تشهد الطرق العديد من حوادث التصادم التي تخلف في أحيان كثيرة خسائر بشرية، قد تصل إلى حد وفاة أحد أطراف الحادث ، وتثير مثل هذه الوقائع تساؤلات قانونية دقيقة تتعلق بالتكييف الجنائي للحادث، والمسؤولية القانونية للسائق، والإجراءات المتبعة من قبل النيابة العامة، فضلًا عن أثر التصالح مع ذوي المجني عليه، يتناول هذا المقال تحليلًا شاملًا لهذه الأبعاد من منظور قانون العقوبات المصري وقانون الإجراءات الجنائية.
موضوعات مقترحة
قال محمد زكي أبو ليلة الخبير القانوني، إن النيابة العامة تعد هي المسئولة عن التكييف القانوني لحوادث التصادم المؤدية إلى الوفاة وذلك وفقًا للمادة (238) من قانون العقوبات المصري، فإن وفاة شخص نتيجة حادث تصادم لا يُعد جريمة قتل عمد ما لم يثبت توافر نية القتل أو سبق الإصرار والترصد، وإنما يندرج تحت مسمى القتل الخطأ، متى ثبت أن الوفاة نشأت عن إهمال أو رعونة أو عدم احتراز أو مخالفة للقوانين واللوائح.
وتنص المادة (238) على ما يلي: "من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئًا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين واللوائح والأنظمة… يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين."
وتابع أبو ليلة، أن يُلاحظ أن المشرّع قد شدد العقوبة في حال اقتران الجريمة بظروف مشددة مثل ارتكاب الحادث تحت تأثير المواد المخدرة أو الكحولية أو وقوع الحادث في منطقة مخصصة لعبور المشاة ، أو هروب المتهم من موقع الحادث دون تقديم المساعدة ، وفي هذه الحالات، قد تصل العقوبة إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن خمس سنوات، وفق الفقرة الثانية من ذات المادة .
لتحقق جريمة القتل الخطأ، يجب توافر الركن المادي للجريمة وهو وقوع فعل إيجابي (مثل القيادة بسرعة زائدة أو تجاهل إشارات المرور) يؤدي إلى الوفاة ، وتوافر الركن المعنوي ويتمثل في توافر الخطأ غير العمدي في سلوك الجاني، كالرعونة أو الإهمال أو مخالفة القانون.
وأضاف الخبير القانوني أن السائق يُعتبر مسؤولًا جنائيًا إذا ثبت أنه ارتكب مخالفة مرورية جوهرية (مثل قطع الإشارة أو القيادة بدون رخصة) أدت إلى وقوع الحادث، حتى وإن لم يكن لديه نية للقتل.
حيث أنه عند وقوع حادث تصادم مفضٍ إلى الوفاة، تباشر النيابة العامة التحقيق فتقوم النيابة بسماع أقوال السائق (المتهم) وتوجيه التهمة له، مبدئيًا بجريمة القتل الخطأ ، ومن ثم استدعاء الشهود وتسجيل أقوالهم ، وطلب تحاليل السموم والمخدرات للمتهم إذا كانت هناك شبهة تعاطٍ ، وندب الطب الشرعي لتشريح جثمان المجني عليه وبيان سبب الوفاة ، وإعداد تقرير معاينة مكان الحادث بالتعاون مع المرور وتحديد مسار التصادم وفي النهاية تصدر قرارها بالتصرف في الدعوى إما بالإحالة إلى المحكمة الجنائية المختصة أو بالحفظ في حالة انعدام المسؤولية.
وأكمل أبو ليلة: قد نصت المادة (18 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية على جواز التصالح في بعض الجنح، ومن بينها القتل الخطأ، وذلك بشرط موافقة الورثة الشرعيين للمجني عليه ، وفي حالة التوصل إلى تصالح رسمي موثق، يحق للنيابة العامة أن تصدر قرارًا بحفظ التحقيق ،أو تُخطر المحكمة المختصة للتنويه بالتصالح، مما يؤدي غالبًا إلى وقف تنفيذ العقوبة أو النزول بها للحد الأدنى.
ولكن يُشترط ألا تكون الواقعة مشمولة بظروف مشددة (قيادة تحت تأثير، هروب... إلخ)، ففي هذه الحالة لا يُعد التصالح مانعًا من العقاب، وإنما عاملًا مخففًا في تقدير العقوبة فقط.
حيث قضت محكمة النقض بأن: "الخطأ الذي يقع تحت طائلة المادة 238 من قانون العقوبات هو الإخلال بواجب قانوني يفرضه القانون أو اللوائح على الجاني، بما كان يتعين عليه أن يتوخاه، فإذا خالفه قامت مسؤوليته الجنائية".