15-4-2025 | 15:09

شهد العالم في السنوات الأخيرة تحولات اقتصادية عنيفة، كان أبرزها اشتعال "الحرب التجارية" التي أطلق أولى شراراتها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، غير أن ما تلا تلك الحرب لم يكن مجرد تبادل للرسوم الجمركية، بل اندلاع صراع من نوع مختلف... يطلق عليه "حرب العملات".
 

ضربة البداية تهز الأسواق
 
مطلع أبريل، فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية عقابية طالت الجميع بلا استثناء، حليفًا كان أم خصمًا، هذه الإجراءات أثارت فوضى اقتصادية عالمية، هي الأعنف منذ جائحة كورونا، وأعادت إلى الواجهة شبح الركود التضخمي، وسط تحذيرات متزايدة من كبريات المؤسسات المالية الدولية.
 

واشنطن تُهاجم.. ثم تتراجع


ترامب أعلن عن حزمة من الرسوم المرتفعة على عدد من الدول، كان من المفترض تنفيذها خلال هذا الأسبوع، لكنه، كما جرت عادته، تراجع في اللحظة الأخيرة، مؤجلاً تنفيذ القرار لمدة ثلاثة أشهر لمعظم الدول، باستثناء الصين.

فقد بلغت الرسوم المفروضة على الصين 145 في المئة، مع استثناء لافت لبعض المنتجات مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، ورغم هذا التراجع الجزئي، فإن الرسوم العالمية بنسبة 10 في المئة لا تزال سارية، إلى جانب رسوم إضافية بنسبة 25 في المئة على السيارات – وهي نسبة مرشحة لأن تُحدث صدمة في السوق الأمريكية وتُضعف الطلب المحلي.
 

الصين ترد بقوة


لم تتأخر بكين في الرد، فرفعت الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية إلى 125 في المئة، وخطت خطوة أخرى أكثر دهاءً: خفضت سعر صرف اليوان لأدنى مستوى له منذ 19 شهرًا.

هذه الخطوة جاءت ضمن إستراتيجية دفاعية من البنك المركزي الصيني لامتصاص آثار الحرب التجارية، دون إثارة اضطرابات في الأسواق.

فخفض اليوان يُعزز تنافسية الصادرات الصينية، التي تشكل محركًا رئيسيًا للاقتصاد، وهو ما تسعى له بكين وسط ضغوط متزايدة على محركات النمو لديها نتيجة التوترات التجارية.
 
 
ضعف الدولار.. سياسة لا صدفة


في الوقت الذي تقود فيه الصين عملتها نحو الانخفاض بطريقة مدروسة، صرّح ترامب مرارًا أثناء جولاته الانتخابية برغبته في أن يرى الدولار أضعف، وذلك لتحفيز الصادرات الأمريكية، فكلما انخفض سعر الدولار، أصبحت السلع الأمريكية أكثر جذبًا للمستوردين حول العالم، مقارنة بمثيلاتها من أوروبا وآسيا وخاصة الصين.

وقد تحقق له ذلك بالفعل، إذ انخفض الدولار يوم الجمعة الماضي إلى أدنى مستوياته خلال ثلاث سنوات بعد أن بلغ ذروته في مطلع العام الجاري أمام سلة من العملات الرئيسية.
 

حين يُعيد التاريخ نفسه


ما يجري اليوم يُعيد إلى الأذهان ما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، حين لجأت الولايات المتحدة وبعض الدول إلى تخفيض قيمة عملاتها ورفع الرسوم الجمركية، مما تسبب في انخفاض التجارة العالمية بنسبة مكونة من رقمين.

كان ذلك إيذانًا بمرحلة جديدة من السياسات الاقتصادية تُقدِّم المصالح الوطنية على النظام الدولي.. تمامًا كما يفعل ترامب اليوم بشعار: "أمريكا أولًا".
 

موازين القوى الاقتصادية


حرب العملات ليست مجرد تبادل في السياسات النقدية، بل صراع إستراتيجي يُعيد تشكيل موازين القوى الاقتصادية في العالم؛ فحين تستخدم الدول سلاح العملة لتعزيز صادراتها، وترفع الرسوم الجمركية، وتزيد القيود والحواجز أمام بعضها بعضًا، يكون العالم بأسره مهددًا بركود اقتصادي قد يفوق سابقاته.
 

كلمات البحث
الأكثر قراءة