في تحرك دبلوماسي يعكس موقع مصر المحوري في دعم التعاون بين الدول النامية، استضاف السفير أيمن كامل، سفير جمهورية مصر العربية لدى سلوفاكيا، لقاءً موسعًا في مقر السفارة المصرية بالعاصمة براتيسلافا، جمع سفراء عدد من دول الجنوب العالمي (Global South) المعتمدين لدى سلوفاكيا مع وزير الدولة السلوفاكي للشئون الخارجية مارك إيشتوك (Marek Estok)، في إطار حوار استراتيجي يعكس رغبة جماعية في صياغة نماذج جديدة للتعاون الدولي القائم على التوازن والاحترام المتبادل.
موضوعات مقترحة
ضم اللقاء سفراء كل من الصين، والهند، والبرازيل، وتركيا، وإندونيسيا، وكوبا، وليبيا، وفلسطين، إلى جانب مصر، حيث تناولت المناقشات سبل توسيع التعاون بين بلدان الجنوب، وتعزيز الحوار مع الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل التحديات العالمية المتسارعة، بدءًا من قضايا التغير المناخي، ومرورًا بالأمن الغذائي والعدالة الضريبية، وصولًا إلى بناء أنظمة اقتصادية أكثر شمولًا وإنصافًا.
وفي كلمته خلال اللقاء، أكد السفير أيمن كامل أن دول الجنوب العالمي لم تعد هامشًا في العلاقات الدولية، بل أصبحت قوة فاعلة ومؤثرة، حيث تمثل قرابة 45% من سكان العالم، وتستحوذ على نحو 25% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وتنتج ما يقرب من 40% من الحاصلات الزراعية العالمية، ما يجعلها شريكًا لا غنى عنه في تشكيل معادلات جديدة على الساحة الدولية.
وأشار إلى أن التعاون بين دول الجنوب لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات العابرة للحدود، من خلال التعاون الثلاثي وتبادل المعارف والخبرات والتقنيات، واستلهام التجارب الناجحة في مجالات التنمية، والصحة، والتعليم، وحقوق الإنسان، والتوسع الحضري، ومكافحة تغيّر المناخ.
كما شدّد السفير على أهمية بناء شبكات تنموية بديلة تتجاوز المركزية الغربية، وترتكز على مبادئ الإنصاف والتنمية المستقلة والسيادة الوطنية، داعيًا إلى بلورة رؤية جماعية تحقق مصالح الشعوب النامية وتدعم قوتها التفاوضية في المحافل الدولية.
من جانبه، أعرب الوزير مارك إيستوك عن تقدير بلاده للمبادرة المصرية، واصفًا اللقاء بأنه “خطوة رائدة” تعكس أهمية بناء جسور شراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول الجنوب العالمي، في وقت تتطلب فيه الأزمات الدولية مراجعة جادة لأنماط التعاون التقليدية وفتح مسارات جديدة أكثر شمولًا وتنوعًا.
وأكد المسؤول السلوفاكي اهتمام بلاده بتعزيز الحوار السياسي والتنموي مع مجموعة الجنوب، بما يسهم في تحقيق توازن عالمي أكثر عدالة، وتفعيل دور الدول النامية في تشكيل مستقبل النظام الدولي.
وقد وصفت وزارة الخارجية السلوفاكية، عبر موقعها الرسمي، هذا اللقاء بأنه “حدث ذو أهمية تاريخية”، كونه الأول من نوعه الذي يجمع مسؤولًا رفيع المستوى بسفراء مجموعة الجنوب العالمي المعتمدين لدى براتيسلافا، ويعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية هذا التكتل الدولي في رسم سياسات المستقبل.
الجنوب العالمي… ما بين الجغرافيا والإرادة المشتركة
رغم أن مصطلح “الجنوب العالمي” يوحي بحدود جغرافية، إلا أنه يعبر في جوهره عن تحالف دولي يحمل همومًا مشتركة، تتعلق بعدم الإنصاف في توزيع الموارد، والتمثيل الدولي غير المتكافئ، ويضم دولًا تقع جغرافيًا في شمال الكرة الأرضية كـ الهند، والصين، ومعظم دول أفريقيا، بينما لا تشمل دولًا في الجنوب كـ أستراليا ونيوزيلندا.
ويستند كثير من الباحثين إلى ما يُعرف بـ “خط براندت”، وهو تقسيم اقترحه المستشار الألماني الأسبق ويلي براندت في الثمانينات، لرسم الفاصل غير المرئي بين “الشمال الصناعي الغني” و”الجنوب النامي”، على أساس مستويات التنمية ونصيب الفرد من الناتج المحلي.
مصر… من باندونغ إلى براتيسلافا
ويأتي هذا اللقاء ليؤكد استمرار مصر في أداء دورها التاريخي كصوت فاعل في تكتلات الجنوب، منذ مؤتمر باندونغ وحركة عدم الانحياز، وحتى اللحظة الراهنة، التي تسعى فيها القاهرة إلى تفعيل نموذج جديد من الدبلوماسية التنموية، قائم على التكامل جنوب–جنوب، وبناء جسور من التعاون ترتكز إلى الندية والشراكة لا التبعية والمركزية.
في عالم تتغير خرائطه سريعًا، وتُعاد فيه صياغة معادلات النفوذ والتحالفات، تفتح مصر بابًا جديدًا للتفاهم بين الجنوب والعالم، وتُعيد التأكيد على أن الإرادة السياسية المشتركة هي البوصلة الحقيقية لمستقبل أكثر عدالة وتنوعًا
السفارة المصرية في براتيسلافا تطلق حوار الجنوب العالمي
السفارة المصرية في براتيسلافا تطلق حوار الجنوب العالمي