محطة تاريخية على خط المواجهة.. الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية.. انتصار لـ «الدبلوماسية المصرية»

17-4-2025 | 19:25
محطة تاريخية على خط المواجهة الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية انتصار لـ ;الدبلوماسية المصرية;د. عمرو الرداد- د. أيمن البراسنة- د. عبدالحكيم القرالة-د. تمارا حداد- نعمان العابد
محمد الطماوي
الأهرام العربي نقلاً عن

د. عمرو الرداد: الرئيس السيسي والملك عبد الله الثاني يقودان خطابًا دوليًا عقلانيًا مؤثرًا

موضوعات مقترحة
د. أيمن البراسنة: التحرك الفرنسي يدل على خطوات أوروبية لزيادة الضغط باتجاه إيقاف الحرب
د. عبدالحكيم القرالة: الدبلوماسية المصرية والأردنية لا تهدأ لدعم ونصرة القضية الفلسطينية
د. تمارا حداد: القمة الثلاثية عبرت عن موقفها ضد خطط الضم الإسرائيلية لأراض في الضفة الغربية
نعمان العابد: زيارة الرئيس الفرنسي لمستشفى العريش حملت مدلولات سياسية ودعما لقطاع غزة

بينما تتوالى الأزمات في الأراضي الفلسطينية، ويزداد المشهد تعقيدًا في قطاع غزة والضفة الغربية، لم تقف التحركات المصرية الأردنية عند حدود التضامن التقليدي أو البيانات الدبلوماسية، بل تحولت إلى أداة ضغط فعالة أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الإقليمي والدولي، القاهرة وعمّان، اللتان تحملان تاريخًا طويلًا في دعم الحقوق الفلسطينية، اختارتا أن تتقدما الصفوف من خلال تحرك سياسي منسق، يستند إلى رؤية واضحة، ويستثمر اللحظة الدولية لصالح شعب تحت الاحتلال.

في قلب هذا الحراك، جاءت القمة الثلاثية التي جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في القاهرة، لتعلن للعالم أن القضية الفلسطينية ليست ملفًا منسيًا، بل قضية مركزية تتطلب تحركا دوليا جادا، لم تكن القمة لقاء بروتوكوليا، بل منصة لإعادة التأكيد على الثوابت: وقف فوري لإطلاق النار، رفض التهجير، والتمسك بحل الدولتين كحل عادل وشامل.

وخلال القمة أجرى القادة الثلاثة اتصالًا هاتفيًا مباشرًا بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطوة نادرة ومقصودة لتوسيع دائرة الضغط السياسي، ولتأكيد أن التحركات ليست موجهة فقط نحو أوروبا، بل تشمل واشنطن، باعتبارها الفاعل الأكبر في المشهد الدولي، هذا التحرك عكس إدراكًا عميقًا من القاهرة وعمّان وباريس بضرورة مخاطبة مراكز القرار المختلفة، لتفكيك الانحياز الأعمى الذي طالما عرقل الوصول إلى حل عادل.

لكن التحول اللافت، والذي مثل ذروة هذا الحراك، تمثل في إعلان الرئيس ماكرون عن نية فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إعلان لم يكن ليحدث لولا الجهد السياسي المكثف الذي بذلته مصر تحديدًا، والذي نجح في إقناع باريس بضرورة اتخاذ موقف يتجاوز الإدانة إلى الاعتراف العملي بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.

أمام هذه التطورات، تتصاعد التساؤلات حول مدى تأثير هذا التنسيق السياسي المصري الأردني على المستوى الدولي، وإلى أي حد نجحت القاهرة في استعادة الزخم الدولي للحقوق الفلسطينية، هل شكلت هذه التحركات بداية لمرحلة جديدة من الحضور العربي المؤثر في الملف الفلسطيني؟ وهل يمثل موقف فرنسا بداية تحول في المواقف الأوروبية تجاه القضية؟ وهل يمكن للبعد الإنساني والسياسي لهذه التحركات أن يشكل أرضية لاستئناف مسار تفاوضي يضمن للفلسطينيين حقهم المشروع في دولتهم؟.

رسائل القمة

في البداية، قال الدكتور عمر الرداد، الخبير الأمني والاستراتيجي، والعميد السابق بالمخابرات العامة الأردنية، إن قمة القاهرة التي عقدت بين الرئيس السيسي والرئيس الفرنسي ماكرون، بالإضافة إلى جلالة الملك عبدالله الثاني، كانت ذات أهمية في ظل السياقات التي تجري بالمنطقة والإقليم، مضيفاً أن أهمية هذه القرارات التي اتُخذت فيها تبرز من خلال الاتصال المباشر الذي أجراه القادة الثلاثة مع الرئيس ترامب.

وأشار إلى أن هذا الاتصال جاء قبيل لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو ما نتج عنه تلك المواقف من الرئيس الأمريكي ترامب بخصوص عدم إطلاق يد نتنياهو لا في سوريا ولا في غزة، بل فاجأه أيضاً بالمفاوضات الأمريكية الإيرانية التي ستُعقد يوم السبت القادم في مسقط، مضيفاً أن القرارات لم تتوقف عند ذلك، موضحاً أنه فيما يخص قطاع غزة والحرب الدائرة هناك، فقد مارس ترامب ضغوطاً على نتنياهو باتجاه إنهاء الحرب بأقرب فرصة، واستعادة الرهائن والوصول إلى هدنة جديدة.

وأكد أن مقاربات كان يتبناها ترامب بخصوص التهجير في غزة قد خفتت أو غابت، رغم أنها لم تتوقف بشكل نهائي، لكنها لم تعد كما كانت بالسابق موضوعاً رئيسياً، وتابع أن هناك نقطة أخرى مهمة جداً بعد هذه القمة وهذه المواقف، مشيراً إلى ما أعلنه الرئيس ماكرون بخصوص نوايا فرنسا للاعتراف في شهر يونيو القادم بالدولة الفلسطينية، أي بعد شهرين، ما يعكس توجهات فرنسية واضحة في هذا السياق.

وأوضح الدكتور عمر الرداد أننا أمام مشهد جديد يُسجّل بعد هذه القمة لصالح القضية الفلسطينية، ويعطي مؤشراً حقيقياً على الفرق بين الخطابات الشعبوية التي تمارسها بعض الفئات، والخطاب العقلاني الذي يعمل بجد لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته، ممثلاً بالرئيس السيسي وجلالة الملك عبد الله، وقدرتهما على التأثير في دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا، صاحبة القيادة والريادة في الدول الأوروبية.

الموقف الأمريكي

من جانبه، قال الدكتور أيمن البراسنة، نائب عميد كلية الأمير الحسين للعلوم السياسية والدراسات الدولية في الجامعة الأردنية، إن القمة جددت التأكيد على الثوابت الأردنية والمصرية التي تحظى بدعم وتأييد فرنسي، مضيفاً أنها بينت إدراك فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي للدور المصري والأردني في قضايا المنطقة، لا سيما أن القاهرة وعمان تلعبان دورًا محوريًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وأوضح أن دول أوروبا لا تمتلك وسائل ضغط كافية على الجانب الإسرائيلي، لكن التحرك الفرنسي يُعد خطوة تدل على وجود تحرك أوروبي لزيادة الضغط باتجاه إيقاف الحرب، مشيراً إلى أن الاجتماع الثلاثي أكد على ضرورة حشد دعم دولي من أجل وقف الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة، الممتدة منذ نحو عام ونصف، وإعادة إعمار غزة، واستئناف وصول المساعدات الإنسانية، ورفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وأية محاولة لضم الأراضي الفلسطينية، وإيجاد أفق سياسي في اتجاه إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وأكد أن الموقف المصري الأردني الموحد كان له دور كبير وحاسم في إفشال المخطط الإسرائيلي بشأن التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، وهو المخطط الذي حظي بدعم الرئيس ترامب، موضحاً أن الموقف المشترك للقاهرة وعمان جسّد خطوة استباقية لإفشال مخطط تهجير موازٍ للفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث إن إسرائيل تدمر كل عوامل الحياة التي تسمح ببقاء الفلسطينيين في غزة، مشيراً إلى أن هذه القمة جاءت لاستكمال الجهود الدبلوماسية والسياسية المصرية الأردنية منذ بداية الحرب، لإحداث اختراق في جدار الصمت العالمي تجاه استمرار حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزة، والضغط على الولايات المتحدة لإيقاف هذه الحرب، موضحاً أن دعوة الرئيس السيسي لعقد هذه القمة هدفت إلى تحريك المياه الراكدة، عبر دعم فرنسي لجهود وقف إطلاق النار.

وتابع أن فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي باتت ترى أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عبثية ومن دون أهداف سياسية سوى استمرار نتنياهو في السلطة، مشدداً على أن إيقاف الحرب أصبح ضرورة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

واستطرد قائلاً إن ثمار هذه القمة تتجسد في استمرارية التحرك السياسي والدبلوماسي لجعل إنهاء الحرب في غزة على رأس أولويات الأجندة الإقليمية والدوليةوحول الاتصال الهاتفي الذي جرى قبل ساعات من الاجتماع المقرر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن،  وأضاف أن الرسالة الأساسية من الاتصال القادة خلال القمة الثلاثية وترامب، هي أن فرنسا يمكن أن تلعب دورًا مؤثرًا إلى جانب الولايات المتحدة في إيجاد حل للقضية الفلسطينية، لا سيما في ظل المكانة التي تتمتع بها فرنسا داخل القارة الأوروبية، مشيراً إلى أن الاتصال الثلاثي مع الرئيس ترامب جاء كمحاولة لإقناعه بالضغط على الحكومة الإسرائيلية، ما أسفر عن نتيجة مباشرة تمثلت في إلغاء المؤتمر الصحفي الذي كان من المقرر عقده بين ترامب ونتنياهو.

وأكد أن الاتصال المشترك عبّر عن دعم فرنسا لمصر والأردن في مواجهة مشروع التهجير المدعوم أمريكياً، مشيراً إلى أن باريس قد تلعب دورًا في المرحلة المقبلة بخصوص الملف الفلسطيني بالتنسيق مع

واشنطن، وهو ما يدعم الموقف المصري والأردني الرافض للتهجير، موضحاً أن أي موقف أوروبي مؤيد وداعم لخطة مصر لإعادة إعمار غزة ورافض لتهجير الفلسطينيين سيكون مهماً خلال الفترة المقبلة، التي تتطلب حشد مزيد من الجهود لمواجهة مخططات التهجير الإسرائيلية.

وتابع أن الاتصال الثلاثي مع الرئيس ترامب ناقش سبل ضمان وقف إطلاق النار بشكل عاجل في قطاع غزة، واستئناف تقديم المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح المحتجزين، لا سيما في ظل عدم قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة، مؤكداً أن مصر بقيادة الرئيس السيسي لعبت دوراً دبلوماسياً مؤثراً في إقناع الرئيس الفرنسي ماكرون بأهمية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كخطوة ضرورية لإحلال السلام والأمن في المنطقة.

وأشار إلى وجود تقارب فرنسي مع موقفي مصر والأردن بشأن غزة، من حيث المطالبة بوقف إطلاق النار، ورفض التطهير العرقي، أو عودة احتلال القطاع، مضيفاً أن الرئيس ماكرون دعم المبادرة العربية التي صاغتها مصر واعتمدتها الجامعة العربية لإعادة إعمار غزة.

وأردف قائلاً إن الدبلوماسية المصرية النشطة أدت إلى إقناع ماكرون بأهمية اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية، وهو الاعتراف الذي سيكون انتصاراً لقرارات الشرعية الدولية، ورداً على حرب الإبادة ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.

واختتم موضحاً أن إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن إمكانية اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية في يونيو المقبل، خلال مؤتمر ستترأسه باريس بالاشتراك مع السعودية في الأمم المتحدة بنيويورك، يعكس تحوّلاً في السياسة الخارجية الفرنسية نحو لعب دور أكثر نشاطاً في الشرق الأوسط، وأن هذا الاعتراف قد يمنح فرنسا نفوذاً أكبر في المفاوضات المستقبلية.

حراك دبلوماسي

من جانب آخر، يرى الدكتور عبدالحكيم القرالة، أستاذ العلوم السياسية في الأردن، أن الموقفين الأردني والمصري هما الموقفان الأكثر قوة وتقدماً في مسار دعم وإسناد الأشقاء الفلسطينيين والدفاع عن أحقيتهم وعدالة قضيتهم، خصوصاً في ظل الظروف الحالية التي تتعرض لها فلسطين في ظل العدوان الإسرائيلي الغاشم، ووجود اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يذهب باتجاه تحقيق أجنداته المتطرفة والخطيرة بتصفية وإنهاء القضية الفلسطينية برمتها.

وأضاف أن هذا التوجه القائم على الإمعان في العنف وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يتوازى مع أعمال العنف في الضفة الغربية والانتهاكات الصارخة للمقدسات الإسلامية والمسيحية، وزيادة وتيرة الاستيطان، والاستيلاء على الأراضي، واستهداف مخيمات اللجوء في الضفة.

وأوضح أن كل هذه الانتهاكات تأتي في إطار حراك دبلوماسي مصري أردني ناجع وفعّال على مختلف المستويات الإقليمية والدولية، ضمن إطار الاشتباك الإيجابي مع كافة دوائر وعواصم صنع القرار الدولي، لاسيما القوى الفاعلة والوازنة في النظام الدولي، ومن بينها فرنسا، الدولة العظمى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التي لها تأثير كبير في السياسة الدولية وتعد دولة طليعية في المنظومة الأوروبية، مشيراً إلى أن هذا الحراك المصري الأردني الدبلوماسي، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي وجلالة الملك عبدالله الثاني، يمثل دبلوماسية لم تهدأ منذ بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم، وهو حراك يحمل رواية الحق الفلسطيني والسردية الفلسطينية، ويفند الرواية الإسرائيلية الزائفة والمضللة في كافة المحافل الإقليمية والدولية.

وأكد أن القمة الثلاثية الأردنية المصرية الفرنسية التي استضافتها القاهرة جاءت ضمن هذا الحراك الدبلوماسي المستمر والدؤوب الذي لم ينقطع، في إطار دعم وإسناد الشعب الفلسطيني على المستوى السياسي والدبلوماسي، ناهيك عن الدور الكبير الإنساني الذي تقوم به مصر والأردن، والجهود الكبيرة في دعم صمود الشعب الفلسطيني وتمكينه من البقاء على أرضه لمواجهة كل مخططات التهجير.

واستطرد قائلاً إن القمة العربية الطارئة الأخيرة التي عقدت في القاهرة وسميت بـ"قمة فلسطين"، تبنت الخطة المصرية لتصبح خطة عربية وبديلة لإجهاض مخططات التهجير التي كانت ترمي إليها حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو.

وتابع أن هذه القمة تأتي في إطار تعزيز التعاون والتنسيق رفيع المستوى بين الأردن ومصر، وهما الدولتان الأكثر انغماساً واطلاعاً بالقضية الفلسطينية، ولديهما مواقف قوية ومتقدمة في دعم وإسناد الأشقاء الفلسطينيين، وتقديم مقاربات سياسية وطروحات منطقية وواقعية تقوم على العودة إلى وقف إطلاق النار، وتعزيز مفهوم الاستجابة الإنسانية واستدامة المساعدات، والتأسيس لإيجاد أفق سياسي من خلال إطلاق عملية سلام دائم وشامل.

وأوضح أن أحد نتائج هذه القمة تمثّل في التواصل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووضع الإدارة الأمريكية في صورة ما يجري من أحداث بواقعية وتفصيل، مع التأكيد على أن الحل يكمن في إحياء عملية سلام دائمة وشاملة، أساسها وجوهرها حل الدولتين، لأن المنطقة لن تنعم بالاستقرار ولا بالأمن في ظل آلة الحرب الإسرائيلية والعنف المفرط الذي تمارسه.

وأشار إلى أن من مصلحة الجميع أن تتحمل كل الأطراف مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والإنسانية، من أجل انتشال المنطقة من مستنقع العنف وعدم الاستقرار، عبر تبني عملية سلام دائمة وشاملة بمشاركة مختلف الأطراف، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، كونها الطرف الوحيد القادر على الضغط على إسرائيل وإجبارها على وقف إطلاق النار والعودة إلى الاتفاقات.

وأكد أن الحراك المصري والأردني كان له دور كبير في تغيير مواقف العديد من الدول التي كانت تقف إلى جانب دولة الاحتلال، حيث حملت مصر والأردن رواية الحق الفلسطيني، ووضعا المجتمع الدولي أمام حقيقة ما يجري من جرائم حرب وإبادة لا يمكن السكوت عنها أو تخيلها.

وحول نتائج القمة الثلاثية، أشار إلى أن إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نية بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية يُعد اختراقاً إيجابياً في إطار إسناد الأشقاء الفلسطينيين ودعم موقفهم وتقويته، وهو من المكاسب الدبلوماسية والسياسية ضمن المعركة السياسية والدبلوماسية التي تقودها مصر والأردن في هذا السياق.

وأوضح أن هذا الحراك المستمر والمجدي، الذي يتميز بالزخم الكبير والاستمرارية، يجب أن يُسند من قبل كل القوى والدول العربية والإسلامية، من أجل تحقيق غاياته المتمثلة في وقف العنف والإجرام والتأسيس لأفق سياسي جوهره إقامة دولة فلسطينية مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية، وإعادة الحقوق المغتصبة للفلسطينيين.

وأكد قائلاً: "أعتقد جازماً أن الدورين المصري والأردني كانا كبيرين في دعم وإسناد الأشقاء الفلسطينيين على كافة المستويات، بكل ما أوتوا من قوة، سواء على الصعيد الإنساني أو السياسي أو الدبلوماسي أو القانوني، وهذه أدوار كبيرة وواجبات مستحقة تجاه الأشقاء الفلسطينيين، وليست منّة، وإنما امتداد لتاريخ طويل من المواقف المشرفة".

وأوضح أن القضية الفلسطينية تمر اليوم بأخطر منعطف في تاريخها، في ظل وجود اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يستهدف تصفيتها بالكامل، من خلال تجريد الفلسطينيين من حقوقهم وقضم أراضيهم واستخدام كل وسائل العنف وجرائم الحرب والإبادة ضدهم.

واختتم مؤكداً أن الرؤية الأردنية والمصرية، التي تجسدها الدبلوماسيتان وتُقاد من قبل قيادتي البلدين، قائمة على تقديم طروحات ورؤى ومقاربات واقعية ومنطقية، تؤمن بأن الحلول ممكنة إذا ما توفرت الإرادة الدولية، مشيراً إلى أن وجود هذه المظلمة التاريخية المتمثلة في استمرار الاحتلال وغياب الدولة الفلسطينية المستقلة، هو من أبرز أسباب العنف وعدم الاستقرار في المنطقة، ما يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
ودعا في ختام تصريحه إلى ضرورة تحمّل المجتمع الدولي لمسؤولياته، والعمل على بلورة رؤية دولية جامعة وإرادة سياسية موحدة لإحلال السلام في الشرق الأوسط وإطفاء نيران العنف وعدم الاستقرار.

ثمار القمة

في السياق، قالت الدكتورة تمارا حداد، الكاتبة والباحثة السياسية في الشأن الدولي، إن مصر والأردن لم تتوانيا عن أي جهد رسمي أو دبلوماسي أو شعبي تجاه القضية الفلسطينية، وأضافت أن البلدين قاما بكل ما يمكن من أجل إيجاد تسوية سياسية تُعزز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط من خلال حل أزمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وأوضحت أن التحركات السياسية المتوالية والمستمرة من قبل مصر والأردن على المستويين العربي والدولي كان لها دور بارز في حماية القضية الفلسطينية والحفاظ على زخمها في المحافل الدولية، خصوصاً في ظل التحولات الجيوسياسية الكبرى ومحاولات تهميش الحقوق الفلسطينية وفرض وقائع جديدة من قبل إسرائيل لضم الضفة الغربية وتهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، عبر خطط قضم الأرض وحشر المواطنين في منطقة صغيرة بلا مقومات حياة، لزرع فكرة التهجير الطوعي رغم أنه اضطراري وقسري.

وأشارت إلى أن هذه التحركات ساهمت في بلورة قمة هامة، مضيفة أن ثمار القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفرنسية في القاهرة كانت إيجابية، حيث عززت الدعم الأوروبي للقضية الفلسطينية، وجاءت في وقت حساس ومفصلي أمام تغيرات إقليمية ودولية.

وأكدت أنه تم خلال القمة التأكيد على ضرورة إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفقاً للمرجعيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، مشيرة إلى أن الدول الثلاث عبّرت عن موقف موحد ضد خطط الضم الإسرائيلية لأراضٍ في الضفة الغربية، ما أرسل رسالة قوية للمجتمع الدولي بضرورة احترام القانون الدولي.

وتابعت أن زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى العريش حملت دلالة واضحة بأن فرنسا مع إعادة إعمار غزة، ووجود الشعب الفلسطيني داخل القطاع، ورفض سياسة التهجير التي يرفضها الاتحاد الأوروبي، موضحة أن القمة أكدت على حل الدولتين ودعمت إعادة إطلاق المفاوضات على هذا الأساس، وهو ما ساعد في إعادة توجيه الخطاب الدولي نحو هذا الإطار.

وأشارت إلى أن فرنسا أعلنت نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في يونيو القادم، موضحة أن الاتصال الثلاثي المصري – الفرنسي – الأردني بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ساعد في التأثير على القرار الأمريكي، رغم صعوبة التأثير المباشر على قرارات إدارة ترامب بعد "صفقة القرن".

وأضافت أن هذا الاتصال ساعد في بناء جبهة عربية – أوروبية موازية تعيد التوازن في النقاش الدولي حول فلسطين، معتبرة أن زيارة الرئيس الفرنسي إلى مصر كانت ناجحة بامتياز، حيث نجح الرئيس السيسي في إقناع ماكرون بإعلان دعم بلاده للاعتراف بدولة فلسطينية من القاهرة، وليس من باريس، ما يحمل دلالات رمزية كبيرة ويعكس نجاح الدبلوماسية المصرية.

وأوضحت أن خطوة فرنسا باتجاه الاعتراف تعني إحياء الحراك الدولي لقبول دولة فلسطين في الأمم المتحدة، وهو ما يشكل دعماً قوياً للشعب الفلسطيني على الساحة الدولية.

وأكدت أن مصر والأردن، من خلال تحركاتهما الأخيرة، لعبتا دور "الوسيط القوي" الذي حافظ على مركزية القضية الفلسطينية في ظل محاولات التهميش، وساهما في تشكيل موقف عربي – أوروبي مشترك رافض للانتهاكات الإسرائيلية، وداعم لحقوق الفلسطينيين المشروعة وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

مستشفي العريش

وتماشيًا مع الخبراء، قال نعمان توفيق العابد، الكاتب السياسي الفلسطيني والباحث في العلاقات الدولية، إن من بين التحركات المصرية النشطة في الآونة الأخيرة التي تصب في صالح القضية الفلسطينية، كانت هناك تحركات تهدف إلى وقف مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وأوضح أن هذه التحركات تصدت لمخططات التهجير بشقيها القسري والطوعي، مشيراً إلى محاولات بنيامين نتنياهو لاستمرار المنطقة في دوامة العنف والإبادة الجماعية، من خلال اعتداءات إسرائيلية على دول المنطقة.

وأضاف أن هذا التوحش الإسرائيلي يقابله دعم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة من الإدارة الجديدة.

وتابع قائلاً إن من ضمن هذه التحركات كانت زيارة تاريخية للرئيس الفرنسي ماكرون إلى جمهورية مصر العربية، والتي حملت في طياتها رسائل متعددة. وأوضح أن الزيارة أبرزت قوة العلاقات الفرنسية المصرية ومدى تطورها بفضل جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة المصرية.

 وأشار إلى أن الزيارة كانت دليلاً على تأثير هذه العلاقات الجيدة من خلال برنامج الزيارة الذي حمل رسائل من بينها العلاقات الودية والاحترام المتبادل بين القيادة الفرنسية والمصرية، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي والعسكري المثمر بين البلدين.

وأكّد العابد أن الرئيس السيسي قدم إجابات شافية وواضحة للموقف المصري والعربي والفلسطيني خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي، وأوضح الموقف المصري بخصوص القضية الفلسطينية، ما أدى إلى تغير ملحوظ في الموقف الفرنسي.

 موضحاً أن فرنسا كانت في البداية من أشد المؤيدين للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ولكن الرئيس الفرنسي أطلق رسائل قوية ضد التهجير، ووقف خلف الخطة المصرية للتنمية في قطاع غزة، كما أعلن نية فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وأشار إلى أن هذا الموقف الفرنسي يأتي في إطار أهمية فرنسا كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي وعضو مهم في النظام الدولي. وأضاف أن هذا الموقف الفرنسي كان لصالح الدبلوماسية المصرية والمواقف المصرية الواضحة والصريحة في جميع المواضيع المتعلقة بالمنطقة. وتابع أن الرئيس الأمريكي قام بالاتصال بالقمة الثلاثية، وشارك الرئيس الفرنسي فيها عبر الهاتف، حيث كانت مواقف الدول الثلاث منسجمة وواضحة ضد التهجير والممارسات الإسرائيلية.

وأكّد العابد أن هذا التنسيق الثلاثي كان له تأثير كبير على الموقف الأمريكي، حيث كان اللقاء بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو في واشنطن بارداً، مقارنة بما كان يتوقعه الأخير. وأوضح أن رغم الدعم التاريخي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، فإن هذا التنسيق يعكس تحركاً دولياً متوازناً، يهدف إلى تقنين الدولة الإسرائيلية وإعادتها إلى المسار الطبيعي كدولة وليست دولة منبوذة في المنطقة.
واستطرد قائلاً إن زيارة الرئيس الفرنسي إلى مصر كانت مؤشراً على التفاف الشعب المصري حول القيادة المصرية، خاصة في موضوع القضية الفلسطينية. وأضاف أن الزيارة شملت استقبالاً حاشداً في شوارع القاهرة، وكذلك في رفح والعريش، حيث تم استقبال الزعماء من قبل كبار العائلات الفلسطينية، الذين قدموا الشكر للموقف المصري في دعم الفلسطينيين سواء الجرحى أو أهاليهم الذين يتلقون الرعاية الصحية في مصر.

وأوضح أن هذه الزيارة كانت جزءاً من خطة واضحة من قبل القيادة المصرية لدفع الموقف الفرنسي والأوروبي نحو تأييد الموقف المصري في دعم إقامة الدولة الفلسطينية، ووقف المجزرة التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي، وأكد أن الرئيس الفرنسي أعلن نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أقرب وقت ممكن، ما يفتح الباب أمام اعتراف دول أوروبية أخرى، بالإضافة إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي التي تربطها علاقات بالسياسة الفرنسية.

وأشار إلى أن هذا الاعتراف سيعزز من مشروع حل الدولتين، الذي يعتبره الشعب الفلسطيني أحد المطالب الرئيسية. وأوضح أن دعم أوروبا لموضوع حل الدولتين يضمن أيضاً الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة. وأضاف أن فرنسا قد تواصل الضغط على الاحتلال الإسرائيلي من خلال محاسبة الحكومة الإسرائيلية ومقاطعتها اقتصادياً ودبلوماسياً وعسكرياً إذا لم تلتزم بمتطلبات السلام.

واختتم قائلاً إنه يتمنى أن تتناغم السياسات الفرنسية مع الرؤية الفلسطينية المصرية والعربية، بهدف إنهاء العدوان واحتلال الأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية. وأكد أن البدء في تنفيذ الخطة المصرية، التي أصبحت خطة عربية بعد قمة القاهرة، هو السبيل الوحيد لإيقاف مخططات التهجير، وتثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه، وإعادة القضية الفلسطينية إلى مكانتها كقضية مركزية في المنطقة والعالم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة