التعايش بلا أوهام مع إيران

23-4-2025 | 13:09

لا أوهام كبيرة تراود النخبة العربية، ولا طرفي مفاوضات واشنطن وطهران حول الملف النووي الإيراني، وأحسب أن ما يجري أمامنا هو جزء من عملية صراع تتعلق بدور إيران في توازنات القوى بالمنطقة، وصراع أشد يتعلق بسؤال كبير:
هل يكتفي الغرب بتغيير سلوك النظام أم الإطاحة بالنظام الإيراني؟ 

وفيما يبدو حتى الآن أن "التفاهم مع طهران" هو الغالب، وكذلك أنصار الحوار في داخل مؤسسة الحكم الإيرانية، ومن مسافة قريبة يتابع أنصار الحرب المفاوضات، ويترقبون أي هفوة لقلب الطاولة، وقد عُقدت الجولة الثانية من المحادثات بين واشنطن وطهران في روما، في 19 أبريل، ومن المقرر عقد الاجتماع الثالث في 26 أبريل بمسقط. 

وينبغي التأكيد على أنه لا يوجد موقف موحد داخل فريق التفاوض الأمريكي بشأن مستقبل "الملف النووي الإيراني"، ففي حين يظهر تفاؤل حذر من قبل ويتكوف في بعض الأماكن، فإن ماركو روبيو أكثر ميلاً إلى دعم سيناريو القوة.

ووفقًا لما نشره موقع “يوراسيا ريفيو”، لا تزال إيران تملك مفاوضين أكثر دهاء من كثير من نظرائهم، لا سيما أن برنامجها النووي بلغ مراحل متقدمة، وقد حققت إيران من خلال هذه المفاوضات أربعة إنجازات مهمة: 
أولاً، كانت الولايات المتحدة تصر على عقد المحادثات في الإمارات، لكن إيران نجحت في نقلها إلى عمان.
ثانياً، رغم تهديد الأمريكيين بعدم المشاركة إذا لم تكن المحادثات مباشرة، فإنها جرت كما أرادت إيران بشكل غير مباشر.
ثالثاً، اقتصرت المحادثات على البرنامج النووي الإيراني فقط، دون التطرق لأي قضايا أخرى. 

وأخيرًا، بينما كانت الولايات المتحدة قبل بدء المحادثات تتحدث عن تفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني، انتهت المحادثات بالتركيز فقط على الجانب المتعلق بتسليح البرنامج، دون المساس بجوهره. 

وتخيم على المفاوضات أجواء مشحونة، حيث يرى كثيرون في طهران أنها تأتي ضمن حملة منظمة من قبل الغرب وإسرائيل لزعزعة استقرار المنطقة، فالحرب المشتعلة في غزة، والغارات الإسرائيلية المتكررة على سوريا ولبنان، إلى جانب إعادة تموضع حاملات الطائرات الأمريكية في الخليج، كلها عوامل أسهمت في تصاعد مستوى التهديدات بشكل كبير. 

ويرى محمد مرندي، المحلل السياسي البارز أن «إيران تحلت بالصبر في وجه سياسة الضغوط القصوى، والآن أدرك الأمريكيون أن أي منظومة أمنية في غرب آسيا لا يمكن أن تُبنى دون مشاركة إيران».

ورغم أن الجولة الثانية سارت إلى حد كبير وفق الخطوط العريضة للجولة الأولى، فإن الاستعدادات لها كانت أوسع: فقد عقدت الوفود مشاورات مع اللاعبين الخارجيين، فقد أجرى عباس عراقجي ونظيره الروسي سيرغي لافروف مباحثات؛ وأجرى ويتكوف سلسلة من الاجتماعات مع زملائه من فرنسا وألمانيا وبريطانيا. 

وأُطلق على الاجتماعات في باريس اسم "حفلة المتشائمين"؛ لأن غالبية الشركاء الأوروبيين لا يقاسمون المفاوضين الأمريكيين تفاؤلهم، ومن الملاحظ أن الدول الأوروبية تسعى إلى تصعيد الوضع حول البرنامج النووي الإيراني، لأنها غير راضية عن الدور الذي أسندته لها واشنطن في التفاوض. 

وأوروبا ليست وحدها فقد أعرب الإسرائيليون عن استيائهم من تحرّك واشنطن وطهران نحو الخطوط العريضة للاتفاق الذي وقعه أوباما، ورغم استمرار المفاوضات بسلام إلا أن المرحلة الأكثر تعقيدًا "تقترب الآن"، حيث تمضي المفاوضات إلى المستوى التالي، وتنتقل "من مناقشة الإطار العام إلى دراسة التفاصيل الفنية"، وهي المرحلة المقرر عقدها يوم الأربعاء في عُمان بين مجموعات العمل تمهيدًا لجولة المحادثات الثالثة السبت؛ وهي مرحلة يصفها الخبراء بمرحلة التفاصيل، "حيث تكمن الشياطين"؛ وفي هذه المرحلة يستعرض الطرفان نتائج المناقشات المهنية ويقرران مستقبل العملية الدبلوماسية. 

ويشير كثير من الخبراء إلى شروط إيران التسعة الأساسية التي أعلنتها لإجراء المفاوضات من أبرزها، "الجدية، والضمانات الأمريكية الملموسة، والتوازن، وتخفيف العقوبات، ورفض النموذج الليبي، ووقف التهديدات الأمريكية، والتقدم السريع، واحتواء الجهات الفاعلة المزعزعة للاستقرار مثل إسرائيل، وتسهيل الاستثمار الأجنبي". 

ورغم انعدام الثقة العميق بين طهران وواشنطن، إلا أن الجانبين اتخذا "قرارًا استراتيجيًا ببدء جهد دبلوماسي قائم على قاسم مشترك، وهو تجنب الحرب". ويستنتج البعض من الكتاب الغربيين أنه "ظاهريًا تُعتبر هذه الحرب تهديدًا أحادي الاتجاه من قِبل الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران، ولكن من الممكن الاستنتاج من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن التهديد ثنائي الاتجاه". 

ويوضح الكاتب تسفي برئيل في صحيفة هآرتس الإسرائيلية رأيه بالقول "ترامب، الذي يسعى لفصل بلاده عن مناطق الحرب العالمية، بدأ بسحب القوات الأمريكية من سوريا، وأعلن بوضوح تخليه عن جهود الوساطة في أوكرانيا"، ويضيف أنه "وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن ترامب عرقل الخطط الإسرائيلية لضرب إيران". 

ويؤكد برئيل بناء على ما سبق أن ترامب ليس متحمسًا، في الوقت الحالي، لحرب جديدة ضد إيران؛ لأنه على عكس الحرب الروسية الأوكرانية، من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة طرفًا فاعلاً في حرب ضد إيران، وقد تتكبد خسائر، وفق ما يرى الكاتب. 

ويلفت برئيل إلى أن هذه "المفاوضات الثنائية لها صفة خاصة بأنها تجمع بين إدارة ترامب والنظام الإيراني، دون دعوة الشركاء الأوروبيين، الذين وقّعوا الاتفاق النووي الأصلي عام 2015، كما أن الصين وروسيا لم تشاركا في المفاوضات"، والأهم من ذلك كله، "أن إسرائيل ليست حتى مراقبًا في المحادثات"، وأنها "مُضطرة للاكتفاء بإرسال مدير الموساد ديفيد بارنيا ووزير الشئون الإستراتيجية رون ديرمر إلى روما للقاء المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، بشكل شبه سري، لمحاولة عرض مطالبها". 

ووفق ما يقول يخلص الكاتب إلى أنه من المتوقع أن "تُشكّل هذه المحادثات منصةً لعرض إنجازات ترامب، في وقت سيُسلّط فيه الضوء على الاختلافات الرئيسية بين الاتفاق النووي الأصلي الذي وقّعه خصمه اللدود الرئيس السابق باراك أوباما، واتفاق ترامب الذي سيمهد الطريق للجائزة الكبرى". 

لكن وبحسب الكاتب فإن إيران أيضًا "تحتاج إلى نموذجٍ يُحتذى به، وستسعى جاهدةً لتقديم أي اتفاقٍ على أنه لا يختلف جوهريًا وتفصيليًا عن الاتفاق الأصلي، وستحصل، كمكافأةٍ إضافية، على ضمانٍ لتنفيذه والالتزام بالتعهدات هذه المرة من ترامب نفسه الذي انسحب من الاتفاق الأصلي".

ويبقى أن المؤكد هنا أن الحرب لم تندلع بعد، وأن بداية المفاوضات لم تبدأ مثلما أُعلن في مسقط مؤخرًا، بل بدأت طهران التواصل مع فريق ترامب منذ عامين بعلم المرشد علي خامنئي، مثلما كشف محمد مهدي شهرياري، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني. 

وفي المقابل كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن رفض ترامب ضربةً عسكريةً إسرائيليةً مقترحةً على المنشآت النووية الإيرانية، خلال اجتماع متوتر مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث أوردت أنه قال لنتنياهو: "نحن لا ندعم العمل العسكري ونحن على طاولة المفاوضات". 

والأمر الآخر الواضح هو التفاوض بشكل أساسي على تخصيب اليورانيوم، الذي يعد من أكثر القضايا إثارة للجدل.

وأشارت طهران إلى استعدادها للعودة إلى الحد الأعلى المتفق عليه في الاتفاق مع أوباما، ولكن بشرط رفع العقوبات الاقتصادية في المقابل، ويعد إلغاء تجميد أرصدة إيران الخارجية الضخمة، التي تقدر بأكثر من 100 مليار دولار، من مطالبها الرئيسية. 

ووسط هذه التطورات المتلاحقة لا تعرف الكثير من دول المنطقة ما يخطط له ترامب في المفاوضات مع إيران، وأن التقييم في الخليج هو أنها قد تكون غير متوقعة، وقد تكون قصيرة الأجل. 

وأحسب أن الدول العربية عليها أن تعطي دفعة قوية للحوار والانفتاح على إيران، وأن تجري بنفسها "صفقة التعايش" مع طهران في ظل تحسن الأجواء بين الطرفين، ودعم تيار الانفتاح الإيراني، وتبديد مخاوف البعض في طهران. 

ولكن حسن الجوار له ثمن، وطريق ذو اتجاهين، وحان وقت السير فيه بسرعة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة