على مدار العقود الماضية، تحول المراسل التلفزيوني من مجرد ناقل للأخبار إلى عينٍ للحدث، وواجهة تُلخص بؤرة الصراع، ولسانٍ يتحدث باسم الحقيقة وسط ضجيج التزييف والتضليل، إنه الجندي المجهول في ساحات الإعلام، لا يعرف الهدوء ولا يستكين لرتابة المكاتب المكيفة، بل ينطلق حيث تتصاعد الدخان، وتتوالى الانفجارات، وتمتزج الأصوات بين صرخات وتعليمات رجال الأمن في الحدث، حيث يضعنا الصحفي والإعلامي علاء فياض في كتابه "من الميدان إلى الشاشة"، أمام خلاصة التجربة الصحفية الميدانية، حيث يكشف عن أسرار وتحديات المراسل التلفزيوني، ويضيء الطريق أمام الصحفيين الطامحين لدخول هذا العالم المحفوف بالمخاطر.
موضوعات مقترحة
أسئلة كثيرة يجيب عنها فياض في هذا المرجع الشامل الذي لا يتوقف عند حدود النصائح النظرية، بل يضع القارئ في قلب الحدث، مستعرضًا مواقف واقعية وتجارب مباشرة تكشف كيف تتشكل الأخبار في الميدان قبل أن تصل إلى الشاشة، وكيف يتحول الصحفي إلى مراسل ميداني محترف؟، وما المهارات التي يحتاجها ليصمد أمام ضغط الأخبار العاجلة؟ ️ كيف يواجه المخاطر في مناطق النزاع دون أن يصبح هو نفسه خبرًا عاجلًا؟ كيف يصوغ القصة الإخبارية لتصل إلى المشاهدين بوضوح وموضوعية؟
لا يكتفي الكاتب بالتعريف الأكاديمي للمراسل التلفزيوني، بل يقدم رؤية أعمق لدوره في نقل الحدث، موضحًا الفروق الجوهرية بين الصحافة المكتوبة والمراسل التلفزيوني، ومتتبعًا التطور التاريخي لهذه المهنة، من عصر الصحف المطبوعة والراديو، وصولًا إلى الإعلام الرقمي والبث المباشر.
يدور الفصل الثاني حول "المهارات الأساسية"، حيث يرى أنه لا مكان للارتجال في عمل المراسل التلفزيوني، فالوقوف أمام الكاميرا يتطلب مزيجًا معقدًا من المهارات: التحقق من المصادر وعدم الانسياق خلف الأخبار الكاذبة، التواصل مع الجمهور بأسلوب يجذب انتباه المشاهد ويكسب ثقته، التحكم في لغة الجسد ونبرة الصوت أثناء البث المباشر، التعامل مع الكاميرا والتقنيات الحديثة، مثل الطائرات المسيّرة والهواتف الذكية في التغطيات الحية.
ومن تغطية الحروب إلى متابعة الاحتجاجات العنيفة، ومن دخول مناطق الكوارث الطبيعية إلى التواجد في ساحات العمليات العسكرية، يرى أن المراسل التلفزيوني ليس مجرد شاهد، بل هو جزء من الحدث نفسه، حيث تأتي التحديات والمخاطر، حين تصبح القصة الصحفية صراعًا من أجل البقاء.
ويتناول الكاتب الأخطاء القاتلة التي يقع فيها بعض الصحفيين أثناء تغطياتهم، مثل الاندفاع غير المدروس، والتسرع في نشر المعلومات، وعدم اتخاذ تدابير السلامة الكافية، مما قد يحوّلهم إلى ضحايا بدلًا من رواة للأحداث.
ما يميز علاء فياض في هذا الكتاب ليس فقط دقته في تقديم المعلومات، بل أسلوبه السردي الممتع الذي يجعلك تعيش تجربة المراسل التلفزيوني لحظة بلحظة، بأسلوب يجمع بين السلاسة والاحترافية، ينجح الكاتب في تقديم دليل عملي متكامل، يدمج بين الخبرة الصحفية والمعرفة الأكاديمية، مما يجعله مرجعًا لا غنى عنه لكل من يحلم بأن يصبح مراسلًا محترفًا.
لا يكتفي الكتاب بنقل المعلومات، بل يمنحك شعورًا وكأنك في قلب الحدث، ترصد المشهد، وتسمع أصوات المتظاهرين في الميادين، وتشعر بحرارة الأضواء وهي تسلط عليك أمام الكاميرا، والحقيقة أن من الميدان إلى الشاشة" ليس مجرد كتاب، إنه رحلة حقيقية داخل عالم الأخبار والتغطية الصحفية الميدانية، بل مرجع لكل من يحلم بدخول عالم الصحافة التلفزيونية، ولكل صحفي يريد تطوير أدواته، ولكل مشاهد يتساءل كيف تصل إليه الأخبار كل يوم، هذا الكتاب لا يعلّمك فقط كيف تكون مراسلًا، بل يعلمك كيف تصنع الفرق، كيف تكون صوتًا للحقيقة، وكيف تتحول من ناقل للخبر إلى صانع للرأي العام.
يوضح الكتاب أن المراسل التلفزيوني ليس مجرد ناقل للأحداث، بل هو عين المشاهد في قلب الحدث، وصوت الحقيقة وسط ضجيج الأخبار المتضاربة، يقف في مواجهة المخاطر، يلاحق التفاصيل، وينقل الصورة كما هي دون تزييف أو تحريف، كتاب "من الميدان إلى الشاشة"، يكشف كواليس هذه المهنة الشاقة، ويقدم دليلًا شاملًا لكل من يرغب في فهم أسرار العمل الميداني، من تقنيات جمع المعلومات، والتعامل مع الكاميرا، وإعداد التقارير الاحترافية، إلى كيفية التصرف تحت الضغط أثناء البث المباشر، إنه كتاب لا يخاطب الصحفيين فحسب، بل كل من يريد أن يفهم كيف تُصنع الأخبار في زمن السرعة والمنافسة المحتدمة على المعلومة.