قيم الحق والجمال والخير.. وواقعنا المعاصر (2-2)

16-4-2025 | 09:43

كل ما يحقق سعادة للإنسان سواء المستوى الفردي أو المستوى الجمعي فهو خير، ليس هذا فحسب، بل ليس الأمر مقصورًا على الإنسان وحده، ولكن كل ما يحقق سعادة لكل من على وجه الأرض فهو خير.

أو حتى في أضعف الإيمان ما يحقق لذة، حتى ولو كانت لحظوية، يدخل في عداد الخيرات، وهذا ما ألمح إليه الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، عندما قسم الخيرات إلى خيرات البدن، وخيرات النفس، وخيرات توفيقية.

أما خيرات البدن التي تتحقق من خلالها السعادة، أن يكون الإنسان صحيحًا معافًا في بدنه غير سقيم، فإذا ما خُير بين الصحة والمرض بالضرورة سيختار الصحة والقوة.

أما خيرات النفس فهي ترويضها وتهذيبها من أجل تحقيق خيرها الأسمى، ألا وهو الرضا والقناعة، أليس هذا خيرًا. أما الخيرات التوفيقية، فتتمثل في توفيق الله وهدايته وسداده ورشاده. نعم إن كل هذه خيرات تؤدي إلى تحقيق السعادة للإنسان.

فالإنسان خير بطبعه وسجيته، ومن ثم انبرى علماء الأخلاق لاستخراج القيم الكامنة بداخله من حيز الوجود بالقوة إلى حيز الوجود بالفعل، وهذا جل عمل فلسفة الأخلاق. الكشف عن الخير بداخلنا لفعله، والكشف عن مواطن الشر لتفاديها وكبح جمادها.

لذلك خصص الباحثون فى الفلسفة مبحثًا برمته للحديث عن القيم أطلقوا عليه مبحث القيم، الحق، الجمال، الخير. وسبق أن تحدثنا فى الجزء الأول عن قيمتي الحق والجمال.

أما الخير، فالمقصود به علم الأخلاق، وكما سبق أن ألمحنا، فإن الغرض من دراسة الأخلاق تهذيب النفس البشرية وإخراج الخير الكامن بداخلها إلى الوجود، لماذا؟! حتى نرقى في تعاملاتنا مع بعضنا البعض، مع بني جلدتنا، مع الحيوان، مع الطبيعة، مع كل مقوم من مقومات حياتنا.

ومن هذا المنطلق حاول فلاسفة الأخلاق الحديث عن طبيعة الأخلاق، وخصائصها، فراحوا يقدمون تعريفات جامعة لكنها ليست مانعة، لماذا؟!، لأن كل إنسان يستطيع أن يدلي بدلوه في حديثه عن الأخلاق وعن القيم الخلقية وهل هي نسبية أم هي مطلقة.

ولعلني أجتهد وأحاول أن أقدم تعريفًا لعلم الأخلاق، فأقول هو محاولة لاستخراج الخير الذي بداخلنا واقتنائه وبسطه على كل من حولنا، لإسعادهم، وإسعاد أنفسنا على حد سواء.

أما تعريفات الأخلاق، فأهمها ما يلي، هي علم الخير والشر. علم الفضائل لاقتنائها، وعلم الرذائل لاجتنابها. دراسة ما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني في تعامله مع ذاته ومع من حوله. ومن هذا المنطلق فالأخلاق علم معياري لا يصف ما هو كائن، وإنما ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان.

ويختلف عن علم النفس، الذي يغوص في دراسة النفس الإنسانية سيكلوجيًا، أما الأخلاق فتهتم بتربية وتهذيب النفس الإنسانية. ولعل من الموضوعات المهمة التي يناقشها علم الأخلاق، كيف نحكم على الفعل الذي نؤتيه، هل هو أخلاقي أو أكثر أخلاقية، أم لا أخلاقي أو أكثر لا أخلاقية.

وهذا المقام يأخذنا إلى الحديث عن نوعين من الأفعال، أولهما، الأفعال اللازمة التي تلزم صاحبها. وثانيهما، الأفعال المتعدية، وتلك التي تندرج تحت طائفة الأفعال الأخلاقية والأكثر أخلاقية واللاأخلاقية والأكثر لا أخلاقية؛ لأن آثارها تمتد إلى الآخرين.

أيضًا من الموضوعات التي تعالجها فلسفة الأخلاق أو علم الأخلاق، مشكلة القيم الخلقية هل هي نسبية تختلف من شخص إلى آخر، أو من مكان إلى آخر؟! أم هي مطلقة ثابتة لا تتغير، وتلك معضلة طالما كثر الجدال والنقاش حولها بين مؤيدي كل فريق وسيظل النقاش مستمرًا حول هذا المشكل؛ مما يكسب الفكر الأخلاقي حيوية واستمرارية.

كذلك من المشكلات الأخلاقية التي تعالجها فلسفة الأخلاق، مفهوم الوسط الأخلاقي، وأن الفضيلة تقع في منزلة وسطى بين طرفين كلاهما رذيل، كالشجاعة مثلا تقع بين طرفين كلاهما رذيل، الجبن والتهور، لكن هناك فضائل لا يمكن أن تتوسط بين طرفين كالعدالة، ومن هنا وجهت سهام النقد لأرسطو، ومن قبله كونفوشيوس حكيم الصين، ومن شايعهما من فلاسفة الإسلام في حديثهم عن هذا الوسط، الذي وصفوه بأنه وسط اعتباري.

أيضًا من القضايا التي ناقشتها فلسفة الأخلاق، أخلاق المنفعة سواء المنفعة الفردية أو المنفعة العامة، وهل الإنسان أناني بطبعه يؤثر مصلحته على مصالح الآخرين أم يؤثر الآخرين عليه.

ثم قضية السلام، وهل هناك قوانين أخلاقية يلتزم بها المجتمع المدني يضمن من خلالها المواطن أن يعيش في سلام دائم وحرية واستقرار أم هي شعارات نتشدق بها (فض مجالس)، أو بروباجندا، شو إعلامي للشهرة، وما خفي كان أعظم.

إن موضوعات الفكر الأخلاقي كثيرة ومستمرة، لماذا ؟!، لأن الأخلاق مقوم رئيس لحياتنا، ومن ثم سيظل الباب مفتوحًا على مصراعيه وفقا لفقه الضرورة وفقه الواقع، فواقعنا المعاصر يعج بالمتناقضات، ويعج بالمتغيرات، ومن ثم وجب على أرباب الفكر الأخلاقي اليقظة ثم اليقظة لكل ما يمت للإنسان من الناحية الأخلاقية بصلة.

أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: