لا أحل المشاكل لكنني أساعد فى استعادة الناس لـ"النسخة الأصلية"
موضوعات مقترحة
يمكن إخراج المشاعر المكبوتة من خلال الرسم أو الرقص
تخرجت في كلية التربية قسم الفيزياء، وعملت لفترة كمدرسة ثم حصلت على درجة الماجستير في "تعليم الفيزياء"، وبعدها انتقلت للعمل في مكتبة الإسكندرية، حيث شاركت في تنفيذ العديد من البرامج كان آخرها العمل كمنسقة برنامج "العافية النفسية" الذي يهدف إلى مساعدة النشء والشباب على التعبير عن أنفسهم بطرق أفضل، فى الحوار التالى تفاصيل أكثر عن د.منى زكريا ورحلتها من الفيزياء إلى العلاج بالفن.
شغف بالفنون
تقول د. منى: بدأ عشقى للفنون منذ طفولتي، لكن عندما أردت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة واجهت رفضا من والدي، فالتحقت بكلية التربية بدلا منها ورغم ذلك ظلت حالة الشغف بداخلي، حيث كنت أهوى الرقص والغناء والتمثيل والرسم، خاصة أن جدى كان عازفا على آلة القانون، و بعد التخرج، بدأت أسأل نفسي عن وجهتي المستقبلية، فقررت دراسة الفنون والرسم، وشاركت في أنشطة ثقافية عديدة مرتبطة بهذا المجال، من هنا بدأت رحلتي في ورش الكتابة الإبداعية، إذ كنت مغرمة بكل ما يخص الإبداع، كما كنت أسعى للتعرض لتجارب جديدة تساعدني في إنتاج أعمال إبداعية متميزة، لكن خلال تلك الفترة مررت بأزمة شخصية جعلتني أبحث عن أساليب علاجية جديدة، فحضرت جلسة علاج بالفن، وهناك اكتشفت نظرة مختلفة للفن عن تلك التي اعتدت عليها، وبدأت أنظر إليه كأداة للتعبير العميق وليس مجرد هواية.
د.منى زكريا أثناء العلاج بالفن
نقطة تحول
وتكمل د.منى: بعد أن سمعت عن دورة متخصصة في العلاج بالفن التحقت بها، واكتشفت أن كل ما درسته من قبل كان مرتبطا بشيء داخلي لم أكن أعرفه. كانت تلك نقطة تحول كبيرة في حياتي، وبدأت في تطوير معرفتي بعلم النفس، حتى أدركت أن هذه هي طريقتي لفهم نفسي والآخرين، بعد ذلك اتجهت لدراسة مجالات مثل علاج الصدمات النفسية (التروما)، حيث تعلمت كيف يمكن إخراج المشاعر المكبوتة من خلال الرسم أو الرقص.
د.منى زكريا أثناء العلاج بالفن
مفهوم العلاج بالفن
وعن معنى العلاج بالفن تؤكد د.منى أن العلاج بالفن يساعد فى تصحيح استقبال الأشخاص للعالم من حولهم من خلال الاستعانة بعدد من المواد التى تساعد على تحسين "اللمس والإحساس"، فالتواصل مع النفس يحتاج إلى الدخول عبر بوابة الحواس، وإلا سنظل ندور في دائرة مغلقة دون فهم مشاعرنا وإدراكاتنا الداخلية. وتؤكد أن العلاج بالفن يشمل الرقص والعزف والغناء و الرسم والتلوين وغيرها من الفنون.
وتضيف: إن العودة إلى ذواتنا الحقيقية وإعطائها مساحة للتعبير هو أمر ضروري جدا، عندما بدأت في مجال العلاج بالحركة، أدركت لأول مرة أهمية الاستماع إلى الجسد والتواصل معه. هذا ما دفعني لدراسة العلاج النفسي المعرفي والعلاج بالخبرة الجسدية، وهو ما ساعدني على رؤية الأمور من منظور أشمل.
د.منى زكريا أثناء العلاج بالفن
برنامج "العافية النفسية"
وعن برنامج "العافية النفسية" بمكتبة الإسكندرية الذى تعمل د.منى كمنسقة له تقول: بدأت الفكرة فى عام 2015 كمبادرة موجهة لأولياء الأمور، وذلك بعد أن اكتشفت أن المراهقين الذين يترددون على مكتبة "النشء" يعانون من غياب التواصل مع ذويهم. ومن هنا، قررت تقديم برنامج يهدف إلى توعية الآباء حول كيفية التعامل مع أبنائهم.
مع مرور الوقت، تطور البرنامج وبدأ يجذب فئات مختلفة، مثل طلاب الجامعات والمقبلين على الزواج والمهتمين بالتربية. كما أصبحنا نقدم ورشا في العلاج بالحركة والعلاج بالفن، حيث لاحظت أن العديد من الأشخاص يحتاجون إلى مساحة للتعبير عن أنفسهم والاستماع إليهم.
د.منى زكريا أثناء العلاج بالفن
العلاج بالفن والحركة
توضح د. منى أن أي مرض نفسي أو جسدي هو نتيجة الانحراف عن التوازن الطبيعي الذي خلقنا الله عليه، فمثلا، الشخص الذي يُفرط في خدمة الآخرين على حساب نفسه قد يكون لديه مشكلة في رؤية ذاته، مما يجعله يهمل احتياجاته النفسية، العلاج بالفن والحركة يساعدان في استكشاف هذه المشاعر المكبوتة وإطلاقها بطريقة إبداعية.
وتشير إلى أنه من خلال العملية الإبداعية، يستطيع الشخص التعبير عن مشكلاته والتعامل معها، مما يساعده على التحرر من القيود الداخلية، العلاج بالفن ليس مجرد رسم أو تلوين، بل هو وسيلة للوصول إلى أعماق النفس، وإعادة توجيه الطاقة الإبداعية نحو التشافي.
وتؤكد د. منى أن العلاج بالحركة يعمل على دمج جميع أجزاء الجسم، مما يجعله قادرا على التعبير بحرية أكبر، فأثناء الجلسات، يكتشف الشخص أن أفكاره عن نفسه تبدأ في التلاشي، ليتمكن من إعادة الاتصال بجسده والتعبير عن مشاعره بطريقة طبيعية.
وتستخدم د. منى في الجلسات أدوات مختلفة، مثل العصي والكرات الصغيرة، لمساعدة المشاركين على تحسين التواصل الجسدي. كما أن العلاج بالحركة يعيد تشكيل الشبكات العصبية في الدماغ، مما يجعله أكثر قدرة على التواصل مع ذاته بشكل متكامل.
د.منى زكريا أثناء العلاج بالفن
مفهوم التجذر
وعن مفهوم التجذر أو Grounding ، تؤكد د. منى أن هذه التقنية تقوم على السير "حفاة" على الأرض ليحدث نوعا من التفاعل مع الطبيعة عموما والأرض خصوصا، تساعدنا هذه الطريقة على العودة إلى الحاضر، من خلال التركيز على الحواس والارتباط بالأرض، مما يمنحنا شعورا بالاستقرار والطمأنينة، كما أنها تُحفز إفراز هرمونات السعادة مثل الإندورفين، والسيروتونين، والدوبامين، مما يعزز الشعور بالدعم النفسي والاتزان الداخلي لأننا في حياتنا اليومية، نعيش في عقولنا أكثر من أجسادنا، حيث تميل العقول إلى التفكير في الأسوأ لحمايتنا من المخاطر، لكن التفكير الزائد يجعلنا نغفل عن مهاراتنا وقدراتنا الفطرية وبالتالى نلجأ إلى التجذر.
د.منى زكريا أثناء العلاج بالفن
وعى
وعن مدى وعى الناس بفكرة العلاج بالفن تقول د.منى: في بداية عملي، كان الوعي محدودا جدا، لكن مع الوقت بدأ الناس يدركون أهميته، فالمعايشة والتفاعل مع العالم بوعي كامل يجعلان الإنسان يشعر وكأنه وُلد من جديد، حيث يصبح أكثر انسجاما مع جسده ونفسه وإيقاع الحياة من حوله.
وتضيف: الوعي ليس مجرد فهم عقلي، بل هو تجربة حية تحتاج إلى ممارسة يومية، مثل التأمل، والتواصل مع الطبيعة، والانخراط في أنشطة إبداعية تساعد على تنشيط المشاعر المكبوتة والتعبير عنها.
عن الفئة الأكثر اهتماما بفكرة العلاج بالفن توضح د.منى أن النساء هن الأكثر اهتماما بالعلاج بالفن، حيث يتحملن العديد من المسئوليات المهام ويبحثن دائما عن متنفس للتعبير عن مشاعرهن، يليهن المراهقون والأطفال، الذين قد يواجهون مشكلات نفسية بسبب البيئة الأسرية والتربية.
د.منى زكريا أثناء العلاج بالفن
مدة التعافى
وعن المدة المتوقعة لتعافى الأشخاص الخاضعين للعلاج بالفن تقول د. منى: لا توجد قاعدة تحكم مدة التعافي النفسي، فكل شخص لديه رحلته الخاصة، فمثلا الأشخاص الذين يمتلكون وعيا ذاتيا ويملكون رغبة حقيقية في التغيير قد يتعافون بسرعة أكبر، بينما قد يستغرق الأمر وقتا أطول لمن يعتمدون على الآخرين في حل مشكلاتهم. وتؤكد أن العلاج بالفن لايهدف إلى إصلاح أو حل المشكلة، بل إلى استعادة النسخة الأصلية من الإنسان، والتصالح مع تجاربه ونقاط ضعفه، مما يساعده على النمو النفسي والتطور الشخصي واكمال حياته بهذه النسخة الأفضل.
وتشير د.منى إلى أن كل شخص لديه أدواته الخاصة التي تساعده على التشافي، سواء كان ذلك من خلال الفن، أو الطبيعة، أو الرياضة، أو التأمل فمن المهم أن يعى كل شخص بطريقته الخاص نحو التوازن والهدوء النفسي.
طموح
وعن أحلامها وطموحاتها، تؤكد د.منى: أحلم بإنشاء مساحة تجمع بين الفن والعلاج النفسى والطبيعة وهو ما بدأته من خلال إنشاء مبادرة "بيت المنى" التى تقوم على المعايشة فى الحياة من خلال الفنون، حيث يمكن للناس العودة إلى ذواتهم بعيدا عن الضغوط اليومية والشاشات وبالتالى يستطيعون من خلالها التعبير عن أنفسهم واكتشافها من جديد، كما أطمح إلى بناء مجتمع يُقدر التعايش والرحمة، ويركز على الإمكانيات بدلا من القيود، ويسعى إلى تحقيق التوازن النفسي والروحي.