جملة سطرها إبليس اللعين، أملى كلماتها وحروفها، شرح معانيها للعديد من مريديه ومتبعي منهاجه البغيض، التقطها قارون بجهله يومًا، نطق بها، ثم تجبر على من حوله فأصاب نفسه بالغرور، قالها مفاخرًا متكبرًا ناسيًا أن كل خير هو فيه، إنما هو فيض من كرم رب وهاب كريم، إن تلك الكلمات كانت سببًا في ضياعه، في هلكته، لم يكن قارون وحده هو من اعتنق هذا السلوك الذي لا منطق له، لم يكن هو الأول أو الأخير الذي استحسن صيغة تلك الكلمات، طبق نظريتها، فهناك من آمن بها مثله، من اعتنقها ثم سار على درب قارون.
ستجد هؤلاء المنكرين لكل فضل أفاض عليهم به رب العالمين يتشدقون بأعمالهم وبما يملكون من علم، من مال وبنين، أولئك هم الخاسرون الذين ظنوا أن اتباعهم لهذا المنهج العبثي المخالف للفطرة الإنسانية هو المنهج الحق السليم، وأن كل عمل قاموا به، نجحوا فيه وحققوه إنما هو عائد لعبقريتهم، ولجهدهم، ولذكائهم، لتميزهم الملحوظ، ولتفوقهم المشهود له في كل مكان وزمان، ولطموحهم الزائد ووعيهم اللا محدود.
هؤلاء هم المغيبون الذين نسوا أن الله هو من أعانهم وأعان الجميع ممن كانوا قبلهم وممن أتوا من بعدهم، هو من هداهم، من أرشدهم، من أطلعهم على معالم الطريق، وأنه سبحانه هو من ساعدهم لكي يصلوا لما وصلوا إليه، هو من زلل لهم عثرات الطريق وعقباته، من وضع أقدامهم على أول درجات سلم نجاحهم، من ألهمهم سبل التقدم والصعود.
كثيرون هم من استعلوا، من ساروا على درب قارون، سنراهم خاصة في هذا الزمان الذي ارتبكت فيه المعاني وتغيرت فيه المفاهيم، ستنبئك بأمرهم نوبات تجبرهم المتكررة، سيكشف جوهرهم حديثهم المطلي بالعجرفة، وبغرور فاق الجنون، سيثيرون غضبك عندما يعددون نجاحاتهم وكأنها ميراث وكنز هم وارثوه، ستراهم مغترين متكبرين، منساقين خلف هوى نفس ضلت وأضلت، إياك أن تتمثل بهم أو تتبعهم، أعرض عنهم، ابتعد عن طريق شيطان لا يعد مريديه إلا وعد الغرور.
تقول الحكمة الثابتة ويبرهن الحديث الشريف على أن التواضع هو ما يرفع قدر المتواضعين، ربما تلمس هذا، تستشفه من حوار عن قرب مع هؤلاء ذوي الرؤية القصيرة أصحاب الحديث المكذوب، من يوحون لمحدثيهم بأمور لا تشبههم، يتدثرون بثياب الرقي، يتزينون بكلمات تكتسي بذوق زائف وبلطف ملفق شديد، ستقرأهم بنقائك وسرعان ما ستفيق، ستدرك أنهم مجرد مجموعة من المجسدين لأدوار زينتها لهم ضلالة أنفسهم، بررها لهم خيالهم المريض.
كن على ثقة بأن أمواج تكبرهم ستتحطم يومًا، ستتفتت، ستتناثر على جزر الحقيقة الواضحة، ستمزقهم، ستلقي بهم كأشلاء مبعثرة فوق الصخور؛ إن التربية السليمة هي التي تمنح لصاحبها تفاصيل المواقف وتشرحها بوضوح، تفسح له الطريق كي يتجه نحو كل سلوك قويم، القدوة الحسنة هي التي سيمكنها أن تنقذ جيلًا حائرًا يسير بجهالة نحو سراب يهيئ له من كل أمر ما يهدد حقيقة هويته، حين يفني كيانه في كيانات الآخرين.