يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي قررا أن يتمسكا بالفرصة الأخيرة، واختارا التفاوض قبل أن يتحرك "قطار الحرب" من المحطة، واختلف الأمريكان والإيرانيون كالعادة هل هي "مفاوضات مباشرة" أم "مفاوضات غير مباشرة". والثابت أنها مفاوضات في سلطنة عمان، الجهة التي تمكنت من المساهمة بنجاح في إنجاز الاتفاق الأول بين واشنطن وطهران في عهد باراك أوباما، والذي انسحب منه ترامب عندما جاء للسلطة أول مرة، وهو الآن يتفاوض على اتفاق جديد برعاية سلطنة عمان.
وبالرغم من أن التطور مهم، وجاء ليمنح المنطقة "مساحة لالتقاط الأنفاس"، إلا أن الأسئلة تتردد بعنف، من عينة مفاوضات مباشرة أم غير مباشرة، وهل هناك ضمانات لنجاحها، وما الذي يمكن أن تسفر عنه المفاوضات؟ وترى ماذا لو فشلت المفاوضات، هل سنذهب للحرب؟ وما هو موقف إسرائيل ودول الإقليم، والدول الكبرى؟
وأغلب الظن أن نتنياهو غير سعيد بالمرة من هذا التطور، وبقية دول المنطقة والدول الكبرى تشعر بارتياح، وعلى الأرجح أن إدارة ترامب، ومؤسسات لها ثقل ترغب في تجنب الحرب، واستمالة طهران بعيدًا عن الصين، أو على الأقل إبقاء إيران محايدة بعيدًا عن المواجهة مع الصين.
وفي هذه اللحظة تبدو الأمور مفتوحة، ولكن المخاوف من تفجر الحرب، والمصالح في تجنبها هي التي تغلبت على معسكر الحرب. وقد ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض كانت مخيبة للآمال؛ حيث أعلن ترامب عن محادثات مباشرة مع إيران، ومن جانبها أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض لم تحقق أي تقدم في المفاوضات.
وذكرت تقارير صحفية عبرية وغربية أن ترامب استدعى نتنياهو لإحباطه، وأكد الرئيس الأمريكي لنتنياهو أن الحرب مع إيران سيئة، وأن بلاده سوف تبدأ من يوم السبت المقبل عملية تفاوض مباشر مع إيران. وقالت المصادر الدبلوماسية المطلعة أن ترامب «فاجأ» نتنياهو، وقال له نحن نفاوض إيران، ونريد اتفاقًا.
ويؤكد ترامب، الذي عزز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة منذ توليه منصبه في يناير الماضي، أنه يفضل التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي على المواجهة العسكرية. ولا يستبعد الرئيس الأمريكي اللجوء إلى الخيار العسكري، وقال أمس الإثنين إن "إيران لا يمكن أن تملك سلاحًا نوويًا. وإذا لم تنجح المحادثات، أعتقد أنه سيكون يومًا سيئا للغاية لإيران".
وقد ربطت المصادر الدبلوماسية المتابعة لزيارة رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو إلى واشنطن بين ملفين بارزين على جدول أعمال الزيارة، التي وصفتها بأنها الأقرب إلى الاستدعاء الأمريكي لنتنياهو. وقالت المصادر إن الملفين هما: أولاً مستقبل قضية الأسرى، وارتباطها بإنهاء الحرب على غزة، وقبول حل مخالف للسقف الذي رسمه نتنياهو، وثانيًا ملف الحرب على إيران، واحتمال تكليف نتنياهو بتحمل مسئولية شن الحرب، منعًا لتداعيات محتملة، وأخرى لا يمكن التنبؤ بها إذا شنت أميركا الحرب معها. ووسط الحديث عما إذا كانت مفاوضات مباشرة أم غير مباشرة ذكرت تقارير أمريكية أن ترامب يدرس قبول طلب إيران إجراء محادثات نووية غير مباشرة، رغم إصراره في السابق على إجراء مفاوضات مباشرة، ويعتقد البعض في واشنطن أن إيران استخدمت المفاوضات غير المباشرة خلال إدارة بايدن لكسب الوقت وتعزيز برنامجها النووي، دون السعي الجاد إلى حل دبلوماسي.
وبحسب تقرير صحيفة “خليج فارس” الحكومية نقلا عن موقع “Jewish Insider” الإخباري الأمريكي، تشير التقارير إلى أن البيت الأبيض يفكر أيضًا في التخلي عن جهوده للتفاوض بشكل كامل، وهدد ترامب مجددًا، مساء الأربعاء، بأن إيران “ستُقصف” إذا لم توافق على الاتفاق النووي وتوقف برنامجها.
وكان ترامب قد حذر في وقت سابق في مقابلة مع شبكة “إن بي سي نيوز” الأمريكية، من أن إيران ستكون هدفًا للقصف “إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي، وإذا لم نحصل على ضمانات بأن إيران لن تصنع أسلحة نووية، سيتم قصف هذا البلد بطريقة غير مسبوقة”، وأمر بنشر مزيد من القوات في الشرق الأوسط.
في المقابل، قال المرشد الإيراني علي خامنئي إن تهديدات واشنطن "لن توصلها إلى أي مبتغى"، في حين حذر علي لاريجاني مستشار المرشد من أن طهران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، لكن "لن يكون أمامها خيار سوى القيام بذلك" إن تعرضت لهجوم.
وفي الوقت نفسه أكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ونظيره الإيراني الدبلوماسي الإيراني مجيد تخت روانجي خلال محادثات في موسكو، التزام الجانبين بالمسار الثابت لإيجاد حلول تفاوضية مستدامة تهدف إلى إزالة الأحكام المسبقة والمفاهيم الخاطئة الغربية حول أهداف البرنامج النووي الإيراني.
وفي وقت سابق نقلت وكالة تسنيم عن وكالة “سبوتنيك” الروسية، تصريحات ريابكوف، خلال مقابلة مع مجلة “الشئون الدولية”، والتي أكد فيها إن موسكو مستعدة لمساعدة الولايات المتحدة وإيران في إقامة حوار بناء بشأن البرنامج النووي الإيراني”. وأضاف ريابكوف “إن عواقب أي هجوم أمريكي على البنية التحتية النووية الإيرانية قد تكون كارثية على المنطقة بأكملها، في حين لا يزال هناك وقت ولم يتحرك القطار بعد، يتعين علينا بذل الجهود للتوصل إلى اتفاق على أساس عقلاني”.
وهنا تكمن المعضلة، فترى ما هو "الاتفاق على أساس عقلاني". فقد تغيرت المنطقة وتغيرت إيران منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق، كما أن الفترة الأخيرة شهدت تقلص قوة حلفاء طهران في المنطقة، مما يفرض معادلات ومساومات جديدة.
فعقب انسحاب ترامب من الاتفاق، عادت إيران إلى تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى من المسموح به في الاتفاق. وقال مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري -في تصريحات سابقة- إن نسبة تخصيب اليورانيوم في إيران لم تتجاوز 20% قبيل التوصل إلى الاتفاق السابق، وتقلصت بموجبه إلى 3.67%، ومن ثم فإنه من غير المنطقي أن تقبل طهران في المرحلة الراهنة -حيث تخصب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%- بالتراجع إلى مستويات متدنية على غرار 2015.
وأكد زواري أن طهران ستنظر إلى المقترحات التي ستعرض عليها في المفاوضات الجديدة من زاوية "الربح والفائدة"، موضحًا أنها دفعت ثمنًا باهظًا جدًا من الاتفاق السابق، لكنها تعاني اليوم من عجز في الطاقة ونفاد بعض الأدوية من الصيدليات جراء العقوبات الغربية، بينما كانت تعول على الاتفاق لتحسين المعيشة في البلاد.
ومن جانبه، قال الباحث الأول في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية عباس أصلاني إن إيران تريد مفاوضات ندية ومتوازنة على أساس الاحترام المتبادل، لكي تحصل على امتيازات تتناسب والقيود التي ستقبل بها على برنامجها النووي، مشددًا على أن مدى قبولها بقيود مرتبط بالامتيازات التي ستقبل واشنطن بتقديمها لها وضمان تنفيذها "حتى لا تُلدغ طهران من جحر الاتفاق النووي مرتين". وفي المقابل، ستركز مطالب الولايات المتحدة في المفاوضات المرتقبة على الحد من نفوذ طهران وتقييد برامجها العسكرية والنووية، وإخضاعها لتفتيش دولي دوري مكثف، مقابل أن تحصل إيران على تخفيف للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها في قطاعات مثل النفط والبنوك والتجارة، مما يتيح لها الحصول على مداخيل إضافية لتلبية الاحتياجات الأساسية للبلاد.
ويبقى أن قطار المفاوضات هو الذي يتحرك الآن، وثمة أمل في صفقة تبعد شبح الحرب. ولكن التفاؤل ينبغي أن يكون بحذر بالغ، فالقوى التي تتربص بالسلام كثيرة ونافذة، وتريد الحرب لا السلام.