مشكلة القيم دومًا ما تؤرق مضاجع الباحثين في الفكر الفلسفي على وجه الخصوص، والفكر الإنساني بما يتضمنه من جل العلوم الإنسانية، لماذا؟ لارتباط جدلية القيم بالإنسان الذي هو بمثابة حجر الزاوية في المعادلة الكونية، فإذا ما اعتدل مزاجه قيميًا سيعتدل ميزان الكون، وسينعم هذا الكون بالهدوء والاستقرار المنشود.
وحتى يتحقق هذا الاستقرار فضرورة ملحة إلى محاولة إيجاد رابطة وثيقة بين القيم الثلاثة: قيمة الحق، قيمة الجمال، قيمة الخير. فهذا الثالوث هو الضامن لاستقامة حياة الإنسان، شريطة أن نحقق الاعتدالية لا التنافر بين هذه القيم، فهل الحق طريق نسلكه للوصول إلى الخيرية في المجتمع، وهل الخيرية مسلكنا لتحقيق التناغم والهارمونية والجمالية في كل مظاهر الوجود الإنساني، وما يكونه من انطباعات عما يشاهده أو يقرأه فيثير وجدانه وعاطفته.
أولًا: قيمة الحق: المعني ببحث هذه القيمة ودراستها دراسة تفصيلية هو علم المنطق، فهل لنا أن نقدم تعريفات للمنطق، سواء من حيث الاشتقاق اللغوي، أو من حيث التعريف الاصطلاحي، وإذا كان ذلك كذلك، فما هي قوانين الفكر التي تضبط حياتنا وتمنعنا وتعصمنا من الوقوع في الزلل؟ الاشتقاق اللغوي لكلمة المنطق، المنطق يعني النطق أو الكلام، وقد عرفت كلمة logos اليونانية عند المناطقة العرب فراقت لهم الكلام أو النطق.
أما التعريف الاصطلاحي، فثمة تعريفات أهمها:
هو آلة للتفكير تعصم الإنسان من الوقوع في الزلل، فيستطيع من خلال التفكير المنطقي أن يميز بين الحق والباطل، الصواب والخطأ، الخير والشر، القبح والحسن.
كذلك هو علم أو دراسة تقييم الحجج والأدلة المنطقية عند دراستنا لقضية فكرية معينة.
أيضًا ثم تعريف آخر هو علم دراسة قوانين التفكير الصحيح.
أما بالنسبة لوظيفة علم المنطق فتتلخص في وظيفتين رئيسيتين هما:
ضبط الإنتاج العقلي الفكري للفرد وحفظه من الزلل.
مساعدة الإنسان على بيان الصحيح من السقيم من الأفكار الموجودة مسبقًا. لماذا؟ لضبط أدائنا في واقعنا المعاصر.
إلا أنه ثمة قوانين ثلاثة للفكر، أو قوانين المنطق الثلاثة:
أولها: قانون الهوية أو الذاتية، الشيء هو هو أو الشيء هو ذاته، بمعنى أ هي أ.
ثانيها: قانون عدم التناقض، بمعنى لا يمكن أن يكون الشيء ونقيضه في آن واحد، يعني لا يمكن أن يكون أ ولا أ في وقت واحد.
ثالثها: قانون الوسط الثالث المرفوع، هو مؤلف من جانبين لا ثالث لهما، جانب الحق وجانب الباطل، جانب الخير وجانب الشر، جانب القبح وجانب الحسن، ثنائية لا ثالث لها. فالشيء هو هو ذاته ولا يكون شيئًا آخر غير ذاته.
أما قيمة الجمال: فيمكننا أن نقدم تعريفات لعلم الجمال أهمها:
هو علم تجارب الشعور أو علم تجارب الإحساس.
هو علم تقدير الجمال وهو أكثر المصالحة كمالًا بين الأجزاء الحسية والعقلانية من طبيعة الإنسان.
هو العلم الذي يتسم بالتناغم والهارمونية والسيميترية في الحكم على الأشياء.
أشكال الجمال: الجمال الجسماني، الجمال الأخلاقي، الجمال العقلي، الجمال المطلق. مناهج الجمال: المنهج الوصفي، المنهج التجريبي، المنهج المقارن، المنهج النقدي، المنهج التأملي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الدافع إلى البحث في الجمال، أو البحث في جماليات الأشياء؟
حاجة المجتمع إلى البحث عن الجمال المتمثل في الفن الراقي الذي ينهض قيميًا بالمجتمع بدلًا من الابتذال والإسفاف.
المعنى الدفين في الفن الذي يرتقي بالإنسان فيجعله يحلق في فضاء رحب فيسمو به روحيًا، بما يضمن معه تناسقه مع بني جلدته.. وللحديث بقية،،،
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان