الثمانينيات، تبنت منذ البداية خيار المقاومة المسلحة، معتبرة إياها السبيل الوحيد للتحرر، ومع ذلك، فقد شهد موقفها بعض التغيرات التكتيكية في فترات لاحقة، حيث أبدت استعدادًا للدخول في تفاهمات سياسية وفقًا للظروف الإقليمية والدولية.

هذا التباين في المواقف بين الفصائل الفلسطينية يعكس مدى تعقيد المشهد السياسي الفلسطيني، حيث لعبت الأيديولوجيا والتوازنات الداخلية والخارجية دورًا رئيسيًا في تحديد استراتيجيات المقاومة المسلحة.

وتوضح الدكتورة أريج جبر أن المقاومة الفلسطينية لم تكن بمعزل عن التحولات الإقليمية والدولية، بل تأثرت بشكل مباشر بتغير مواقف الدول العربية والمجتمع الدولي، وتشير جبر إلى أن توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 مثل نقطة تحول في تاريخ الكفاح الفلسطيني، حيث أدى إلى انتقال المقاومة من مواجهة مسلحة إلى محاولة بناء سلطة فلسطينية ذات طابع سياسي تفاوضي. لاحقًا، جاءت صفقة القرن كمحاولة جديدة لإعادة رسم معالم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما دفع المقاومة الفلسطينية إلى إعادة تقييم خياراتها بين العودة إلى الكفاح المسلح أو البحث عن بدائل سياسية جديدة.

في ختام الكتاب، تطرح الكاتبة تساؤلًا جوهريًا: إلى أين يتجه الكفاح الفلسطيني المسلح في ظل التغيرات الراهنة؟ هل يمكن للفصائل الفلسطينية تجاوز خلافاتها وإعادة توحيد صفوفها ضمن رؤية نضالية شاملة؟ أم أن التباينات الفكرية والمصالح الفصائلية ستظل عائقًا أمام بناء مشروع وطني موحد؟

تستعرض الدكتورة جبر السيناريوهات المحتملة لمستقبل المقاومة الفلسطينية، مشددةً على ضرورة إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع لكل الفصائل، بحيث تضمن التوازن بين العمل المسلح والدبلوماسية السياسية، تؤكد الكاتبة أن المقاومة الفلسطينية بحاجة إلى رؤية استراتيجية واضحة، لا تعتمد فقط على ردود الأفعال بل تستند إلى تخطيط محكم يأخذ في الاعتبار التغيرات الإقليمية والدولية.

ما يميز كتاب "الكفاح الفلسطيني المسلح: السياسة والسلاح" هو العمق التحليلي والموضوعية في الطرح، لم تكتفِ جبر بسرد الأحداث التاريخية، بل قدمت تحليلًا أكاديميًا رصينًا يعتمد على مجموعة من المناهج البحثية، مثل المنهج التاريخي لدراسة تطور الكفاح الفلسطيني المسلح، والمنهج القانوني لتحديد مشروعية المقاومة، والمنهج المقارن لرصد الفروق بين مواقف الفصائل المختلفة، بأسلوب علمي متماسك، نجحت الكاتبة في تقديم دراسة متكاملة تتجاوز التوثيق التاريخي لتصل إلى تحليل استراتيجي يجعل من هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا للباحثين والمهتمين بالقضية الفلسطينية.

يبقى "الكفاح الفلسطيني المسلح: السياسة والسلاح" أحد أهم الدراسات التي تناولت مسار المقاومة الفلسطينية، حيث يفتح بابًا للنقاش حول مستقبل الكفاح الفلسطيني المسلح، مقدما رؤية تحليلية تجمع بين التاريخ والسياسة والاستراتيجيا العسكرية، إنه كتاب جدير بالقراءة لمن يسعى إلى فهم أعمق لأحد أكثر الملفات تعقيدًا في الصراع العربي الإسرائيلي.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة