الطائر كتب كلماتها الأصلية والجيزاوي أول من غناها قبل شادية بـ25 عاما
موضوعات مقترحة
جمال سلامة طلب من بهاء الدين محمد إعادة تأليفها بما يناسب تحرير سيناء
الناقد أحمد السماحي: لا نعرف سوى 20% من الأغاني الوطنية والباقي محفوظ في أرشيف الإذاعة
المؤرخ محمد الشافعي: أقدم أغنية وطنية غناها المصريون احتفالا بالنصر على الهكسوس
الدكتور عاصم الدسوقي: الانسحاب الجزئي لإسرائيل من سيناء اكتمل في 25 أبريل 1982 وفق معاهدة السلام
المونولوج الأصلي قدمه الجيزاوي احتفالا بذكرى مقاومة العدوان الثلاثي في بورسعيد عام 1957
على مسرح الجلاء، في يوم 25 أبريل 1982، وهو اليوم الذي يمثل عيد تحرير سيناء الحبيبة، غنت شادية واحدة من أروع الأغنيات الوطنية: «ياللي من البحيرة وياللي من آخر الصعيد.. ياللي من العريش الحرة أو من بورسعيد.. هنوا بعضيكم وشاركوا جمعنا السعيد.. سينا رجعت كاملة لينا.. ومصر اليوم في عيد» وذلك احتفالا بتحرير كامل أراضي سيناء، هذه الأغنية جسدت الفرحة المصرية بتحرير الأرض، لكن الأكثر طرافة أنه كان وراء هذه الأغنية "أزمة فنية" دفعت باحثين ونقاد فيما بعد للكشف عن تراث فني ضخم من الأعمال المنسية في أرشيف الإذاعة المصرية.. تعالوا نعرف الحكاية؟
أصل الحكاية
القصة الكاملة للأغنية يرويها لنا الناقد الموسيقي أحمد السماحي، حيث يقول: إن أغنية "مصر اليوم في عيد" تُعد من أيقونات بهجة تحرير سيناء، فهذه الأغنية قدمتها شادية، صوت مصر الأصيل، التي لها رصيد ضخم من الأغنيات الوطنية، فهي المطربة الوحيدة التي لم تترك مناسبة وطنية واحدة إلا وكان لها على الأقل أغنية تشدو بها في حب مصر، فقد قدمت أغنيات وطنية منذ فجر ثورة يوليو 1952، حيث بدأت مسيرة الغناء الوطني بأغنية "يا بنت بلدي" احتفالا بحصول المرأة على حقوقها، واختتمتها بأنشودة "ادخلوها آمنين"، إلى أن أعلنت اعتزالها، والحقيقة أن أغنية "مصر اليوم في عيد" جسدت كل معاني الإحساس الوطني كما غنتها شادية بقدر عال من الوجدان والصدق والتأثر، لهذا حظيت هذه الأغنية بالخلود، خاصة أنه قد توافر لهذه الأغنية كل مقومات النجاح بداية من توزيع وألحان جمال سلامة، وهو ملحن وموزع عبقري، حيث استطاع، -رحمه الله-، أن يقدم توزيعا مبهجا للأغنية، فضلا عن حلاوة وعذوبة الكلمات التي ألفها الشاعر الكبير عبد الوهاب محمد، وبفضل بساطة الكلمات وبهجة اللحن فقد كان من الطبيعي أن تُحفر هذه الأنشودة في الذاكرة والوجدان المصري.
صور موضوعية
مونولوج الجيزاوى
ويواصل السماحي رواية القصة بقوله: بعد أن قدمت شادية الأغنية مباشرة، سمعها الفنان الراحل عمر الجيزاوي، وشعر بأن الأغنية مأخوذة من مونولوج قدمه في الخمسينيات وكان يحمل نفس المطلع لكن بكلمات أخرى، وكان الجيزاوي قد قدم بالفعل نفس المطلع في الذكرى الأولى لاحتفالات مدينة بورسعيد الباسلة بهزيمة العدوان الثلاثي، كان ذلك في ديسمبر عام 1957، والحقيقة أن هذا المونولوج غير متاح حاليا على مواقع الإنترنت، لكنه محفوظ في أرشيف الإذاعة المصرية، وكان المونولوج الأصلي من كلمات الشاعر الكبير الراحل مصطفى الطائر، وكانت كلماته تقول (ياللي من البحيرة وياللي من آخر الصعيد/ النهاردة نصرة كل يوم تزيد/ واللي زاد حماسنا واللي علا راسنا/ الجيش وبورسعيد). أما أغنية شادية فتنطلق من نفس المطلع ولكن بكلمات أخرى، حيث طلب الملحن جمال سلامة من الشاعر عبد الوهاب محمد أن يبني على مطلع الأغنية كلمات أخرى تناسب ذكرى تحرير سيناء، وهنا نشأت الأزمة فقد تعرض الجيزاوي لصدمة نفسية كبيرة وأصيب بالمرض، والحقيقة أنه كان في آخر أيام حياته، وكانت الأضواء قد انحسرت عنه، ويبدو أنه -رحمه الله- كان لديه حنين جارف للأضواء وللأدوار الكبيرة التي قدمها في العديد من المناسبات الوطنية، وكان طبيعيا أن يشعر بصدمة نفسية، توفي على أثرها في أبريل 1983، لكن بالرغم من ذلك فإن الأغنية التي قدمتها شادية كانت مختلفة تماما عن مونولوج الجيزاوي، وقد استمعت بنفسي لهذا المونولوج والحقيقة أنه كان يؤديه بطريقته المعروفة، في حين كان الأداء مختلفا واللحن أيضا.
صور موضوعية
مطلع الأغنية
ويذكر السماحي أن مطلع الأغنية هو الذي أثار الأزمة بين الجيزاوي وجمال سلامة وبهاء الدين محمد، لكن من الثابت أنه حتى هذا المطلع لم يكن من إبداع الشاعر الكبير مصطفى الطائر وإنما يعود في الأصل للفلكلور المصري، فهو مأخوذ من أنشودة تراثية وشعبية وكانت الفرق الشعبية تقدم استعراضات على هذا المطلع أيضا، وكان ذلك هو رأي الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، ولكن في كل الأحوال عندما قدمت أسرة الجيزاوي شكوى في جمعية المؤلفين والملحنين ورفعت قضية لاسترداد حق عمر الجيزاوي في الأغنية، فقد انتهت الأزمة بأن تم الاعتراف رسميا بالحق الأدبي للفنان عمر الجيزاوي، حتى أنه أصبح يتم وضع اسمه بجوار جمال سلامة كملحنين للأغنية.
صور موضوعية
ويؤكد السماحي أن هذه الأزمة كشفت عن أزمات أخرى منها: أولا أن الفنان عمر الجيزاوي هو واحد من أهم الفنانين المصريين الذين تعرضوا للظلم في حياتهم ومماتهم، رغم أنه كان أحد نجوم البهجة والسعادة، وهو صاحب تراث فني ضخم من المونولوجات التي قدمها في كافة المناسبات الوطنية لكننا لم نسمع عنها، منها مثلا مونولوج عبقري قدمه بمناسبة نجاة الرئيس عبدالناصر من الاغتيال في حادث المنشية، أيضا الشاعر الغنائي الراحل مصطفى الطائر وقع عليه ظلم تاريخي كبير، فهذا الرجل قدم عددا كبيرا من الأغنيات الوطنية والكثير من تراثه الشعري والغنائي لا يعرفه أى أحد. والأزمة الثانية، أن هناك آلاف الأغنيات الوطنية وغير الوطنية المنسية والتي يحتفظ بها أرشيف الإذاعة المصرية ولم يتم إذاعتها سوى مرة واحدة، ومن بينها مئات الأغنيات عن تحرير سيناء وحرب أكتوبر، بل إن الإذاعة المصرية تحتفظ بأعمال نادرة منذ نشأتها في الثلاثينيات، وأعتقد أنه في المناسبات الوطنية يجب إعادة إذاعة هذه الأعمال التي لم تأخذ نصيبها من الشهرة، ووفقا لأفضل التقديرات فإن ما يتم إذاعته من أغنيات وأعمال ربما لا يتجاوز 20% على أقصى تقدير من إجمالي الأعمال الوطنية وغير الوطنية التي قدمها مطربونا في مختلف المناسبات.
صور موضوعية
أناشيد الوطن
أما الكاتب والمؤرخ محمد الشافعي، رئيس تحرير جريدة القاهرة السابق، فيذكر أن سيناء تظل تستحق أن نغني لها، لكن المسألة أعمق من أزمة جمال سلامة وما قيل حول سرقة أغنية عمر الجيزاوي، والحقيقة أن جمعية الملحنين والمؤلفين قسمت العائد من الأغنية بين الاثنين وتم إنصاف الجيزاوي وحصل على حقه، وفي أكثر من واقعة كان من الثابت استعانة جمال سلامة ببعض إبداعات الآخرين، لكن تظل الحقيقة المؤكدة أن "مصر اليوم في عيد" هي أغنية من بين آلاف الأغنيات الوطنية الأخرى، فمن المعروف تاريخيا أن مصر هي أول دولة اخترعت فكرة المقاومة بالغناء، فقد احتفظت جدران المعابد بأول أغنية وطنية غناها المصريون للجيش المنتصر على الهكسوس، وحملت كلمات الأغنية "هذا الجيش عاد منتصرا/ هذا البطل له الخلود"، وفي كافة الملاحم والمعارك الوطنية غنى المصريون، لكن الغناء الوطني شهد نقلة كبيرة على يد سيد درويش بعد ثورة 1919، ثم معارك الاستقلال الوطني وتوالى الغناء الوطني بعد ثورة يوليو حيث ارتبط بالمشروع الناصري فجسدت الأغاني معارك التنمية والعدالة الاجتماعية والإصلاح الزراعي والنهضة الصناعية، ثم واكب الغناء الوطني ملحمة بناء السد العالي، لكن عدوان 1956 ساهم في بلورة الغناء الوطني بصورة أكثر وضوحا فأصبح لدينا غناء رسمي وغناء شعبي خاص بالسمسمية، وأصبح لدينا شعار يد تغني ويد تحمل السلاح، ولا أحد يمكنه أن ينسي الدور العظيم للكابتن غزالي والذي قدم أغنيات لا حصر لها عن تحرير سيناء.
صور موضوعية
رمزية الذكرى
يقول الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة حلوان: إن معركة تحرير سيناء بدأت بحرب أكتوبر 1973، وتواصلت بمباحثات كامب ديفيد في سبتمبر 1978، وانتهت في 1979 بتوقيع اتفاقية السلام والتي بناء عليها تم تسليم الأرض حتى خرج آخر جندي إسرائيلي من سيناء في 25 أبريل 1982، وهو الذي يوافق عيد تحرير سيناء، ومن حسن حظي أنني كنت في أمريكا في وقت المباحثات، وقرأت النصوص، وشاهدت محاولات التلاعب بالألفاظ والنصوص مثل الخلاف حول "الانسحاب من الأراضي المحتلة" أو "الانسحاب من أراض محتلة" حيث راوغ الأمريكان لتمرير النص الثاني والذي كان يعني أن هناك أراضى ستخرج منها وأخرى لن تخرج منها إسرائيل، ونص المعاهدة يتضمن 9 بنود فقط تم نشرها للرأي العام العالمي، وبمقتضى ذلك بدأ الانسحاب الجزئي لإسرائيل من أراضي سيناء حتى اكتمل الاتفاق في 25 أبريل 1982.