الخيانة والغدر.. وعَـلاقِـمَـةُ هذا الزمان !!

7-4-2025 | 16:57

منذ بدء الخليقة، والخيانة والغدر والخذلان من طبائع بعض البشر، وهذا شيءٌ موجعٌ يعصر القلب ويؤلمه ويصرعه ويفجعه، وإنه لمن المؤسف والمخزي أن تكثر هذه الصفات في كثير من الناس في هذا الزمان، فما أكثر ما نجد تلك الصفات الرديئة في خاصة الناس وعامتهم، وما أشد تلك الصفات ألمًا ومأساةً وجرحًا على النفوس أن يكون الغدر والخيانة والخذلان من أقرب الناس للإنسان! 

فطعنة هؤلاء نافذة مميتة قاتلة؛ لأنها تكون قريبةً من منافذ الإصابة، عميقة الأثر، شديدة الخطر. وقديمًا قال أحد من ابتلي بذلك: "... لم يؤلمني شدة السهم، وإنما آلمني حينما نظرت من أرسله فوجدته أقرب الناس إليّ". فقد حمل مع طعنته القاتلة سُم الرفيق، وخيانة الصديق، وغدر الحميم. والخيانة والخذلان من أخبث وأشنع وأفظع الصفات التي لا يجبل عليها المؤمن أبدًا. يقول صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا عهد له"، والخذلان والخيانة والطعن من الخلف صفة الخبثاء، وعملة رائجة عند أهل النفاق والكذب والرياء والضعفاء وقليلي الشرف، ولهذا قالوا: "حافظوا على الشرفاء، ولو كانوا خصومكم، ولا تفرحوا بالسفهاء ولو وقفوا معكم". فالشريف لن تجده في مواقف الكرامة إلا شهمًا يأبى أن يدنس مقامه بفعلٍ قبيحٍ أو قولٍ مشين، والخائن المخزي لا تفرح به ولا تركن إليه؛ لأنه اليوم معك وغداً عليك.

يقال بأن عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين سأل الحسن البصريّ: بمن أستعين على الحكم؟ فأجابه الحسن قائلًا: "أما أهل الدنيا فلا حاجة لك بهم، وأما أهل الدين فلا حاجة لهم بك". فتعجب عمر بن عبدالعزيز وقال له: فبمن أستعين إذن؟ فأجابه: "عليك بأهل الشرف، فإن شرفهم يمنعهم الخيانة".

إن الغدر صفة تدل على خسة الأصل، ودناءة الطبع، وحقارة النفس، بل الغدر من أخبث صفات النفاق الأربع التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا؛ ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"، والغدر والخيانة قد نُهينا أن نستعملهما حتى مع أعدائنا ونحن في ميدان المواجهة، كما يقول الله تعالى لنبيه الكريم: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ) (الأنفال: 55-56). وقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة في الوفاء بالعهد وعدم نقض الوعود والمواثيق، حتى وإن فُوتت عليهم بعضُ المصالح. وهكذا تعلموا أن عاقبة الغدر والخيانة وخيمةٌ فنبذوهما وراء ظهورهم وحذروا منهما، فما أحوجنا إلى اقتفاء آثارهم والتحلي بمثل أخلاقهم!
  
إننا نحذر أنفسنا ونذكر غيرنا بعاقبة الخيانة والغدر والخذلان في الدنيا والآخرة، ذلك أننا نرى أن هذه الآفات قد انتشرت بشكلٍ لافت، لا أقول على مستوى الأسرة والأصدقاء فحسب، ولكن وصل لمرحلة التآمر على الدول ببيع القضايا المصيرية والقومية لهم بأبخس الأثمان من أجل مصلحة شخصية هنا أو هناك.

وحقيقةً إن ما نشاهده الآن وما نراه بأعيننا من أحداثٍ خلال الفترة الماضية مما يُحاك ضد مصر وشعوب المنطقة من خيانةٍ ونكرانٍ للجميل وغدرٍ وجحودٍ، سواءً على المستوى الداخلي أو الخارجي من قبل البعض، يتطلب منا جميعًا الاصطفاف والالتحام على قلب رجلٍ واحدٍ تحت مظلة قيادتنا الرشيدة ووطننا الحبيب، ويتطلب أيضاً وعيًا شديدًا وحرصًا أكيدًا على مواجهة ما يُحاك لنا داخليًا وما يحدث خارجيًا فيما يجري من حولنا من اعتداءاتٍ وحشيةٍ ضد جيراننا وإخواننا في غزة. 

إننا نحذر من سوق الشائعات المغرضة ضد قيادتنا ومصرنا، حتى نتجنب حدوث المآسي التي يعيشها بعض شعوب المنطقة والتي تسبب فيها من غدروا وخانوا العهد وباعوا أوطانهم وقضاياهم بأبخس الأثمان، وهم علاقمة هذا الزمان حين فتحوا أبواب أوطانهم للغزاة، كما فعل (أبو طالب مؤيد الدين الأسدي البغدادي) الشهير بـ "ابن العلقمي" وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله، والذي اتفق مع هولاكو قائد التتار على قتل الخليفة المستعصم واحتلال بغداد، على أن يسلمه هولاكو إمارة بغداد، إلا أن قائد المغول هولاكو أهانه وقتله بعد تدمير بغداد وسقوط الخلافة العباسية، إنه مما لا شك فيه أن كل من تشبه بابن العلقمي سينال جزاء خيانته وغدره، وستظل غدرته لصيقةً به، وصمةً للعار إلى أن تقوم الساعة.
 
إن مصر ستظل محميةً بكلمة الله والثبات على الحق المبين واليقين والإيمان برب العالمين، وبما حباها الله من رجالٍ هم بحق قديمًا وحديثًا رمزٌ للفداء والبطولة، تهون أنفسهم وأولادهم وأهلوهم، لكن مصرهم أبدًا لن تهون، يضحون بأنفس ما عندهم حتى تعيش مصرهم عزيزةً كريمة، ويظلَ علمُها يرفرف في سمائها وأرضها عاليًا خفاقًا، وإنه لمن المفارقة الغريبة في الأمر أن صد كل غدر يكون على يد العزيزة مصر، فإن التتار القدامى الذين دمروا عاصمة الخلافة الإسلامية ببغداد وأبادوا أهلها حرقًا وتدميرًا وقتلًا وتجويعًا وحرقوا مكتبة بغداد العظيمة، سقطوا على أعتاب أم الدنيا مصر في معركة عين جالوت 25 رمضان 658 هـ، وكأن التاريخ يعيد نفسه، وستكون القاهرة بعون الله مقبرة تتار العصر الحديث والغزاة والمعتدين في هذا الزمان، إننا نقول ذلك لأن ما نخوضه الآن من متغيراتٍ يحثنا على أننا في معركةٍ تسمى معركة الوعي، نخوضها كأفرادٍ وشعبٍ أولاً، وهي تتطلب منا الحرص.

فلسنا كلنا نحمل قلب (يوسف الصديق) الكريم ابن الكريم حينما سامح إخوته قائلاً: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف: 92). إن الخيانة سهمٌ مسمومٌ يقتل الغادر أولًا قبل أن يقتل المغدور به. والغدر يهدم العلاقات وينسفها نسفًا، فكم قتل الغدر والخيانة كثيرين وهم على قيد الحياة، وأنهيا علاقاتٍ راسخةً ومتينةً وحولهما إلى علاقاتٍ هشةٍ ميتةٍ.

ورغم كل ذلك يجب أن نكون أقوى من ذي قبل؛ كما قال  أبوالقاسم الشابي: "سأكون رغم الداء والأعداء.. كالنسر فوق القمة الشماء". فنحن لسنا أفضل من النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما غدر به بعض قومه، كما قال تعالى له: (وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال: 62). وعلينا الاستمرار في العمل والنجاح وألا نتخلى أبدًا عن أحلامنا مهما خذلنا البعض، وأن نتصدى بكل شجاعةٍ لكل المؤامرات التي تُحاك ضدنا، وأن نتجاوز أوجاعنا وألا تهزمنا خيانة خائن وألا تنكس رؤوسنا غدرة غادر قريبًا أو بعيدًا صديقًا أو عدوًا، فلا ننكسر أو ننهزم بل نظل صامدين ثابتين راسخين أقوياء، فالعالم لا يحترم الضعفاء، وعلينا أولًا وأخيرًا أن نأخذ حذرنا، كما قال الله تعالى لنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا) (النساء: 71). 

وختامًا نقول فليعلم هؤلاء الخائنون الغادرون المتآمرون أن مصيرهم سيكون كما قال الشاعر أحمد مطر:  
(وإذا تركت أخاك تأكله الذئابُ فاعلم بأنك يا أخاه ستُستَطابُ ويأتي دورك بعده في لحظةٍ إن لم يجئْكَ الذئب تنهشكَ الكلابُ إن تأكلِ النيرانُ غرفة منزلٍ فالغرفة الأخرى سيدركها الخرابُ).

...حمانا الله وحماكم من ضعاف النفوس الذين يبكون مع (عَلِّيّ) في النهار ويأكلون على مائدة (مُعَاوِية) في المساء.
حفظ الله مصر وشعبها وقائدها وجيشها وشرطتها وأرضها وسماءها وبرها وبحرها من كل مكروه وسوء.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: