قد تضطرك ظروف الحياة إلى الالتحاق بعمل ما لا يناسب إمكاناتك وقدراتك التي منحك الله إياها، تحيا على هامش حلمك أسيرًا، فعملك لا يعبر عنك ولا يمثل ذاتك، قد تقيم في منطقته زمنًا طويلًا، تبحث فيه عن فرصة للخروج من خلف قضبان سجنك، تتوجه صوب شمسك، تنقب تحت أشعتها عن رصيد أحلام عمرك الفائتة، فلا تجد لها أثرًا.
تود أن تستردها في الحال، تتمنى أن يأتي هذا اليوم الذي تتمكن فيه من تحطيم قيدك بعد أن حالت قبضته بينك وبينها عمرًا، لكنك سوف تجد نفسك ملزمًا بإتيان عمل على غير هوى نفسك، ملتزمًا بقوانينه، منفذًا لطقوسه، مطبقًا لمعاييره، حتى تصبح في مهب الريح مثل قشة تتقاذفها نوبات حيرتك، تجذبك أمواجها بكل قسوة، تدخلك عنوة داخل دوامة من يأس محقق.
سوف تتأكد بعدها أنك تسير في طريق من غربة شاقة، تنخرط في تفاصيل مزعجة تنفذها بلا هدف، تمضي في طريقك منزعجًا، رافضًا لكل أمر تم فرضه عليك، حتى يأتيك يوم تتمرد فيه على كل حكم مسبق بعزلك عن نفسك، تسعى مستسلمًا لظروف كتبتها الحياة عليك، محاولًا إقناع نفسك بالتنازل عن بعض أحلام عمرك المؤجلة.
تمتنع عن ذلك في البداية، ثم تستجيب لطلبك شيئًا فشيئًا، تمنحك فرصة العيش في غير ثوبك مرغمة، بعد أن أدركت حجم مسئولياتك المقبلة.
لقد اعتدت أن تقوم بعملك بجد واجتهاد فالالتزام سمة من سماتك، ستعمل بإتقان راضيًا عن عملك أو مرغمًا، تتحين الوقت لاقتناص كل فرصة تتهيأ لك تبشرك بقرب عبور مرحلتك.
هيا نتذكر ماضينا الجميل معًا، نرتب أحلامًا اقتطفنا زهورها من بساتين سعادتنا الوردية، نذكر تفاصيلها بدقة، نستعرضها ما بين اللحظة والأخرى، لقد كانت السعادة تحيط بنا من كل جانب، تركض وتقفز بيننا كالأطفال، تدخلنا برفق داخل حصون بهجتها الحانية، تحتضن طفولتنا البريئة، تربت على أيدينا مشجعة ومحفزة.
وها نحن قد كبرنا سويًا، وها هي الأمنيات السابقات تطرق أبواب ذاكرتنا، تذكرنا بأنها ما زالت باقية معنا على عهدها، تلمح فجأة الدمعات المتلألئات في عيوننا فتتعجب، نبادرها بسرد قصتنا الطويلة عليها، نشكو لها من جنوح سفينة أحلامنا عن مسارها المرسوم المحدد.
يرتسم طيف وجومها، يملأ به قسمات وجهها الطيب، تعود تلملم شتاتها مبتسمة، كأنها بابتسامتها الصافية تلك تواسينا، تقدم لنا اعتذارها، بعد أن أدركت على الفور حجم الصعاب التي مررنا بها، تميل نحونا هامسة بتفاصيل خطتها الجديدة التي وضعتها، تملي علينا بنودها، تصف لنا فيها خارطة طريق أخرى تعيننا على استرداد أحلام عمرنا الضائعة.