التشكيل المتوقع لبيراميدز أمام أورلاندو فى بطولة إفريقيا | «مصر ستبقى رافعة الرأس».. نص كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي بمناسبة الذكرى الـ43 لتحرير سيناء| فيديو | إجراء قرعتين لتسكين المواطنين الذين تم توفيق أوضاعهم بالرابية بالشروق في هذا الموعد | الأهلي في مواجهة نارية مع صن داونز في إياب نصف نهائي بطولة إفريقيا | الرئيس السيسي: «مصر ستبقى بوحدة شعبها وبسالة جيشها ورعاية ربها رافعة الرأس عزيزة النفس ترعى الحق وترفض الظلم» | الرئيس السيسي: «السعي الحثيث لتحقيق التنمية في مصر واجبٌ مقدسٌ» | الرئيس السيسي: «مصر تقفُ كما عهدها التاريخُ سدًا منيعًا أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية» | الرئيس السيسي لـ المصريين: «أثبتم برؤيتكم الواعية وإدراككم العميق لتحديات مصر أنكم جبهة داخلية متماسكة» | الرئيس السيسي: «الدفاع عن سيناء وحماية كل شبر من أرض الوطن عهدٌ لا رجعة فيه ومبدأ ثابت في عقيدة المصريين» | الرئيس السيسي: «سيناء ظلت عنوانا على مر التاريخ للصمود والفداء» |

الشيخ همام حمودي.. صوت الحكمة في عراق المتغيرات

7-4-2025 | 14:54

في عالم يمتلئ بضجيج سياسي وتقلبات عاصفة، ثمة لقاءات تترك أثرًا يتجاوز لحظتها، حوارات تظل متقدةً في الذاكرة، لا لأنها محض تبادل للكلمات، بل لأنها أشبه ببوح الكون لروحٍ تُصغي، ولحكمة نافذة إلى القلب والعقل. من هذه الحالة المفعمة بالصفاء ومن هذا الطراز النادر، كان لقائي بالشيخ همام باقر، حيث الشعور بالزمن يفسح لك متّسعًا لتمعن في رجل حمل على كاهله ثقل وطن، ولم ينحنِ إلا لصوت ضميره. بهيبته الهادئة، وبعمق نظرته التي تسبر أغوار المستقبل قبل أن يتشكل، وبكلماته التي تحمل بين حروفها مزيجًا مدهشًا من العلم والفكر والفقه والحكمة والسياسة، وجدتني أمام شخصية تشبه تلك الكتب التي تقرؤها مرة، فتعاود قراءتها ألف مرة، لأنك تدرك أن بين السطور سرًا لم تبلغه بعد، فتتشوق لبلوغه، فلم يكن مجرد حوار عابر، بل كان درسًا في الإصرار، وفي كيف يكون الفكر سلاحًا، والمبدأ حصنًا، وكيف يصنع الإنسان من معاركه جسرًا للعبور إلى ضفة أكثر موضوعية ونقاء. خرجت من ذلك اللقاء مثقلًا بأسئلة جديدة، كأنما أضاف الرجل إلى رحلتي الفكرية بعدًا لم أدركه من قبل. 

فهناك شخصيات تعبر حياتنا مرورًا خفيفًا، وهناك شخصيات تترك في أرواحنا بصمة لا تزول، والشيخ همام حمودي كان من أولئك الذين يجعلونك تعيد ترتيب يقينك، أولئك الذين يمنحونك الإيمان بأن الكلمة قد تكون وطنًا، وأن الإخلاص لفكرة هو أول الطريق إلى خلودها. 

حين يتحدث الشيخ همام حمودي، لا تشعر أنك أمام مجرد سياسي يجيد لعبة التوازنات، بل أمام رجل قرأ التاريخ بعين الفقيه، واستوعب الحاضر بعقل إستراتيجي ووعي منفتح، فصار صوته صدىً للواقع، وحديثه خارطة لفهمه. وجميعُها هالات نور ممتد دلت عليه تلك المسيرة المضيئة، التي أضاءت دروبًا ووديانًا وربوعًا ووطنًا سامقًا بتاريخه، فقد وُلد الشيخ في بغداد عام ألفٍ وتِسعمائة واثنين وخمسين، وتدرج في تحصيل العلم، بدأ بعلم وحرص. حصل على البكالوريوس في  النفس عام ألفٍ وتسعمائة وخمسة وسبعين من جامعة بغداد كلية الآداب، والماجستير التخصص ذاته من كلية التربية، ليتوج هذا المسار الجامعي بالدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي. 

عاش همام حمودي في رحاب مدارس الفكر الإسلامي متنقلا بين دروب السياسة المعقدة، فكان واحدًا من الأسماء التي حفرت حضورها في مسيرة العراق الحديث، خصوصًا في محطات التحول الكبرى التي أعقبت سقوط النظام السابق عام ألفينِ وثلاثة. 

في لحظة فارقة من تاريخ العراق، كان للشيخ همام حمودي دور محوري في صياغة الدستور العراقي في العام ألفين وخمسة، ترأس لجنة كتابة الدستور، واضعًا بصمته في نصوصٍ ستحكم ملامح الدولة لعقود. 

كان يؤمن بأن الدستور ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو في الأساس عقد اجتماعي يحفظ التوازن بين مكونات العراق المتعددة. 

دافع عن مبادئ تضمن حقوق الجميع، مؤكدًا أن "العراق لا يمكن أن يُبنى إلا على التوافق والشراكة الحقيقية" . لم يكن همام باقر حمودي مجرد مشرّع، بل كان أيضًا رجل سياسة قادرًا على إدارة المشهد تحت قبة البرلمان. حين تولّى منصب النائب الأول لرئيس مجلس النواب عام ألفين وأربعة عشر، كان صوته حاضرًا في القضايا المصيرية. لم يكن يخشى الاصطدام حين يتعلق الأمر بمصالح العراق، فحين تصاعد الجدل حول الوجود الأجنبي في البلاد، كان من أوائل الأصوات التي طالبت بخروج القوات الأجنبية، معتبرًا أن "سيادة العراق خط أحمر، لا يُمكن المساومة عليه". في سنوات المواجهة الكبرى ضد الإرهاب، حين كان العراق يخوض حربًا شرسة ضد تنظيم داعش، كان الشيخ همام حمودي من أبرز المدافعين عن الحشد الشعبي. لم يكن موقفه عابرًا أو مجرد تأييد سياسي، بل كان إيمانًا بأن العراق يحتاج إلى قوة تحميه من خطر التفكك. 

في أكثر من مناسبة، أكد أن "الحشد الشعبي لم يكن خيارًا، بل كان ضرورة فرضتها معركة الوجود"، مشددًا على أن "من يريد حل الحشد، عليه أن يسأل العراقيين أولًا، فهم الذين قرروا وجوده". وحين تسلّم رئاسة المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عام ألفين وسبعة عشر، كان يدرك أن هذه المؤسسة العريقة تمر بمرحلة حساسة، بعد انشقاق عمار الحكيم عنها وتأسيسه تيار الحكمة. لكن الرجل، الذي تعوّد على خوض المعارك الفكرية والسياسية، لم يتردد في إعادة بناء المجلس على أسس جديدة، مستندًا إلى تاريخه الطويل، ومشاركته في صنع عراقٍ جديد.

وفي لحظةٍ اتّسعت فيها الكلمات لتصبح أكبر من السياسة، وأقرب إلى البوح، تكلّم الشيخ همام حمودي عن العلاقة بين العراق ومصر كما يتكلّم العاشق عن ميثاقٍ روحيّ لا يُنكَر. لم تكن كلماته مجرد ديبلوماسيةٍ عابرة، بل كانت رؤيا تُستشفّ من نبرةٍ تعرف معنى التاريخ المشترك، وتؤمن أن في وحدة الضفتين قُدرةً على تغيير مصير الشرق الأوسط بأسره. قالها بصوتٍ يحمل صدق القلوب التي تعبت من التشظي: "إن العلاقة بين مصر والعراق ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية، تصبّ في مصلحة البلدين، وتفيض خيرًا على المنطقة كلها".

وحين تحدّث عن العراق الجديد، رأيت في عينيه وهجَ مَن يُراهن على حلمٍ لا يموت. تحدّث عن عهد دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لا كمن يُمجّد، بل كمن يشهد فعلًا حقيقيًا، وقال: "العراق يعمل اليوم بدأبٍ غير مسبوق، برؤية منظمة، وبإرادة جادّة، من أجل مشاريع تنموية إستراتيجية، يليق بها أن تكون نُواة لوطنٍ طالما انتظر هذا النوع من الإخلاص". في حديثه ذاك، لم يكن الشيخ حمودي ينقل موقفًا سياسيًا، بل يرسم ملامح مستقبل مشتهى، كان يتحدث كما يكتب الشعراء، بلهجة الحالمين الذين يعرفون أن للواقع أنيابًا، ولكنهم رغم ذلك لا يكفّون عن زرع الورود في حقوله. 

في زمنٍ تكثر فيه الأصوات المتصارعة، يظل الشيخ همام حمودي من القلائل الذين يتحدثون بلغة الدولة، لا بلغة المصالح الضيقة. يرى أن العراق بحاجة إلى مشروع وطني شامل، يتجاوز الطائفية ويؤسس لنهضة حقيقية. في أحد تصريحاته الأخيرة، قال: "مشكلتنا ليست في اختلافنا، بل في عدم قدرتنا على إدارة هذا الاختلاف لصالح العراق"، في إشارة إلى أن الحل لا يكون بإقصاء الآخر، بل بالحوار والتفاهم. 

ما يميز الشيخ همام حمودي أنه ليس رجل شعارات، بل رجل مواقف، رجل يعرف أن السياسة لا تُختزل في المناورات، بل في القدرة على الحفاظ على المبادئ وسط العواصف. في زمن يبحث فيه العراق عن هوية متماسكة، يظل صوت هذا الرجل واحدًا من الأصوات التي لا تزال تحمل رؤية، وتحاول أن تصنع فارقًا في مستقبل هذا الوطن. في عراقٍ يستعيد عافيته من رماد الحروب والمؤامرات، يبقى الرهان الأكبر على الرجال الذين لم تهزّهم العواصف، ولم تُغرِهم المناصب، ولم يختصروا الوطن في مصالحهم الضيقة. 

الشيخ همام حمودي هو واحد من هؤلاء، من أولئك الذين آمنوا أن العراق ليس ساحةً لتصفية الحسابات، بل مشروعٌ لبناء دولة تستحق مكانتها بين الأمم، فتجده مهمومًا ببناء هذا الوطن بناء قويمًا مستفيدًا من جميع مفرداته ومعطياته وتاريخه ووموارده الطبيعية والبشرية، فيدعو للنهوض بمحافظته بابل وإعادة الاعتبار لمكانتها التاريخية والحضارية، ويدعو الجميع لدعمها، ويحشد الإمكانيات والطاقات الوطنية لإنجاح اليوم العالمي للحضارة البابلية وداعيا جميع محافظات العراق لتغيير واقعها تحت مظلة الاستقرار التي يمر بها العراق، ونجده داعمًا للمرأة العراقية مشجعًا لها للاعتزاز بهويتها وخصوصيتها، وتطوير قدراتها، وضرورة استثمار الكفاءات النسوية، وتنمية مواهب المبدعات، لتعزيز قوة المرأة وتمكينها، وكذلك رعاية الشباب كأولوية حكومية، والعمل الدائم على جعل العراق محور نور وسلام للمنطقة والعالم. اليوم، والعراق يخطو بثبات نحو التنمية، نرى مشاريع الإعمار تنهض، نرى الطرق تُشيد، والمدن تُضاء من جديد، والمصانع تعود للدوران، لكن الأهم من ذلك كله، أننا نرى إرادة شعب يرفض أن يكون رهينة للماضي.

في قلب هذه التحولات، يبقى صوت الوطنيين الحقيقيين هو الميزان، ذلك الصوت الذي يذكّرنا أن البناء لا يكون إلا بالتكاتف، وأن التقدم لا يتحقق إلا إذا وُجدت قيادة تضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار. حين كان البعض يراهن على ضعف العراق، كان هناك رجال يراهنون على صلابته. وحين سعى البعض لإغراقه في الفوضى، كان هناك من يعمل بصمت ليبني أسس الدولة. هؤلاء هم رجال العراق الذين لن يسجّلهم التاريخ لمجرد أنهم شغلوا المناصب، بل لأنهم كانوا جزءًا من معركة البقاء ومعركة النهوض. ليس غريبًا أن يظل الشيخ همام حمودي حاضرًا في هذا المشهد، فهو ليس مجرد سياسي عابر، بل رجلٌ ظل مؤمنًا بأن العراق لا يحتاج إلى من يتحدثون عنه، بل إلى من يعملون لأجله. 

وبينما يواصل الوطن مسيرته نحو الاستقرار، تبقى بصمات هؤلاء الوطنيين شاهدةً على أن العراق أقوى من كل المؤامرات، وأن من حملوا قضاياه بصدق، سيظلون خالدين في وجدان شعبه.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة