مشكلة ابنى جعلتنى أرى الحياة على حقيقتها ولا أعطى الأمور أكبر من قيمتها الحقيقية
موضوعات مقترحة
اخترت أن أخوض رحلة علاج ابنى بمفردى وأصبحت أبا وأما معا
ذوو الهمم ليسوا بحاجة إلى شفقة ولكنهم بحاجة إلى دعم وتشجيع
الأب هو السند والقوة التى نستمدها من الحياة وهو القلعة التى تحمينا من عواصف الزمن .. الأب هو الجبل الصامد والنجم الذى لايتلاشى وهو قوة الصخر ودفء الشمس الذى يعطى بلا حدود.. لذا فوجود أب داعم يساعد الأبناء على التعبير وتنمية ثقتهم بالنفس، وبالرغم من تصوير أغلب الأعمال الدرامية للأب وهو دائما الذى يتخلى عن أولاده ويضحى بهم فى سبيل سعادته إلا أن هناك نماذج فى الواقع هى الأكثر تضحية وإيثارا للأولاد بل قد تكون أكثر تفانيا من أجلهم عن الأم نفسها وهذا بالضبط ما فعله أحمد سمير رئيس إذاعة نغم إف إم السابق ومدير مركز ريادة المصرى الدولى الحالى عندما قرر فى لحظة التضحية بمستقبله فى الإعلام والاعتذارعن منصبة للتفرغ لعلاج ابنه بعدما اكتشف إصابته بالتوحد .. بل وقرر دراسة اضطراب التوحد بشكل أكاديمى حتى لايتورط فى أى علاج خاطئ لابنه الوحيد فكيف استطاع أن يصبح أبا وأما معا وهذا ما سنعرفه منه فى السطور القادمة.
علاقتك بالتوحد بدأت بميلاد ابنك أم كان لك اهتمام بذوى الهمم من قبل؟
أنا لم أكن أعلم عن التوحد أى شىء بالعكس كنت أقول عليه أكذوبة وكان لى صديق دكتور أطفال أكد لى أنه كذبة و"سبوبة " بيرتزق بها من يعملون فى هذا المجال، وأن الأمر لايتعدى كونه تجارة وبيزنس، وكان وقتها ياسين ابنى عمره عامان ولأن مريض التوحد لاتظهر عليه أى علامات فى شكله تشير الى المشكلة حيث أنه يبدو من الشكل والملامح طفلا طبيعيا جدا فلم ألاحظ سوى أنه تأخر فى الكلام والحركة بالإضافة الى أنى صدقت كلام صديقى خاصة أنه دكتور أطفال كبير، وهذا عطلنى عن التدخل المبكر والذى من شأنه أن يحول طفل التوحد من شخص إتكالى الى شخص شبه طبيعى.
معنى ذلك أن التدخل المبكر يفرق مع طفل التوحد؟
بالتأكيد يفرق جدا لأن عدم التدخل المبكر يفوت على المخ مراحل كثيرة جدا من الوعى والإدراك، والتدخل الذى أقصده هنا يكون من أول شهر بعد ميلاد الطفل، وبالمناسبة لو هناك وعى عند الأب والأم فسيعرفان طفل التوحد من الشهور الأولى خاصة من نظرة عين الطفل وحركته وبطء إدراكه وهذا ما عرفته بعد ما درست التوحد بشكل أكاديمى.
أحمد سمير
بما أنك درست التوحد.. فهل الإصابة به تأتى نتيجة خلل جينى أم هناك أسباب أخرى؟
لايوجد حتى الان سبب محدد لهذا الاضطراب فقد تلعب العوامل الجينية والوراثية دورا كبيرا فى الإصابة ولكنها تتفاعل أكثر مع العوامل البيئية المختلفة مثل الضغط العصبى والنفسى الذى تتعرض له الأم أثناء فترة الحمل والتلوث وأحيانا الأدوية والمواد الكيمائية لذا فمهم جدا أن تحاط الأم من أول يوم فى الحمل ببيئة آمنة صحيا ونفسيا، وتجنب حدوث الخلافات بينها وبين الأب، لأنه حتى لو كان هناك جين فمن الوارد جدا ألا يؤثر على الطفل فى حالة مرور فترة الحمل على الأم بشكل آمن وسليم، والعكس صحيح حيث إن الضغط النفسى يشجع على حدوث هذا الاضطراب ويزيد من احتمالية الإصابة به، وبالمناسبة الاضطراب مختلف تماما عن الإعاقة لكونه أمرا غير مفهوم.
وجود طفل بالأسرة مصاب بالتوحد أمر فى غاية الصعوبة .. فكيف استقبلت الخبر؟
طبعا فى البداية تعرضت لصدمة كبيرة وإنكار وعدم تقبل ولكن مع الوقت بدأت أستوعب الأمر وأتقبله وأتعامل معه.
وقتها كنت رئيس أهم إذاعة فى مصر وهى نغم إف إم .. فلماذا قررت الاستقالة؟
كان مستحيلا أن أحارب فى جبهتين خاصة فى تلك الفترة من عمر إذاعة نغم إف إم حيث كانت تحتاج إلى تركيز كبير جدا، وعلاج ابنى كان يحتاج تركيزا أكبر وتفرغا شبه تام، ففضلت ابنى على مستقبلى وطموحى، وقررت الاستقالة من الإذاعة وتفرغت له وأخذته وسافرنا ألمانيا ظنا منى أن العلاج هناك أحسن، ولكنى اكتشفت مع الوقت أن العلاج بمصر أفضل بكثير، وفى ألمانيا درست ما يسمى بالعلاجات الوقائية التى تهدف بشكل أساسى إلى الحفاظ على صحة الطفل أو الفرد عموما ووقايته من الإصابة بمشكلات أكثر خطورة على المدى البعيد ويعتمد العلاج فيها على التغذية والمساج والدايت وتخصصت فى العلاجات التى تدور حول التوحد بشكل عام وفى مصر درست بكلية علوم ذوى الإعاقة بجامعة الزقازيق وحاليا أعد الماجيستير فى التوحد.
فى عز حربك ضد مشكلة ابنك خضت تجربة الطلاق .. فكيف كان وقع الأمرعليك وعليه؟
دعينى أوضح أولا أن أى أسرة عندها طفل مصاب بالتوحد أو بأى مشكلة تتعرض لضغوط كبيرة، وهذه الضغوط تؤثر على علاقة الأب والأم، وبالتالى قراراتهما تكون غير متزنة الى حد ما وهناك أهالى أصلا تهرب من المسئولية خاصة الأب، فأنا خلال رحلتى مع اضطراب التوحد رأيت أمهات كثيرات تتحملن مسئولية الطفل وحدها نتيجة تخلى الأب عن دوره، ولكن بالنسبة لتجربتى الشخصية فبالرغم من أن والدة ابنى كانت متعاونة جدا معى فى المشكلة إلا أن الطلاق حدث نتيجة عدم التفاهم والضغوط، وأنا أخترت ابنى يكون معى، وأن أتحمل مسئوليته بالكامل وهو اختيار ليس سهلا على الإطلاق ولكن لم يكن له بديل بالنسبة لى لأنى لم أستطع البعد عنه ليوم واحد ولا أتخيل حياتى من غيره.
قلت إن نظرتك للحياة اختلفت بعد مشكلة ابنك .. فما الذى اختلف فيها؟
رأيت الدنيا على حقيقتها وبشكلها الطبيعى فعندما كنت رئيس إذاعة كان تليفونى يرن كل دقيقة وكان الكل يسأل ومهتما، وأول ما اعتذرت عن المنصب وتفرغت لابنى كل هذا البريق اختفى والناس اختفت معه فبدأت أرى الأمور والناس والمواقف بشكل مختلف وأعطيها قيمتها الحقيقية، وأصبحت أقدر وأمتن للأشياء التى كنت أراها عادية لكنها هى فى حقيقة الأمر نعمة كبيرة، وبدأت أتعلم كل تفاصيل البيت لأنى أصبحت أبا وأما معا ومن هنا أدركت كم التعب الذى تعانى منه الأمهات ونحن غالبا لا نقدره.
متى قررت العودة إلى مصر؟
بعدما انتهيت من الدراسة وبدأت أعالج حالات فى ألمانيا والحمدلله حققت نجاحا فى علاج بعض الحالات بعدها قررت أن أرجع لمصر لاستكمال دراسة الماجيستير وعلاج ابنى هنا وكي أفيد بلدى بما تعلمته، وبالمناسبة مصر من أفضل الدول للتعامل مع ذوى الهمم وبعد عودتى لمصر التقيت بدكتور محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم ولمست اهتمامه الكبير بهذا الملف واهتمام الدولة والقيادة السياسية به، وإصرار معالى الوزير على إحداث طفرة لأبنائنا من ذوى الهمم، لذا قررت الاستقرار فى مصر والعمل على نشر الوعى بأهمية التدخل المبكر فى حالات التوحد.
أنت الآن المدير التنفيذى لمركز ريادة المصرى الدولى .. فما هى طبيعة عمل هذا المركز؟
هذا المركز يعد أكبر مركز فى الشرق الأوسط وأفريقيا لذوى الهمم وأسرهم، وهو يعمل تحت رعاية وزارة التربية والتعليم بهدف تمكين ذوى الاحتياجات الخاصة ونشر الوعى وتعزيز الدمج لبناء مجتمع عالمى شامل ومستدام لأن ذوى الهمم ليسوا بحاجة الى شفقة بل هم بحاجة الى دعم واحترام يضمن لهم حياة كريمة وفرصا متكافئة واحترام مساحتهم الشخصية، وجدير بالذكر هنا أن هذا المركز يحظى باهتمام خاص جدا من السيد وزير التربية والتعليم، فهذا الرجل فارس بمعنى الكلمة، وهو متبنى دعم هؤلاء الأطفال وكأنهم أولاده وأطلق مبادرة "ابنى ابنك" لدعم أطفال التوحد وداون بالمجان.