فوجئ، بعد فوزه في إحدى مسابقات القصة القصيرة، وقد وضعوا في شهادة التقدير قبل اسمه كلمة "الكاتب"... من يقصدون؟ هل يقصدونه هو؟
متى حدث ذلك؟
وبمنتهى السرعة جمع أوراقه وجلس يفحص ويبحث ويراجع الماضي لعله يصل إلى الحقيقة، ظل يتقصى كل الأحداث التي مر بها ليتحرى ويكتشف: هل كانت تقوده فعلًا إلى هذا الطريق دون أن يدري؟
وقعت يده على صور المرحلة الابتدائية، وتذكر تلك الوجوه التي أخذت بيده للمشاركة في جماعات المكتبة والصحافة والإذاعة المدرسية والتمثيل والموسيقى والجماعة الصحية والنشاط الاجتماعي والشرطة المدرسية... لم يكن هناك نشاط مدرسي -بالمعنى الحرفي للكلمة- لم يشارك فيه!
ولمعت عيناه حين التقطت يداه الجوائز التي فاز بها في المرحلة الإعدادية، كان المركز الأول في المسابقات الثقافية الشهرية التي تجريها مكتبة المدرسة حكرًا خاصًا عليه، لدرجة أنه عندما فاز في إحدى المرات بالمركز الثاني حزن حزنًا لا يوصف.
فهل كانت تلك علامات وإشارات إلى أنه قد يصبح كاتبًا في المستقبل؟
ومرت الأيام واستمر شغفه بالكتابة في الجامعة، لم يكن يشارك في أنشطة، كما كان يحدث في المراحل السابقة، لكن ها هي كراسته الخاصة تذكره بكل الكتابات التي كان يدونها، والتي ضمتها -فيما بعد- أول مجموعة قصصية يصدرها.
ثم تخرج ووجد نفسه في بلاط صاحبة الجلالة، كان مبرره الوحيد للانخراط في هذا المجال الذي لم يدرسه ولا يعلم عنه شيئًا، هو ما آنسه في نفسه من التعلق الشديد بالورقة والقلم منذ الصغر، ورغم عدم دراسته للصحافة وفنونها وأسرارها، إلا أنه اجتهد وذاكر.
وتعلم ممن سبقوه، ومرة أخرى وجدهم يشيدون بأسلوب كتابته، وأن "شغله" يتم نشره دون مراجعة أو تعديل!
الطريف في الأمر أنه عندما صدق وقرر أن يكتب، لم يوافق أحد على نشر مقالاته!
ولجأ حينها إلى الحيلة، فكتب عن المياه ومشكلاتها وتاريخها ومستقبلها، كان يعلم بجاذبية الأمر للقائمين على النشر، خاصة أنه من المتخصصين في هذا الحقل، وافقوا وتم النشر ونجحت المقالات، فمهدت له الطريق، وتمكن بعد انتهاء سلسلة مقالات المياه من الكتابة في موضوعات أخرى حازت قبولًا بفضل الله.
كانت المفاجأة السارة له أن تتجاوز نسبة قراءة تلك المقالات عشرات الآلاف، وبحيث أصبحت في زمرة "الأكثر قراءة" بشكل دائم.
وفجأة، بعد كتابة عدد من المقالات الاجتماعية التي أخذت في سردها شكل القصة القصيرة، يجد أصواتًا تشجعه بمنتهى الحماس على إصدار مجموعة قصصية.
كانت له تجربة سابقة مع أول مجموعة قصصية تحمل اسم "أجمل حب"، ثم توقفت المحاولات، قناعة منه أنها إنما جاءت على سبيل الصدفة، فهو ليس كاتبًا، لكن التشجيع هذه المرة جاء من أناس لهم ثقل ثقافي جعله يتشجع ويصدر مجموعة قصصية أخرى تحت اسم "أحلام زينب".
كل ذلك يتم وهو لا يضع في اعتباره أنه قد صار كاتبًا.. هي الصدفة لا أكثر ولا أقل.
نفس الصدفة تأتي إليه في أحد الأيام بمسابقة يجريها أحد نوادي الأدب النشطة، ويقرر أن يتقدم إليها، وبعد فترة يتلقى مكالمة تليفونية يخبرونه فيها أن مجموعته القصصية "عيش حياتك" التي شارك بها في المسابقة قد فازت!!!!! ثم يجدهم يكتبون قبل اسمه كلمة "القاص"!!!! فيتشجع ويتقدم إلى مسابقة أخرى كبيرة في العراق "مسابقة ناجي التكريتي" ليجد اسمه في القائمة القصيرة وهو شرف كبير حتى ولو لم يفز في النهاية بالجائزة، لكن معنى ذلك أن قصته قد أعجبت اللجنة من بين مئات القصص المتقدمة للمسابقة.
ثم مرة أخرى تفوز قصة "ألطاف خفية" في مسابقة للقصة الدينية القصيرة ويرسلون شهادة تقدير مكتوبًا فيها قبل اسمه "الكاتب..."!!!!! حسنًا فليكن الأمر كذلك، من المستحيل أن يكون الجميع مخطئين، كما أنه لا توجد أية شبهة للمجاملة، فهو لا يعرفهم ولا هم يعرفونه.
عندما بدأ في كتابة خواطره وهو في العشرين من عمره، لم يخطر بباله أن يتطور الأمر إلى هذا الحد! كل ما فعله أن استمر في الكتابة، واحتفظ بما كتب في كراسته الخاصة، وفي لحظة رأى كل ما كتبه قد أصبح منشورًا وله آلاف القراء، لكنه في تلك اللحظة شعر بخوف شديد! أحس أنها مسئولية كبيرة يلقيها القدر على عاتقه، فكان كلما كتب كلمة تذكر أبناءه وسأل نفسه: هل ستكون راضيًا عن نفسك لو وقعت تلك الكلمات بين أيديهم؟
وياليت كل كاتب يسأل نفسه هذا السؤال قبل أن يسطر بقلمه حرفًا.