السلاح الذي تخشاه الولايات المتحدة

22-4-2025 | 11:58

لطالما مثّل الدولار الأمريكي قوة مالية هائلة منحت الولايات المتحدة مجموعة من الامتيازات الاستثنائية، يأتي في طليعتها القدرة على إصدار سندات الخزانة، والتي تُعد من أكثر أدوات الدين جاذبية على مستوى العالم، فالدول والمؤسسات تبحث عن استثمار آمن، وسندات الخزانة الأمريكية لطالما كانت تعتبر ذلك الحصن الآمن.

لكن... ماذا لو تحوّل هذا السلاح إلى نقطة ضعف؟

الدولار: نعمة اقتصادية... أم قنبلة موقوتة؟
يتيح الدولار لواشنطن الاقتراض بعملتها الخاصة، ما يعني أنه إذا خُفّضت قيمة الدولار، فإن القيمة الحقيقية للديون الأمريكية تنخفض أيضًا، هذا الامتياز يمنحها مرونة مالية غير متاحة لأي دولة أخرى.

ورغم هذه القوة، فإن الواقع يكشف أن الولايات المتحدة هي أكبر مدين في العالم، بإجمالي ديون بلغ 36.1 تريليون دولار – أي ما يعادل 34.6% من الدين الحكومي العالمي، وفق بيانات وزارة الخزانة الأمريكية الصادرة في ديسمبر الماضي.
 
من يملك هذه السندات؟
بحسب موقع USAFacts، فإن الدول الأجنبية تمتلك نحو 8.5 تريليون دولار من سندات الخزانة الأمريكية حتى نهاية يناير الماضي، ارتفاعًا من7.9 تريليون في أبريل 2024.
 
تتصدر اليابان قائمة كبار المستثمرين بسندات تقارب تريليون دولار.

تليها الصين مستحوذة على ما قيمته 761 مليار دولار، ثم بريطانيا التي بحوزتها نحو 740 مليار دولار. 

كما تشمل القائمة دولًا أخرى مثل لوكسمبورج، جزر كايمان، بلجيكا، كندا، فرنسا، أيرلندا، سويسرا.
 
السندات في قلب الحرب التجارية
في 8 أبريل الجاري، اهتزّت الأسواق المالية والسلع العالمية؛ نتيجة التوترات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، وسياسات التعريفة الجمركية التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتسببت هذه الأوضاع في اضطرابات حادة داخل سوق السندات الأمريكية، أدت إلى ارتفاع كبير في عوائد السندات طويلة الأجل، في أعلى صعود لها منذ ثمانينيات القرن الماضي.

وهذا الارتفاع في العوائد ليس مجرد رقم، بل هو مؤشر على زيادة تكلفة الاقتراض، وهو ما يُعد تهديدًا مباشرًا لنمو الاقتصاد.

وتعتبر زيادة العوائد على السندات ضربة إضافية للاقتصاد من خلال رفع تكاليف الاقتراض بشكل عام، كما أنها ألقت بظلال من الشك على مكانة سندات الخزانة كملاذ آمن عالمي، إذ تنخفض قيمتها بالتوازي مع تراجع سوق الأسهم.
 
هل بدأ الملاذ الآمن بالانهيار؟
لطالما كانت سندات الخزانة الأمريكية هي الوجهة الأولى للمستثمرين في أوقات الأزمات؛ ولكن هذا "اليقين" بدأ بالتلاشي؛ فالمستثمرون باتوا يبحثون عن بدائل أكثر أمانًا مثل الذهب، الين الياباني، والفرنك السويسري.

ويتوقع البعض أن تقوم البنوك المركزية الكبرى -وعلى رأسها الصين- بإعادة النظر في حيازاتها من السندات الأمريكية، في محاولة لحماية اقتصاداتها من تقلبات السياسات الأمريكية.
 
ضغوط غير مسبوقة... والتراجع يبدأ
رغم محاولة المسئولين الأمريكيين -مثل وزير الخزانة سكوت بيسنت- التقليل من خطورة "سلاح السندات"، فإن الواقع يقول خلاف ذلك؛ فقد اضطر البيت الأبيض لتأجيل بعض الرسوم الجمركية، ليس استجابة لتحذيرات المحللين أو قلق الأسواق، بل بسبب التقلبات العنيفة في سوق السندات الأمريكية.

وهذا يفتح باب التساؤل: ماذا لو استمر هذا الاتجاه؟ وماذا لو تم استخدام السندات كسلاح فعلي في النزاعات الاقتصادية والجيوسياسية؟
 
توازن على حافة الخطر
السندات الأمريكية لم تعد بالضرورة ذلك الملاذ الآمن، الذي لطالما وثق به المستثمرون، وعندما تبدأ الأسهم والسندات بالهبوط معًا، فذلك يعني أن السوق بأكملها تخشى المستقبل.

وتمامًا كما حدث في الأزمات الكبرى كجائحة كوفيد-19 عام 2020 والأزمة المالية العالمية عام 2008، فإن ما نشهده اليوم قد يكون مقدمة لمرحلة اقتصادية تتطلب قراءة دقيقة وإعادة تقويم شاملة.

فالولايات المتحدة لديها أسلحتها الاقتصادية كالدولار والسندات، لكن لو انقلب السحر على الساحر فقد يكون هذا أكبر تهديد اقتصادي حقيقي.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة