الغذاء المهندس وراثيًا؟!

7-4-2025 | 14:58

لا تزال الآمال معقودة على أن تؤدي تقنيات الهندسة الوراثية في المستقبل إلى كسر شوكة الأمراض الوراثية، وإحداث ثورة في علاج الأمراض المستعصية مثل ألزهايمر والشلل الرعاش ووأد السرطان في مهده، رغم التخوفات من "انحرافات" بعض أدمغة العلماء وتسخيرها لتعزيز "عنصرية الغرب البغيض" نحو أجناس معينة من بني البشر.. لكنها لم تفلح حتى اليوم في إقناع الناس بأنها "آمنة صحيا" في مجال الغذاء، فضلا عن أنه لم تحقق الآمال التي روج لها مناصروها بأنه ستسد فجوة الغذاء في العالم، وأن الجوع سيصبح معها أثرا بعد عين!! 

هذه المخاوف لم تتوقف عند مواطني الدول المتقدمة، الذين أرغموا الشركات المنتجة لمثل هذه الأغذية على منح المواطن حق الاختيار بين الأغذية "المهندسة وراثيا" وتلك التقليدية، بل امتدت حتى مواطني العالم الثالث، فالمواطن العادي صار يدرك ببساطة، بل ويحذر من تناول بعض أنواع الفاكهة لمجرد انها "تضخمت" ولم تعد كسابق عهدها "حجما وطعما" بدعوى أنها "متهرمنة"!! يقصد بالغذاء المهندس وراثيا تلك المنتجات التي تم تعديل جيناتها لتحسين صفاتها، كزيادة الإنتاجية، مقاومة الآفات، أو تحمل الظروف المناخية القاسية. 

ورغم ما تحققه هذه التكنولوجيا من فوائد اقتصادية وزراعية، إلا أنها لا تزال تثير جدلا واسعًا بين مؤيدين ومعارضين.

أحد أبرز المخاوف المتعلقة بالغذاء المعدل وراثيا هو تأثيره المحتمل على صحة الإنسان، فبعض الدراسات تشير إلى احتمال تسببه في حساسية أو أمراض غير معروفة على المدى البعيد، رغم عدم وجود أدلة قاطعة حتى الآن. 

كما يعبر البعض عن قلقهم من انتقال جينات مقاومة للمضادات الحيوية إلى جسم الإنسان، مما قد يضعف فاعلية بعض الأدوية. 

أما من الناحية البيئية، فهناك مخاوف من أن تؤثر هذه الكائنات المعدلة على التنوع البيولوجي، أو تؤدي إلى انتشار "أعشاب خارقة" تقاوم المبيدات. 

وقد يؤثر الاستخدام المفرط لهذه الكائنات في التوازن البيئي ويحدث تغييرات يصعب التنبؤ بها. 

ورغم ذلك، يرى عدد من العلماء أن الهندسة الوراثية قد تكون مفتاحا لمواجهة تحديات الأمن الغذائي العالمي، خاصة مع تزايد عدد السكان وتغير المناخ؛ إذ يمكن من خلال التعديل الوراثي إنتاج محاصيل تتحمل الجفاف أو تحتوي على قيمة غذائية أعلى، كما حدث مع "الأرز الذهبي" المدعم بفيتامين أ. ومن المحتمل أن تزداد تقبلية الأغذية المهندسة وراثيا في المستقبل، ولكن ذلك يعتمد على عدة عوامل رئيسية، منها إذا أثبتت الدراسات العلمية المستقلة على مدى السنوات القادمة أن الأغذية المعدلة وراثيا آمنة للصحة على المدى الطويل، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل المخاوف وزيادة القبول المجتمعي. وكلما زادت الشفافية حول كيفية تعديل هذه الأغذية وفوائدها ومخاطرها المحتملة، وازدادت حملات التوعية التي تشرح فوائدها، زاد احتمال تقبل المستهلكين لها. 

وإذا تمكنت الهندسة الوراثية من تقديم منتجات ذات فوائد ملموسة للمستهلكين، مثل أطعمة ذات قيمة غذائية أعلى أو محاصيل أكثر مقاومة للجفاف وتغير المناخ، فقد يزيد ذلك من قبولها. 

والأهم من ذلك كله، إذا وضعت الحكومات معايير صارمة للرقابة والجودة، وأثبتت فعاليتها في حماية صحة المستهلكين والبيئة، فقد يخفف ذلك من المخاوف العامة. 

بشكل عام، قد لا يصبح القبول عاما وسريعا، لكنه قد يتحسن تدريجيًا مع مرور الوقت إذا أثبتت الهندسة الوراثية فوائدها وأمانها بشكل قاطع.

في النهاية، يبقى الغذاء المهندس وراثيا سلاحًا ذا حدين: يمكن أن يكون أداة لحل مشكلات الغذاء في العالم، أو سببًا لمخاطر صحية وبيئية إن أسيء استخدامه.. 

المفتاح هو التوازن والرقابة المعنية بصحة البشر لا مصالح الحكومات التي تسعى لمجرد جني المليارات!!

كلمات البحث
الأكثر قراءة