"تحية نابضة بالصداقة"... بهذه الكلمات وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة شكر إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي والشعب المصري، مكتوبة باللغة العربية على منصة إكس وعلى أنغام أغنية "حلوة يا بلدي" وبصوت داليدا الجميل. فلقد تجلى بوضوح وأمام عدسات الكاميرات عمق التناغم والخصوصية الشديدة لهذه "الصداقة التاريخية الفرنسية المصرية"، كما وصف الرئيس ماكرون نفسه في تصريح آخر للعلاقات بين البلدين والتي ترجع جذورها إلى أكثر من قرنين من الزمان، تجسدت في سلسلة من الجولات واللقاءات المتنوعة، كل منها يحمل دلالات راسخة خلال زيارة الرئيس الفرنسي التي امتدت لثلاثة أيام في مصر.
في قلب القاهرة التاريخية، اصطحب الرئيس السيسي الرئيس الفرنسي عقب زيارة خاصة في المتحف المصري الكبير في جولة في أروقة منطقة خان الخليلي ومنطقة الحسين، وسط ترحيب حار من حشود المصريين الذين بعثوا بتحية سلام للعالم أجمع.
وبعد لقاء مثمر في قصر الاتحادية، توافقت الرؤى وتحدث الزعيمان بصوت واحد لمواجهة التحديات المشتركة وحيث تم توقيع إعلان مشترك لترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية، أعقبه انعقاد منتدى رجال الأعمال المصري-الفرنسي الذي شهد توقيع عشرات الاتفاقيات المهمة، ولم تتوقف اللقاءات المهمة عند هذا الحد، بل امتدت بجولتين رمزيتين إلى مترو الأنفاق، شاهدًا على شراكة عريقة، وإلى رحاب جامعة القاهرة، لتوقيع اتفاقيات تعليمية متعددة.
دعم الخطة العربية المصرية لإعمار غزة، وإعادة فتح المعابر لإدخال المساعدات إلى القطاع، تصدرت أجندة الزيارة الرابعة للرئيس ماكرون إلى مصر. وقد كانت هذه القضية في قلب المباحثات خلال القمة الثلاثية التي عقدت مع عاهل الأردن على هامش الزيارة، والتي خصص يومها الثالث بالكامل لجولة في مدينة العريش، وقد تزينت المدينة بلافتات ترحب بالرئيس الفرنسي، إلى جانب عبارات تؤكد الموقف المصري.
تأتي الزيارة في توقيت بالغ الأهمية، حيث تأتي بعد استئناف إسرائيل لعملياتها العسكرية على غزة وتوسيع الضربات لتشمل سوريا ولبنان، فضلًا عن الاضطرابات في منطقة البحر الأحمر، مما كان له تداعيات خطيرة ليس فقط على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط فحسب، بل امتد ليشمل القارة الأوروبية.
الرئيس السيسي ونظيره الفرنسي
وفي خضم هذه التحديات تلاقت رؤى مصر وفرنسا وتكاملت جهودهما، فبينما تبذل القاهرة مساعيها لحشد التأييد الدولي لجهود إعادة الإعمار، تستعد باريس لاستضافة مؤتمر دولي مهم في يونيو المقبل يهدف إلى إحياء مسار حل الدولتين العادل والشامل.
وقد أكد الرئيس الفرنسي بكلمات واضحة: "إن ما يجمعنا مع الرئيس السيسي إن كان في غزة أو أوكرانيا هو صوت واحد وهو صوت السلام، وما يجمع فرنسا ومصر أيضًا هو أنه ليس هناك ازدواجية في المعايير، والموقف المصري حول أوكرانيا قوي جدًا وكذلك الموقف الفرنسي في الدفاع عن غزة، فعندما ندافع عن السلام ندافع عنه في كل الأنحاء والمناطق، وهذه هي المواقف التي تجمع مصر وفرنسا".
من جهة أخرى عكس الحجم الكبير للوفد المرافق للرئيس الفرنسي - الذي ضم سبعة وزراء والعديد من رجال الأعمال - حجم الثقة الراسخة بين البلدين. فالزيارة تأتي في سياق تحولات عديدة في توازنات القوى والعلاقات الدولية، فرضتها تداعيات وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وما تلاه من فرض رسوم جمركية إضافية على العديد من الشركاء التجاريين الرئيسيين... وقد تفتح هذه التحولات آفاقًا واعدة لمزيد من الفرص الاستثمارية لمصر مع فرنسا، التي تعد المستثمر الأوروبي الأول في البلاد؛ إذ بلغت الاستثمارات الفرنسية في مصر 7.7 مليار دولار من خلال 180 شركة فرنسية توفر نحو 50 ألف فرصة عمل.
كما حقق التبادل التجاري بين البلدين نموًا كبيرًا، حيث بلغ 2.8 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 14% عن العام السابق، مما يجعل فرنسا بوابة لتقوية الشراكات مع الاتحاد الأوروبي. وتعبيرًا عن هذه الثقة، أكد الرئيس السيسي خلال فعاليات منتدى رجال الأعمال المصري الفرنسي: "فرنسا شريك إستراتيجي موثوق لمصر في عدد كبير من المجالات"، وفي الوقت نفسه، جدد ماكرون تأكيده أن "فرنسا تقف دومًا إلى جانب مصر لدعم أجندتها للتنمية." مضيفًا: "جددنا التزامنا بمواصلة ومتابعة التعاون المالي الثري لتنفيذ المشاريع ذات الأولوية لمصر، والتي تساهم في استقرارها وتنميتها".
ومع مرور عام على ترقية العلاقات المصرية-الأوروبية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية في مارس 2024، يفتح الرئيسان آفاقًا جديدة لهذه الشراكة بتوقيع إعلان مشترك في قصر الاتحادية لترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية، وكما تجسدت الآفاق الواسعة للعلاقات المصرية-الفرنسية في تحليق الرافال الفرنسية في سماء القاهرة مرافقًا للرئيس ماكرون في سماء القاهرة، تجلت أيضًا في تلك الصورة الرمزية للرئيسين وهما يعبران بوابات مترو الأنفاق، الخط الثالث، معبرًا عن عمق هذه الشراكة الإستراتيجية الراسخة.