مع استمرار سياسة قتل الأنفس والأرواح البريئة ومع منهجية القصف المستمر والتدمير المتعمد للبنى التحتية في غزة من قِبل الجيش الإسرائيلي الغاشم المحتل لقطاع غزة بالكامل ومع سياسة حرق الأرض وسياسة النهب والسلب والمجازر وجرائم الحرب ضد الفلسطينيين العزل ومع وحشية قتل الأطفال والنساء والشيوخ بدمٍ باردٍ..
وفي ظل صمتٍ دولي تامٍ يشهد قطاع غزة أسوأ أزمةٍ إنسانيةٍ منذ بدء العدوان الإسرائيلي، حسبما كشفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» لاسيما مع تعنت «إسرائيل»، ومنعها دخول المعونات الإنسانية إلى غزة منذ الثاني من الشهر الماضي، ولا شك أن ذلك الوقت يعد أطول فترة منعٍ للمساعدات منذ بدء الحرب؛ مما أدى إلى نقصٍ حادٍ في كل مناحي الحياة.
وبالرغم من كل هذه المآسي والصمت الدولي فإن مصر لا زالت تمارس كافة الضغوط لضمان وصول المساعدات إلى غزة «دون انقطاع» مع رفض مصر بشكلٍ كاملٍ أي فكرةٍ لتهجير الفلسطينيين لسيناء أو لأي بلد آخر.. حيث كشف الدكتور بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية والهجرة المصري عن مقترح لجنةٍ مؤقتةٍ ستتولى إدارة قطاع غزة لـ6 أشهر لحين تمكين السلطة الفلسطينية من تسلم المهمة، وإن هناك سعيًا إلى تمكين الشعب الفلسطيني من البقاء على أرضه.
ولقد جاءت زيارة الرئيس السيسي والرئيس الفرنسي ماكرون خلال الأيام الماضية لمدينة العريش ومستشفى العريش العام لتكشف للعالم أجمع والمتشدقين الجهود التي تبذلها الدولة المصرية لدعم القضية الفلسطينية ولتوفير الرعاية الصحية والعلاج اللازم للمصابين الفلسطينيين النازحين من قطاع غزة تحت وقع القصف، وكذلك تكشف حجم المساعدات التي تم إدخالها للقطاع من جانب الدولة المصرية.
حقيقة ما كشف عنه الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان من أن إجمالي تكلفة الخدمات الطبية التي قدمتها مصر لمصابي قطاع غزة مؤخراً فقط قد بلغت نحو 578 مليون دولار، ومتوقعًا أن تصل إلى مليار دولار على الرغم من أن حجم المساعدات العينية التي تلقتها مصر من الدول لا يتجاوز 10% من إجمالي التكلفة التي تحملتها يؤكد أن مصر وحدها تتحمل الجزء الأكبر من الدعم المقدم للأخوة الفلسطينيين في محنتهم مع صمت البعض دون جدوى أو دعمٍ لكن بحديثٍ فضفاضٍ فارغٍ للبعض الآخر من بعيدٍ خارج الدائرة دون تقديم شيءٍ يذكر إلا العنترية الجوفاء أو كلامٍ لا قيمة له ولا طعم ولا لون ولا رائحة.
وإننا عندما نؤكد أن مصر وحدها قد استقبلت نحو 107 آلاف فلسطيني للعلاج وتطعيم 27 ألف طفلٍ فلسطيني، واستقبال أكثر من 8 آلاف مصابًا فلسطينيًا برفقة 16 ألف مرافق، وإجراء أكثر من 5160 عمليةً جراحيةً للفلسطينيين وإن مصر تقدم هذا الدعم لإخوانهم الفلسطينيين ليس على سبيل المفاخرة أو المباهاة وليس منةً منهم لهم، وإنما هو مشاركة لإخوانهم المنكوبين والمرضى من قطاع غزة وهو واجبٌ ارتضت أن تقدمه مصر طواعيةً واختيارًا وليس قسرًا أو إجبارًا منذ بدء أزمة القضية الفلسطينية، وإن هذه السطور إنما نكتبها فقط كبيانٍ يوضح للناس جميعًا من يقف بشكلٍ حقيقي بجوار إخوانه الفلسطينيين؟! ومن يكتفي بالإدانة والشجب دون اتخاذ خطواتٍ ملموسةٍ على الأرض في ظل الوضع الكارثي في غزة ؟!..
وليس هذا فحسب بل يكشف من يتآمر على القضية الفلسطينية ومن يبذل الغالي والنفيس من أجلها؟! إن موقف الشعب المصري تجاه القضية الفلسطينية ليس وليد اللحظة، ولكنه مبدأٌ متوارثٌ ورثه المصريون من الأجداد للآباء، ومن الآباء للأولاد والأحفاد.. إيمانًا كاملاً بهذه القضية علاوةً وإضافةً على وجود قيادةٍ واعيةٍ متمثلةٍ في الرئيس السيسي الذي يحرص على اتخاذ كل التدابير والإجراءات اللازمة لتخفيف معاناة الأشقاء الفلسطينيين.
ومن تلمس تعبيرات وجه الرئيس السيسي، وكذلك الرئيس الفرنسي ماكرون خلال زيارتهما للمصابين من الفلسطينيين بمستشفى العريش يكتشف ويدرك تمامًا تلك المعاناة التي يعانيها المدنيون العزل في قطاع غزة لاسيما الأطفال والنساء، وكذلك المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني والتي تعد عارًا وشنارًا على المجتمع الدولي من وجهة نظري المتواضعة وفي ظل استمرار سياسة الكيل بمكيالين والتعامل بازدواجيةٍ مفرطة مع القضايا الإنسانية في ظل أوضاع إنسانيةٍ صعبةٍ بقطاع غزة.
إننا حين نرى هذه المشاهد المفزعة نشعر للوهلة الأولى أننا نشاهد مقاطع لأفلامٍ سينمائيةٍ من أفلام الحرب والرعب بسبب عدم قدرة استيعاب العقل الباطن أن هذه المجازر والقتل البربري هي في الحقيقة شيءٌ واقعي يعيشه أهلنا كل يومٍ بل كل ساعةٍ بل كل لحظةٍ في قطاع غزة، ولكن سرعان ما نستعيد وعينا ونقبل بهذا ونعيد الاستيعاب بأن هناك مليوني فلسطيني في غزة يعيشون في وضعٍ كارثيٍ مع عدم تطبيق جميع القرارات الدولية التي تم اتخاذها بشأن القضية الفلسطينية.
ولا شك أن هذا العجز الدولي يضع مصر في خط المواجهة فهي تحارب وحدها لفرض وقف إطلاق النار والتطهير العرقي الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بأسلحةٍ أمريكيةٍ محرمةٍ دوليًا وحدوث انتهاكاتٍ واضحةٍ لحقوق الإنسان مع عدم وجود أي تحركٍ حقيقيٍ من المنظمات الدولية أو الحكومات الكبرى لوقف هذا العدوان لدرجة أن الأمين العام للأمم المتحدة لم يتمكن من زيارة غزة وهو ما يعكس حالة العجز الدولي في التعامل مع هذه الأزمة الكارثية.
ولا ريب أن كل التقارير الصادرة من المنظمات الدولية لتؤكد أن الوضع مخزٍ وخطيرٌ ويحتاج لوقفٍ فوريٍ لهذه الآلة الإسرائيلية الغاشمة ويفتقر للسرعة العاجلة الناجزة لإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع خاصةً أن منظمة اليونيسف أكدت أن ما يزيد عن مليون طفل في غزة محرومون من المساعدات المنقذة للحياة علاوةً على أن إسرائيل بجيشها المحتل ما زالت تقوم بقتل الأطقم الطبية وقصف المقار الأممية.
ومما لا شك فيه أنه بهذا الوضع الكارثي يعيش الفلسطينيون في ظروفٍ مأساويةٍ غايةٍ في الصعوبة، وأن هذه المحنة، وهذا الوضع قد أسقط أقنعةً كثيرةً كانت تتحدث وتتشدق بدفاعها المستميت عن القضية الفلسطينية الإسلامية مع أن هذه النماذج هي من باعت الفلسطينيين والقدس بأبخس الأثمان، ويضعون حاليًا حلولًا بديلةً بالاتفاق مع أمريكا وإسرائيل بعد الموقف البطولي للرئيس السيسي والدولة المصرية والشعب المصري، بالتضامن مع الأردن لرفض تهجير الفلسطينيين، وتصفية القضية الفلسطينية؛ وذلك لتجهيز وطنٍ بديلٍ في دول أخرى ليست دولهم، ولكن شاركوا وساهموا في تدميرها؛ مما جعل الرئيس الأمريكي ترامب يصفهم مؤخرًا بالأصدقاء.
ولكن في ظل العتمة يخرج النور، ومن ثنايا المحن تخرج المنح، وإن شاء الله ستحل هذه الأزمة وسيتحقق وعد الله بنصر الفلسطينيين، وعودة المسجد الأقصى، وستظل مصر أم الدنيا وبلد العطاء والوفاء بلا حدود، إن هذا التعاضد والتلاحم والتآسي والمواساة من مصر العزيزة الأبية لأختها غزة المنكوبة المحاصرة، وموقف الشعب الفلسطيني الصامد يذكرني بموقفٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد مرَّ على نفرٍ من أصحابه في الشعب محاصرين ثلاث سنوات كاملة يقاسون خلالها من ويلات الحصار والجوع والتشريد ما لم تشهده العرب ولا الإنسانية من قبل، وقد قررت قريش عزل المستضعفين من المسلمين في مكة ومقاطعتهم اقتصاديًّا وتجويعهم ووضعهم أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما الموت جوعًا وإما الرِّدة وترك الدِّين فقال للمحاصرين في الشعب صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.. صبرًا صبرًا فإن الله سيجعل لنا مخرجًا..
إننا نناشد المجتمع الفلسطيني بأسره أن يدرك بفقه الواقع وبعين البصيرة والبصر مما يراه من عونٍ كاملٍ من الشعب المصري، وتأييدٍ تامٍ من قيادته المصرية أن مصر ستظل ترفرف على إخوانها بيد حانيةٍ تطيب الجراح وتواسي النفوس والقلوب، ويدٍ تنافح وتدافع بسلاح العزة والشموخ والإباء والبطولة والفداء..
وعلى المجتمع الفلسطيني أن يُجمع كلمته، وأن يوحد صفه، وأن ينبذ الفتنة والفرقة، وأن يبصر موقع الأقدام والألسن؛ ليتبين له عدوه من حبيبه وناصره من مخذله، ومن لا يتجاوز كلامه حناجره، ومن هو ثابتٌ على المبدأ لا تُلينُ عريكتَه الأحداث ولا يجري وراء كل زاعقٍ أو ناعق، بل هو صُلب الإرادة لا تفتت عزيمتَه الخوارق ولا تخوفه الصوارف ولا تُثنيه العوائق ذلك تعود أن تكون كلمته من رأسه وإرادته من نفسه وعزته من الله الذي لا يُهزم جنده ولا يغلب جيشه.. ولتحيا مصر وفلسطين أبد الآبدين وليخسأ جيش الاحتلال الإسرائيلي المهين..