هل ستعود "العتبة خضرا"؟

17-4-2025 | 13:31

منطقة العتبة في وسط القاهرة، واحدة من أكثر المناطق التاريخية حيوية وازدحاماً، بل الأكثر ازدحاما في كل مناطق القاهرة التجارية، لدرجة أنك إن رميت الملح على رؤوس الناس لن يلمس الأرض، وهو وصف دقيق من الثقافة الشعبية المصرية شديدة الذكاء. ولأن الملح صعب أن يلمس الأرض، كانت هناك مشكلات كثيرة، عشوائية وباعة جائلون واعتداء على أملاك الدولة، وأما الخطر الأكبر فكان عدم دخول سيارات الإطفاء في حالة اندلاع حريق في أحد الشقق المتحولة إلى مخازن للبضائع. خراب كبير يحيط بالناس وبالتجار.. 

وخراب أكبر يحيط بالمجاورين لأصحاب البضاعة والمخازن المحروقة.. حيث الخطأ ليس خطأهم.. لكن عليهم دفع ضريبة التجاوز واستخدام الشقق في تخزين البضائع. 

الحكومة فكرت في وضع حل نهائي لمعظم هذه المشكلات في واحد من أهم ميادين وسط القاهرة "ميدان العتبة"، فكان لابد من التطوير ثم التطوير ثم التطوير. ومن ضمن التطوير يظل التطوير العمراني أهمها ومن ثم ترميم مباني الميدان القديمة والعريقة.. تحويل التحف المعمارية التي لا يلقى إليها الناس بالا، رغم أنها مبان غاية في الجمال والعظمة والأبهة. مبان تعبر عن عبقرية المهندسين المصريين في الفن المعماري، والذين يمتلكون قدرة فريدة على مزج الأصالة بالحداثة، والفكرة كانت تطوير المباني القديمة وإعادة تأهيل العشوائيات المحيطة بها. 

وجاء تطوير مبنى تيرينج على رأس الأولويات، وهو الذي ستعيده الخطط الحكومية ليكون واحدًا من أهم المولات التجارية في مصر في منطقة مستدامة تجمع بين الحفاظ على الطابع التاريخي وتلبية احتياجات العصر الحديث. 

من بين المهندسين المصريين المشاركين في التطوير والترميم برز اسم المعماري مصطفى سالم، بفيديوهاته على فيسبوك وانستجرام.. حين نشر عدة فيديوهات وصلت إلى ملايين المشاهدات.. وفي رأيي حاجة الناس إلى رؤية الجمال.. وخصوصا الشجر حول المباني القديمة جعلت الناس، تتداول هذه الفيديوهات لتصبح المشاهدات بالملايين. 

وفيديوهات مصطفى أظهرت مباني وسط القاهرة قبل وبعد التطوير، تلمعها وكأنها خرجت لتوها من حمام شعبي ناصعة البياض تَغمرها ألف قنينة عطر.. وتلفها حزمة من الأشجار تزيد البهجة والأناقة وتبث الروح إلى هذه المباني العتيقة.. فتعود كما كانت من قبل باريسية الشكل والتصميم والجمال. 

وظهرت في الفيديوهات مبنى ومول "تيرنج"، والذي يعود إلى أكثر من قرن، ويستخدم المرممون مواد خام وزجاج مطابق للأصلي، لإعادة إحياء المبنى كجزء من المشهد العمراني المعاصر. 

هذه المشاريع في وسط القاهرة لا تقتصر على الترميم فقط، بل تشمل إدخال بنية تحتية حديثة كالكهرباء والصرف الصحي، مع الحفاظ على الطراز المعماري الأصيل. ضمن تطوير المباني القديمة في العتبة، كانت عمارة الإيموبيليا الشهيرة، التي شكلت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ملاذاً للمشاهير والسياسيين، تُعد نموذجاً للتراث المعماري المصري. 

هذه العمارة، هي أول ناطحة سحاب تم بناؤها في مدينة القاهرة، يبلغ ارتفاعها 70 مترًا ويوجد بها 370 شقة، وصممها المهندسان المعماريان ماكس أذرعي، وجاستون روسي، عند نقطة التقاء شارعي شريف وقصر النيل، وبناها أحمد عبود باشا.. تتميز بضخامتها وتعدد مصاعدها، وهي اليوم تحت مجهر التطوير. 

على الأرض يجري العمل بسرعة معقولة فقد بدأت محافظة القاهرة تنفيذ مخطط التطوير، الذي يشمل استبدال فروشات الباعة الجائلين بطاولات صغيرة، وتم عرض التصاميم والنماذج البديلة للفروشات على التجار والباعة الجائلين، والتي أعدها المكتب الاستشاري التابع لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وأبدى ممثلو التجار والباعة إعجابهم بالوحدات المقترحة للباعة والشكل العام للشوارع بعد التطوير، التي ستتناسب مع الوجه الحضاري للمنطقة وطبيعة عرض المنتجات. 

وأخلت محافظة القاهرة شارعي الجوهري وامتداده، ويوسف نجيب بحي الموسكي، ونقل الباعة الجائلين الموجودين بهما إلى جراج العتبة بصورة مؤقتة لحين الانتهاء من أعمال تطوير المنطقة، ورفع كفاءة المباني. 

ويستهدف ذلك تحسين أوضاع الباعة الجائلين في مناطق العتبة وكذلك لمواجهة الحرائق التي تتكرر من وقت لآخر، بالإضافة إلى تحسين المظهر العشوائي لعرض البضائع والازدحام بهذه المنطقة.

 خطوة كبيرة على طريق تجميل قلب القاهرة وخصوصًا منطقتي الموسكي والعتبة، وزرع كثير من الأشجار وإعادة العتبة خضراء كما كانت.. فهل تنجح خطة التطوير؟! 
إيميل:
[email protected]
إكس: ⁦‪@ahmedtantawi

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة