مؤسسو "مزاهر" آخر فرقة زار فى مصر: "عافيتنا" مصدر رزقنا ونغنى بدون نوته
موضوعات مقترحة
يقوم أعضاء الفرقة بتقديم أنواع مختلفة من الأغاني ودق الطبول مع الرقص الخفيف علي إيقاعها وسط تصفيق الحضور
بعض الضغوط والاضطرابات النفسية والضيق تدفع الحاضرين للانسجام مع الموسيقي بالصراخ والرقص
بمجرد أن تُذكر كلمة زار يتلازم معها في عقولنا معتقدات موروثة عن الجن والعفاريت والأرواح، ومشاهد الدم والموسيقي العالية المتسارعة ودق الدفوف والتمتمة بكلمات غير مفهومة، والحركة السريعة والصراخ والسقوط والإغماء، مشاهد كلها منطبعة في عقولنا من خلال مشاهد الأفلام أو الحكايات المتوارثة من أجدادنا، وفي هذا التحقيق ننقل لكم كواليس حضورنا إحدى الحفلات المقامة مؤخرا لآخر فرقة زار في مصر وهي فرقة "مزاهر الزار" التي تقودها الحاجة مديحة، لنعرف بالتفصيل.. ماذا يحدث داخل حفلات الزار؟
أصول الزار
بالبحث سريعا عن أصل كلمة زار وجدناها إفريقية تعود إلي بلاد الحبشة ومعناها في اللغة الأمهرية "إله السماء" ولها أيضا أصل عربي ومعناه "زائر النحس" وكلها دلالات واضحة علي ارتباط هذا الطقس باستحضار الأرواح المتلبسة في جسد الحالة واستضائها وصرفها، وانتقل الزار من الحبشة إلي مصر والسودان من خلال جارية حبشية انتقلت من بلادها إلي مصر للعمل لدي إحدي العائلات الثرية المصرية في نهاية القرن الثامن عشر لتقدم هذا النوع من الطقوس كعلاج جديد للأمراض النفسية والروحية التي لم يظهرلها توصيف طبي في وقتها، وتدور الجلسة بحضور شيخة الزار"كودية الزار" وجلوسها وسط الغرفة، وأمامها منضدة لاستقبال دم الأضحية عليها "وهو طقس وثني" فهي الحلقة الوسيط بين عالمي الجن والإنس، وتبدأ باسترضاء الأسياد وتلبية طلباتهم أملا في العفو عن الحالة المتلبسة بالجن وخروجهم منها ويدور حولها في حركة دائرية المؤدون للغناء والمتمتمون بكلمات غير مفهومة علي أنغام الدفوف والتمايل في حركات متسارعة، وعندما دخل الزار مصر وبدأ في الانتشار حتي أصبح أصبحت كلمات الذكر والمديح هي لسان حال بعض المؤديين في جلسات الزار والحضرات التي تقام دوريا في بيوت بعض الشيوخ، وأخذ الزار شكل أكثر ملاءمة للبلد الإسلامي ويتجلي ذلك في مدح الأولياء في زارأبو الغيط نسبة للإمام الصوفي سيدي أبوالغيط ومقامه في القليوبية.
أعضاء فرقة حفلة الزار
الحفل
بدأ الحفل بحضورأعضاء الفرقة، الست مديحة أم سامح والست عزة وباقي الفرقة، وبدأت السيدة أم سامح بذكر الفاتحة والصلاة علي الرسول وآل بيته وأصحابه، وبدأت بمدح الرسول وإشعال البخور وتمريره علي أعضاء الفرقة لأخذ البركة، وبدأ أعضاء الفرقة واحدا تلو الآخر بتقديم أنواع مختلفة من الأغاني وأنواع مختلفة من دق الطبول مع الرقص الخفيف علي إيقاع الطبول المتباين بين الهادىء والمتصاعد والسريع، وتفاعل معها الحضور بالتصفيق والتمايل وأحيانا الرقص الخفيف خاصة الأجانب والعرب
أعضاء فرقة حفلة الزار
تروي لنا الست عزة ابنة الست أم حسن، أجدد وأصغر عضو في فرقة "مزاهر" التي تأسست في التسعينيات كأخر فرقة زار والوحيدة في مصر، أنها انضمت للفرقة منذ 8 سنوات، وفرقة "مزاهر الزار" تقدم فولكلورا وليس جلسات الزار بشكلها كطقوس وموروثات شعبية لها علاقة بعالم الجن والعفاريت والدم وما إلي ذلك، وتقول : علي العكس، ما نقدمه كله كلمات ذكر وأغانى مدح لسيدنا رسول الله، وقدمنا حفلاتنا في العديد من دول العالم، ومفهوم وفكرة أن الزار وعفاريت غير صحيحة، ولكن المقصود أن بعض الضغوط والاضطرابات النفسية والضيق التي أحيانا تسببها الحياة تدفع الشخص للانسجام مع الحالة العامة التي تسببها الموسيقي بأنواعها، مما يجعله أحيانا يصرخ وأحيانا يرقص ويصفق وأحيانا ينفعل مع تصاعد الرتم الموسيقي، وهذا أمر طبيعي من تفاعل الإنسان في حضور الحفلات الموسيقية، وفي كل دول العالم وليس فقط في مصر، وخلال جولاتنا وتقديم حفلاتنا في العديد من دول أوروبا منها ألمانيا وبلجيكا وهولندا وسويسرا وإسبانيا وفرنسا بجانب دول عربية مثل الإمارات وغيرها، وقدمنا حفلاتنا في مدارس ومعاهد وجامعات، ورأينا تفاعلهم معنا بأرواحهم وسعادتهم بما يستمعونه برغم أنهم غيرمتفهمين للمعاني، إلا أن حالة المزيكا ولون الفلكلور الجديد بالنسبة لهم ينال إعجابهم، وسر الاختلاف بالنسبة لنا أن ما نقدمه تعلمناه بالوراثة من أجدادنا، فلا نتعامل بنوته موسيقية مكتوبة ولا لحن موضوع إنما هي أذن موسيقية تلقت كلمات الأغاني وحفظتها، وفهمنا النقلات وتعلمنا تحريك أيدينا علي الطبلة تماشيا مع اللحن المعزوف وبالتنسيق مع باقي أداء الفرقة.
أعضاء فرقة حفلة الزار
المديح
وتضيف الست أم سامح مؤسسة الفرقة، وتعمل في مجال الزار منذ 65 عاماً عندما كان عمرها 11 عاماً وتوارثتها عن أمها التي كانت شيخة زار، أنهم يشعرون بسعادة كبيرة عندما يدقوا الزار، فهو موروث شعبي مريح للروح ويخرج الطاقة السلبية من الجسم، خاصة عندما نعلي بالإيقاع بسرعة ويزداد قرع الطبول ويرتفع صوته بشده ثم نهدأ به فنستشعر الهدوء والتوازن، وتكمل: إن صوت دق الزار ملجأ لراحة النفس من متاعبها وحتي الآن، لذا يتم دعوتنا لإحياء حفلات في العديد من الدول ولجميع المستويات الاجتماعية، ويرتاحوا عند سماع طبول الزار وأغاني المديح ومن ضمن طقوس الحفلات إقامة الولائم وعزومة الأهل والأقارب لأن إطعام الطعام إحدي السنن التي يتقرب بها المسلم إلي الله لفك كرباته، ولكن هذا يحدث بشكل طبيعي كأي عزومة في مناسبة، وليس كما تصوره الإفلام كذبح الدجاج والتكفيف بدماءها فكل ذلك شرك بالله.
أعضاء فرقة حفلة الزار
وتكمل الست عزة: فرقتنا بسيطة في أدواتها الموسيقية وأغلبها أدوات بدائية الصنع فنعتمد في الأصل علي الطبلة والمزاهر والحانات والصاجات والمانجور وهو عبارة عن حزام جلدي له صوت شخاليل مميز، وبه عدد كبير من القطع المعدنية وقطع الصدفو، وزنه ثقيل جدا ويحتاج لحركة قوية وأذن متماشية مع صوت خيط الطمبورة والطبلة، ولذلك فمن يتابعنا يفهم أننا نعمل بعافيتنا، لأن الحركة أساس الأداء في حفلات الزار والطنبورة "الآلة الوترية" والمراكش، وهي عبارة عن شخليلة مصنوعة من ثمرة جوز الهند الطبيعية بحيث يتم إفراغها وملؤها بزلط صغير الحجم، ومع الحركة يصدر صوت شخللة، وحين نسافر لتقديم حفلاتنا في الخارج ندخل أحيانا في ورش مع موسيقيين أجانب ومصريين، لدمج آلاتنا الموسيقية البسيطة مع الآلات الموسيقية الغربية، منها الساكسفون والدرامز وغيرها وتخرج نتيجة الحفل في مزيج يبهر الجمهور.
ركوشا هانم
ليست تعويذة ولا اسم جنيه ولكن هو اسم أغنية عن طفلة حبشية معروفة في موروثات الزار الحبشي، والأغنية عن جمالها ولعبها بالعروسة، ونقدمها ضمن توليفة الأغاني المنوعة التي نقدمها ما بين فلكلور الزار الصعيدي وأغاني من الزار السوداني والحبشي.
دجل وشعوذه
تضيف الست عزة: لدينا جمهورعريض يستمتع بلون الفن الفلكلوري الذي نقدمه خاصة خارج مصر، ومازلنا حتي اليوم نستقبل جمهورا يأتي للمرة الأولي لحضور حفلاتنا، ولديه تخوف أن يكون هناك دجل أوشعوذه، ويتفاجأ أنه يصلى علي النبي طوال مدة الحفل، وما نقدمه يساهم في تصحيح الصورة الحالية عن فن الزار فلا مجال فيما نقدمه لسحرأو دجل أو شيء غير مفهوم للجميع، وأمي وجدتي كان لهما مثل أذكره يقول: "يا ساحرة لا ليكي في الدنيا ولا في الآخرة" دليل على رفضهما لأي من أعمال السحر، فالنافع والضارهو الله ولا ملجأ لنا غيره.