في قلب حضارة ضاربة في جذور التاريخ، حيث كانت الشمس تُعبد والنيل يُقدَّس، وُلد أحد أقدم الأعياد في العالم: "شم النسيم". لم يكن هذا العيد عند المصريين القدماء مجرد مناسبة موسمية، بل كان طقسًا روحيًا واجتماعيًا يعكس ارتباط الإنسان بالطبيعة وتجدد الحياة.
موضوعات مقترحة
من معابد الأقصر إلى ضفاف النيل، كانت مظاهر الاحتفال بشم النسيم تتجلى في الطقوس الدينية، وتقديم القرابين، وتزيين البيوت بالزهور، وتناول أطعمة خاصة لا تزال حاضرة حتى يومنا هذا. فكيف كان يحتفل الفراعنة بهذا اليوم؟ وما الرموز التي اختبأت خلف رائحة البصل وألوان البيض؟ وخلال السطور التالية، نغوص في طيات التاريخ لنكشف أسرار أقدم عيد عرفته البشرية، ونتتبع خيوطه الممتدة من نقوش المعابد إلى موائد المصريين المعاصرين.
احتفالات شم النسيم عند المصريين القدماءاحتفالات المصريين بـ"شم النسيم" بدأت من 2700 قبل الميلاد
يقول الخبير الأثري والمتخصص في علم المصريات الدكتور أحمد عامر، لـ"بوابة الأهرام": إن الاحتفالات بـ "شم النسيم" بدأت لدي المصريين القدماء في 2700 قبل الميلاد، وكان يطلق عليه اسم "شمو" وكان يقام بمدينة "هيليوبوليس"، بل وربما كانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات. كما أنه كان يتم في هذا العيد الاحتفال بإعلان بدء موسم الحصاد، مع نهاية شهر إبريل، ويستمر إلى مطلع شهر يوليو مع موسم الفيضان الجديد.
احتفالات شم النسيم عند المصريين القدماءالأسماك المملحة أحد مظاهر الاحتفال بـ"شم النسيم"
وتابع: نجد أن المصريين القدماء كانوا يحتفلون به. كما نحتفل الآن بعيد "شم النسيم"، وكانوا يأكلون الأسماك المقددة والمملحة والبيض والبصل والحمص والملانه وغيرها، لافتًا إلى قيامهم بحمل الأزهار وشمها، وركوب القوارب المصنوعة من البردي والخروج وسط الأحراج النباتية لممارسة صيد الأسماك والطيور. كما عرفوا أيضًا البطارخ منذ عصر الأهرام حتى أنهم في أحد الأعياد كانوا يأكلون السمك المقلي أمام أبواب المنازل في وقت واحد.
اقرأ أيضًا:
كيف كان المصريون القدماء يحتفلون بعيد شم النسيم؟
استعدادًا لشم النسيم.. تجميل ورفع كفاءة كورنيش وشاطئ ومداخل مدينة جمصة |صور
التزين بـ"زهور الياسمين" أحد أهم مظاهر الاحتفال الرئيسية
وأشار "عامر"، إلى أن الزهور تُعد من المظاهر الجميلة الراقية عند المصريين القدماء في يوم "شم النسيم"، حيث كانوا يتزينون بعقود من الزهور وخصوصًا زهور الياسمين. كما أن الاحتفال في مصر بـ "شم النسيم" انتقلت مراسمه عبر العصور منذ أيام المصريين القدماء وحتى يومنا هذا، حيث كان الفرعون وكبار الكهنة وباقي كبار رجال الدولة يبدؤون احتفالهم اعتبارا من ليل هذا اليوم مجتمعين أمام واجهة الهرم الشمالية قبل غروب الشمس، وكانوا يقومون بالتغني حيث يقول "متع نفسك مادمت حيا ودع العطر على رأسك، والبس الكتان الجميل، ودلك يدك بالروائح الذكية المقدسة، وأكثر من المسرات، ولا تدع الأحزان تصل إلى قلبك".
احتفالات شم النسيم عند المصريين القدماءالبصل على مائدة المصريين القدماء في شم النسيم
وواصل"عامر" أن البصل كان من الأطعمة التي حرص المصريون القدماء على تناولها في مناسبة "شم النسيم" منذ الأسرة السادسة، بالإضافة إلي أن البيض عند المصريين قدماء كان يرمز إلى خلق الحياة. كما ورد في متون كتاب الموتى وأناشيد "إخناتون"، أما عن عملية تلوين البيض وزخرفته فتعود إلى عصور وعقائد قديمة لدي القوم، حيث كانوا ينقشون على البيض الدعوات والأمنيات في عامهم الجديد ثم يجمعون البيض ويضعونه في سلال من سعف النخيل، ويعلقونه في شرفات المنازل وفي أغصان الأشجار في الحدائق حتى يستطع عليها إله الشمس "رع" بأشعته فتنال بركة الإله حسب معتقداتهم فتتحقق دعواتهم، وكانوا يبدءون العيد بتناول البيض، وهي عادة ظلت متوارثة حتى الآن، وقد إتبع هذا التقليد في جميع أنحاء العالم، حتى أن الغربيين أطلقوا على البيض في شم النسيم "بيضة الشرق" نسبًة لقدوم تلك العادة من الشرق وتحديدًا من مصر.
الدكتور أحمد عامر أستاذ علم المصرياتواستطرد الخبير الأثري أن الفسيخ "السمك المملح" كان من بين الأطعمة التقليدية في شم النسيم منذ الأسرة الخامسة، منذ أن بدأ الاهتمام بتقديس النيل، حيث بدأت في الماء ويعبر عنها بالسمك الذي تحمله مياه النيل من الجنة حيث ينبع حسب المعتقد المصري القديم، وكان الخس من النباتات التي تعلن عن حلول الربيع باكتمال نموها ونضجها، وقد عُرف ابتداء من الأسرة الرابعة، حيث ظهرت صوره من سلال القرابين التي يقربونها لآلتهم،، وكان يسمى الهيروغليفية "عب"، كما أعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة الخاصة بالمعبود "مين" إله الخصوبة، بالإضافة إلي تناول الحمص والملانه.