محيي الدين إبراهيم يكتب: الحرب التجارية بين أمريكا والصين.. صراع مفتوح على المجهول

14-4-2025 | 16:38
محيي الدين إبراهيم يكتب الحرب التجارية بين أمريكا والصين صراع مفتوح على المجهولالحرب التجارية بين أمريكا والصين - صورة تعبيرية

بدأت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية في مارس 2018، لكنها لم تكن مجرد نزاع جمركي، بل لحظة فارقة دشّنت صراعًا طويل الأمد على النفوذ الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، فقد انطلقت  شرارة الحرب حين فرضت واشنطن رسوماً جمركية جديدة على الواردات الصينية، وردّت بكين بالمثل، ومع توالي التصعيد، اتضح أن المعركة تتجاوز أرقام الرسوم إلى إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي.

موضوعات مقترحة

تعريفات تحوّلت إلى جبهات

بين عامي 2018 و2019، رفعت الولايات المتحدة متوسط رسومها الجمركية على السلع الصينية من نحو 3% إلى أكثر من 16%، فيما ردّت الصين برسوم تجاوزت 20%، هذه السياسات أصابت تجارة ثنائية كانت قد بلغت 635 مليار دولار عام 2017، فانكمشت بنسبة 16% خلال عامين، وسط اضطراب في سلاسل التوريد العالمية، ومن ثم، سرعان ما وجدت دول أخرى موطئ قدم في هذا الفراغ،  فارتفعت صادرات فيتنام وتايوان والمكسيك إلى الولايات المتحدة بمليارات الدولارات، لا لأن سلعها أفضل، بل لأنها ليست "صينية".

مبررات أمريكية.. ونتائج باهتة

وقد بررت الولايات المتحدة التصعيد بأربع حجج وهي، معالجة العجز التجاري، فرض المعاملة بالمثل، استعادة الوظائف الصناعية، والضغط لتغيير السياسات الصناعية الصينية، إلا أن معظم هذه الأهداف لم تتحقق.

فالعجز التجاري لم تتم معالجته بل تحوّل إلى دول ثالثة، والوظائف الصناعية لم تعد، بل تكبّدت بعض القطاعات الأمريكية خسائر إضافية جراء ارتفاع أسعار المدخلات، أما الصين، فلم تُظهر تحولاً جذرياً في سياساتها الصناعية أو دعمها للشركات المملوكة للدولة.

أثر عالمي لا يمكن إنكاره

ووفق نماذج منظمة التجارة العالمية، أدى ارتفاع الرسوم إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 1%، وربما الأهم، هو دخول الاقتصاد العالمي في "زمن اللايقين"، فالشركات ترددت في اتخاذ قرارات إستراتيجية طويلة الأجل، وتراجعت الاستثمارات، وأعيد تشكيل شبكات التصنيع العالمية.

وهنا أصبح مؤشر "عدم اليقين في السياسات التجارية" مرآة لهذا العصر، فقد صعد بنسبة غير مسبوقة منذ منتصف 2018، خصوصًا في الصين والولايات المتحدة، وترك أثره العميق على ثقة الأسواق.

اتفاق هشّ ومحاولات متعثرة

في يناير 2020، وقّع الطرفان اتفاق "المرحلة الأولى"، وفيه تعهدت بكين بزيادة وارداتها من السلع والخدمات الأمريكية بـ200 مليار دولار خلال عامين، ورغم أن التعهد منح الأسواق هدنة قصيرة، إلا أنه لم يعالج جوهر الصراع، إذ أبقى الطرفان على رسوم جمركية مرتفعة، ولم يشهد الواقع تنفيذًا كاملاً للالتزامات بسبب الجائحة وتباطؤ النمو العالمي.

تحوّل إستراتيجي طويل الأمد

وبحلول عام 2025، لم تعد الحرب التجارية مجرّد خلاف مرحلي، بل تحوّلت إلى صراع بنيوي يتغلغل في السياسات الصناعية والتكنولوجية والأمن القومي،فمتوسط الرسوم الجمركية بين الطرفين بلغ مستويات غير مسبوقة، في بعض القطاعات الحساسة وصلت إلى 149%.

والصين من جهتها مضت في تعزيز إستراتيجيات الاكتفاء الذاتي، خاصة في أشباه الموصلات والطاقة، فيما تبنّت واشنطن سياسات صناعية نشطة، دعمت بها سلاسل إنتاج محلية وقلّلت من اعتمادها على بكين.

العالم في قبضة التفتت

إن تلك الحرب لم تفتّت العلاقات بين قوتين فقط، بل فتّتت صورة العولمة نفسها، إذ عاد الاقتصاد العالمي إلى نمط "التكتلات الإقليمية"، حيث أعادت شركات كبرى تموضعها في الهند وفيتنام والمكسيك، وتراجعت الثقة في المؤسسات الدولية كمنظمة التجارة العالمية، بينما باتت الاعتبارات الجيوسياسية تطغى على قواعد السوق الحرة، وقد نتج عن هذا التحوّل تباطؤ في التجارة العالمية لم تتجاوز نسبته 1.5% سنويًا في السنوات الثلاث الأخيرة، وارتفاع في معدلات التضخم المستورد، خاصة في الدول النامية، وسط هشاشة أدوات إدارة الأزمات الاقتصادية العالمية.

عام 2025... لحظة اللايقين الكبرى

ورغم تغيّر الإدارات السياسية وتبدّل اللهجات، لم تنتهِ الحرب التجارية بين واشنطن وبكين،فلا اتفاق جديد وُقّع، ولا الرسوم أُلغيت، ولا الثقة عادت، بل دخل العالم مرحلة "الصراع الصامت"، حيث تتحرّك السياسات والقرارات في اتجاهين متضادين: فصل متزايد في الاقتصاد، وتكامل ضروري في التحديات العالمية.

والسؤال الذي لا يملك أحد اليوم إجابة حاسمة عنه: إلى أين يتجه هذا الصراع؟ هل يستمر الفصل الاقتصادي وتتكرّس الثنائية القطبية؟ أم تعود القوى إلى طاولة مفاوضات كبرى تُنتج نظامًا تجاريًا عالميًا جديدًا أكثر اتزانًا وأقل توتّرًا؟

في عام 2025، لا تزال الكلمة الأخيرة مؤجلة، لكن المؤكد أن العالم يقف على عتبة زمن اقتصادي جديد، تتحدد فيه مصائر الأمم لا بقدر ما تملك من الرسوم، بل بقدرتها على التكيّف، والابتكار، وتوجيه دفة الاقتصاد وسط العاصفة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: