كلمات وتصرفات "تؤذي" أهل الميت

19-4-2025 | 15:08

نثق أن لا أحد لا يرغب ولا "يفكر" في إيذاء من يتألم من موت أحد المقربين منه، خاصة أثناء الجنازة أو العزاء، وأن الجميع يذهبون بهدف التخفيف وتقديم الدعم المعنوي في هذا الوقت الصعب والمؤلم.. 

لكن الواقع "يؤكد" وجود أخطاء شائعة يرتكبها أشخاص من الجنسين ومن كل الأعمار تتسبب في إيذاء أهل الميت نفسيًا وتضاعف أوجاعهم بدلًا من التربيت عليهم ودعمهم نفسيًا وعاطفيًا في وقت هم في أشد الاحتياج لهذا الدعم "ولا" يطيقون أية ضغوط زائدة.. 

من أبرز الأخطاء ترديد جمل مثل: لا تبكِ، كلنا سنموت.. والبكاء "نعمة" من الرحمن، وقد بكى رسولنا الحبيب على وفاة ابنه إبراهيم وقال: "إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ". 

فالبكاء ليس محرمًا؛ فالمنهي عنه هو اللطم وشق الملابس.. ونعرف أننا جميعًا سنموت؛ فلا أحد منا سيُخلد في الحياة، ولكن أثناء "ذروة" التألم من موت عزيز فهذا ليس الوقت المناسب ولا مكان إلقاء "المحاضرات"، وإشعار أهل الميت "بالذنب" للبكاء والحزن وهو شعور طبيعي عند الفقد؛ فمن منا لا يحزن إذا فقد شيئًا مهمًا فما بالنا بفقدان إنسان عزيز وغال؟ لماذا لا نحترم الحزن الإنساني؟ لماذا لا نكتفي بالتربيت؟ وبقول كلمات "جميلة" عن الميت ليشعر أهله بأن الجميع يحبونه "وسيتذكرونه" بالخير، مع الدعاء له بالفردوس الأعلى ولأهله بالقوة والصبر الجميل..

نتوقف عند الأسوأ وهو القول: لقد ارتاح من الدنيا!! وتكثر هذه الجملة إذا عانى الميت من المرض قبل وفاته وتناسي أن أهله كانوا "يتشبثون" في الأمل بالشفاء مهما كانت فرصه قليلة.. 

من التصرفات المسيئة لمن "يفعلها" والمؤذية لأهل الميت التحدث وكأن البعض في زيارة، وأحيانًا وكأنهم في "رحلة"؛ خاصة عندما يلتقون بمن لم يروهم منذ فترات طويلة، ويتبادلون الأسئلة عن تفاصيل حياتهم الخاصة، "ولا" يهتمون بأهل الميت وحاجتهم إلى الهدوء وإلى "الاهتمام" بمشاعرهم، أو على الأقل عدم "إزعاجهم" بمثل هذه التصرفات.. 

من التصرفات المسيئة إجراء مكالمات هاتفية أثناء الجنازة، وترك رنات الهاتف المحمول وتتضمن أغاني أثناء الجنازة أو العزاء، وتبادل المزاح مع بعض الحاضرين. 

والإلحاح على أهل الميت في السؤال عن كيف مات!! ولو كان مريضًا تكثر الأسئلة عن تفاصيل مرضه، ولو كان كبيرًا بالسن تكثر "التلميحات" البشعة أنه عاش حياة جيدة، وكأنه لو عاش أكثر كان "سيقتطع" من أعمارهم ويأخذها، وكأنه لو كان أحد المقربين لهم لم يحزنوا لفقده لكبر سنه.. 

ولنتدبر الحديث النبوي الشريف: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". 

ومن اللياقة: احترام "حرمة" الموت، ومن لا يتعظ بالموت؛ فليراجع نفسه "وليزرع" الخوف داخل قلبه وعقله، فلديه مشكلة "حقيقية" في ترتيب أولوياته في الدين والدنيا، ومن لا يحترم مشاعر الحزن عند أهل الميت "فليراجع" قلبه فلديه مشكلة، ومن المؤكد أنه إذا فقد بعض النقود سيحزن؛ فلماذا يستهين بوجع غيره؟ وهل يتوقع أن يرضى الله عنه وهو لا يتعاطف مع ألم الغير؟ 

ورسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه يقول: "مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ"، ومن الرحمة بأهل الميت الامتناع عن كل ما يؤلمهم من كلمات أو تصرفات، ومن لا يستطيع منع نفسه عن ذلك؛ فليمتنع عن الذهاب ويكتفي بإرسال رسالة على الهاتف المحمول. 

من "حق" أهل الميت التألم للفقد وعدم الاستماع مُجبرين إلى محاضرات عقيمة تكاد "تتهمهم" بعدم الإيمان؛ لأنهم يشعرون بالحزن، ويستمعون رغمًا عنهم لكلمات مثل: نحن مؤمنون وموحدون بالله.. 

وهل يتناقض الحزن مع الإيمان؟ وهل الحزن أصبح من الشرك؟! "فلنترفق" بالمكلومين وما داموا لا يقولون كلمات مثل لماذا يحدث ذلك، أو أي اعتراض على مشيئة الرحمن، فلا يحق لأي إنسان لومهم على حقهم الطبيعي في إظهار الحزن. أم نود أن يقوموا "بكبت" أحزانهم، ويتظاهرون بأنهم في أفضل حال، حتى لا ننزعج برؤية بكائهم!! 

ومن التصرفات الشائعة والمؤذية لأهل الميت "إجبارهم" على الاستماع لحكايات عن ناس تألموا "أكثر"، وكان مصابهم أشد! وكأنهم في منافسة لإثبات أن أهل الميت مرفهون "ويبالغون" في أحزانهم، وكأن من يقومون بالعزاء يمتلكون وحدهم "المقاييس" التي تحدد لكل إنسان كيف يحزن، وبأي قدر من الحزن، وبدلًا من التخفيف عن أهل الميت يزيدون الأعباء عليهم ويحولونهم من مكلومين إلى متهمين بالمبالغة، أو بنقص الإيمان، أو بقلة التحمل والهشاشة النفسية، وكأنهم لا يكفيهم مصابهم المؤلم؛ فيجدون من يلقون إليهم "الأوامر" بضرورة التماسك..

لا نطالب بدعوة أهل الميت للانهيار بالطبع، ونرفض أيضًا المبالغة "المكشوفة" من البعض بادعاء الحزن المبالغ به على الميت، وذكر مواقف تزيد من وجع أهل الميت "لإثبات" التعاطف والتأكيد أن المُصاب جلل ولا يمكن احتماله، وهذا مرفوض تمامًا مثل التهوين من الحزن.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة