احتفل المصريون القدماء بعيد "شمو" ويعنى بالهيروغليفية عيد الحصاد، وهو في الوقت نفسه أحد ثلاثة فصول قسم بها المصري القديم السنة، وفي العصر القبطى تحول الاسم إلى شم، ثم أضيف إليه كلمة النسيم، ولأن شم النسيم هو الاحتفال بقدوم فصل الحصاد، فلم يتخل عنه المصرى عبر الأزمنة حتى بعد أن اعتنقوا المسيحية ثم الإسلام.
موضوعات مقترحة
وتم تحديد اليوم بميعاد الانقلاب الربيعى وهو اليوم الذى يتساوى فيه الليل والنهار، وكانوا يعلنون عنه عند الهرم الأكبر حيث يجتمع الناس في احتفال رسمي، فيظهر قرص الشمس قبل الغروب كأنه يجلس فوق الهرم، واختلف المؤرخون على تحديد متى بدأ الاحتفال به، فيرجعه البعض إلى عصر ما قبل الأسرات وقبل بناء الأهرامات بقرون طويلة، ويرى غيرهم أنه يعود إلى 4000 قبل الميلاد.
أما الغالبية من المؤرخين فيرون أنه بدأ الاحتفال رسميًا به اعتبارًا من عام 2700 ق.م أى مع نهاية الأسرة الثالثة وبداية الرابعة، وانتقل إلى حضارات العالم القديم من مصر، والحقيقة أنه بدأ شعبيا يحتفل به المزارعون حتى تحول إلى عيد رسمى مع نهاية الأسرة الثالثة.
وظلت عادات الاحتفال بالحصاد التى حرص عليها المصرى القديم مستمرة حتى الآن، فيخرج الناس إلى الحدائق ويمرحون ويهللون، ويركبون القوارب النهرية، وخصوا هذا اليوم ببعض المأكولات الخاصة وهى البيض والفسيخ والبصل الأخضر والخس والملانة (الحمص).
ويوضح الأستاذ عصام ستاتى في كتابه (شم النسيم – أساطير وتاريخ وعادات وطقوس) أن هذه الأطعمة الخمسة مرتبطة بخماسية الكف وأصابع اليد، ولها جذور مقدسة ومرتبطة بالعقائد المصرية القديمة، وانتقل بعض من هذه المائدة إلى شعوب العالم.
البيض
يسمى في الهيروغليفية (سوحت)، وبالقبطية سوحى، وكان بيض النعام يقدم كجزء من الجزية التى تقدمها الشعوب المغلوبة لمصر، ويرمز في العقيدة المصرية القديمة إلى خلق الحياة، وهى رمز الشمس المتجددة وانبثاق الحياة، وأما الرسم عليها وزخرفتها فقد ارتبط هذا بليلة عيد شمو حيث كان المصري القديم ينقش على البيض دعواته وأمنياته ويجمعها في سلال من سعف النخيل الأخضر ويعلقها في شرفات المنازل أو أشجار الحدائق، ويبدأ العيد بتبادل التحية (دقة البيض) وإذا لم تنكسر تتحقق الأمنية، ثم يأكلونها، وانتقلت تلك العادة إلى آسيا الصغرى وفلسطين، أما تلوين البيض فقد ظهر في فلسطين بعد المسيحية وتم صبغه باللون الأحمر ثم انتقل منها إلى مصر، إلا أن المصريين أضافوا ألوانا أخرى بعد هزيمة الصليبين في المنصورة والذى وافق خروجهم في شم النسيم.
الفسيخ
عرف المصرى القديم السمك منذ بداية استقراره حول النيل، وحرم أكله ثلاثة أشهر كل عام حيث تقل فيها مياه نهر النيل، ولذلك كانوا يحفظونه بالتجفيف والتمليح وظهر هذا في رسومات على مقبرة (نب كاووحر) بسقارة، وظهر الفسيخ منذ الأسرة الخامسة، ويوضح الكتاب، أن علماء البحار أكدوا وجهة نظر المصريين القدماء في عدم أكل السمك الطازج في أوقات معينة بالسنة أنها تكون فترة تكاثر للأسماك وتلك الشهور هى (يونيو ويوليو وأغسطس)، وذكر هيردوت أنهم كانوا يأكلون السمك المملح في الأعياد وأطلقوا عليه اسم "بور" وأصبح في القبطية "بورى".
وكان السمك المملح يوصف للوقاية وعلاج بعض أنواع حميات الربيع والوقاية من ضربات الشمس وذلك حسب بردية إبيرس الطبية، ويرجع السبب العقائدى في هذه الوجبة إلى مفهوم أن الحياة وجميع المخلقات خلقت من الماء، وكان يصاحبه دائما نباتات جزرية كناية عن فكرة الانبثاق من عالم الموت السفلى.
البصل
ظهر على موائد القرابين في الأسرة الخامسة، وذكر هيرودوت أن المصريين كانوا يأكلونه بكميات كبيرة، وكان يستخدم في الوصفات الطبية لعلاج العديد من الأمراض، وظهر على مائدة شم النسيم مع الأسرة السادسة، وارتبط بأحد أساطير منف التى تروى أن ابن أحد ملوك المصريين أصيب بمرض عضال وتوقف الاحتفال بالأعياد وقدمت القرابين، وشُفى بعد أن أمر أحد الكهنة بوضع ثمرة ناضجة من البصل تحت رأسه بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ، ثم شقها مع شروق الشمس ليستنشقها الأمير الصغير كما طلب منهم تعليق حزم من أعواد البصل فوق السرير وعلى أبواب الغرف وبوابات القصر، ثم أتى شم النسيم بعد شفائه بأيام فأمر الملك بتعليق البصل على أبواب البيوت، ومن ذلك الوقت حتى الآن أصبح البصل ملازما للفسيخ في احتفالات ذلك اليوم.
الخس
ظهر الخس على جدران المعابد والمقابر منذ الأسرة الرابعة، وزرع منه أنواع عديدة، اسمه بالهيروغليفية "عب" أو "حب" أو "عبو" وبالقبطية "أوب، اعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة، اشتهرت مدينة أخميم بزراعته، وذكر في بردية إبيرس الطبية في 13 وصفه طبية، ويحتفل المصريون ببشائره في شم النسيم.
الملانة والحمص
هى الحمص الأخضر، عرف في مصر منذ الدولة القديمة، وأطلق على الحمص اسم (حور بيك) بمعنى رأس الصقر، حيث إن الثمرة تشبه رأس حور الصقر المقدس، وسموا الملانة طبول الحصاد لأن بنموها يكتمل الحصاد، وذلك لصدور أصوات كقرع الطبول مع هبوب نسمات الربيع، وللحمص فوائد عدة ذكرتها البرديات الطبية ويستخدم في علاج الكلى، الكبد، المثانة، ويقي الأطفال من أمراض الربيع، ويستخدم مطحون الحمص في إيقاف نزيف الجروح، وكانت الفتيات تصنع من الملانة الخضراء عقودا وأساور لتتزين.
ولم يكتفوا بهذه الأكلات الخمس في احتفالاتهم بل كان إلى جانبها الإوز والبط، ومن تقاليدهم التزين بزهور الياسمين واسمه بالهيروغليفية (ياسمون)، وكذلك تكحيل العين للوقاية من الرمد الربيعى.