رسوم ترامب.. رصاصة في قلب أمريكا

6-4-2025 | 12:49

رغم عدم وجود تقديرات كاملة ومحددة بحجم الضرر الذي يتهدد الاقتصاد العالمي جراء حرب الرسوم الجمركية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثاني من أبريل الحالي، إلا أن كل المؤشرات وجميع التحليلات التي صدرت عن الخبراء والمؤسسات الدولية الكبرى أجمعت على أن العالم بات على أعتاب تداعيات اقتصادية كارثية وأضرار جسيمة غير مسبوقة ستترك آثارها ومخاطرها على كل دول العالم، وفي مقدمة تلك المخاطر دخول الاقتصاد العالمي إلى نفق الركود والتضخم وتراجع معدلات النمو، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان التداعيات الاقتصادية التي نتجت قبل سنوات عن إغلاق الاقتصاد بسبب جائحة كورونا، مع الفارق في الأسباب والنتائج.

وقد كتبت قبل أيام من قرارات ترامب مقالًا بعنوان "حرب ٢ أبريل"، وقلت إن تطبيق الرسوم الجمركية من طرف أمريكا سيكون بمثابة حرب اقتصادية ستكون لها نتائج وخيمة على العالم، ولن تنجو منها أمريكا التي أشعلتها. 

وبالفعل، لم تمر سوى ٤ أيام على إعلان هذه الرسوم حتى شهدت الأسواق المالية الأمريكية انهيارات تاريخية، وفقدت الأسهم الأمريكية وحدها نحو ٦ تريليونات دولار في يومين فقط، وسط توقعات بأن تشهد الأيام المقبلة انهيارات سعرية ربما تكون أسوأ من الأيام السابقة.

حالة الذعر والهلع التي ضربت أسواق العالم جراء هذه الحرب التجارية التي أشعلها ترامب وراهن على كسبها لصالح أمريكا عبر جلب ١٠ تريليونات دولار ستتدفق كاستثمارات إلى الولايات المتحدة، سوف تتصاعد خلال المرحلة المقبلة مع تزايد حدة توابع هذا الزلزال الذي يضرب الأسواق، إلا أن كل المؤشرات تشير إلى أن ترامب سيخسر الرهان، وقراره بفرض الرسوم لن يعدو كونه مغامرة غير محسوبة وقرارًا متهورًا من قراراته التي يحلو له أن يتخذها أمام عدسات الكاميرات دون أن يقدر نتائجها أو يدرس تداعياتها، وهو ما جسده الهجوم العارم الذي تعرض له هذا القرار من كبرى المؤسسات الاقتصادية الأمريكية ودوائر صناعة القرار وكبار المستثمرين الذين فقدوا المليارات من ثرواتهم بسبب هذه الرسوم.

ولعل ما اتخذته بعض الشركات والدول الكبرى مثل الصين بفرض رسوم جمركية على الشركات الأمريكية بنسبة 34%، وما يتوقع من إجراءات مماثلة من الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الآسيوية، وكذا إعلان شركات كبرى بالتوقف عن أعمالها في أمريكا، وكذا قرار فرنسا بسحب استثماراتها من الولايات المتحدة، يؤكد حجم التداعيات والمخاطر التي فرضتها رسوم ترامب، وأول من بدأ يكتوي بها هي أمريكا.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك تقارير المؤسسات الدولية التي ترصد حجم وخطر النتائج المترتبة على تطبيق رسوم ترامب، يتأكد أن العالم على أعتاب أزمة اقتصادية كارثية، إذ توقع بنك جي بي مورجان حدوث ركود اقتصادي بنسبة 60%، بينما توقع جولدمان ساكس حدوث ركود بنسبة 35%، فيما قالت مؤسسة مورجان ستانلي إن هناك حالة ركود، وإن كانت غير مقدرة بالكامل، كما جاءت تحذيرات صندوق النقد وكذا رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي من تداعيات سلبية متوقعة للرسوم الأمريكية لتؤكد حجم الخطر الذي يتهدد الاقتصاد العالمي.

تلك التوقعات والتحليلات تؤكد أن هناك تأثيرات لهذه الرسوم على التضخم والإنفاق الاستهلاكي والاستثمار سوف تلقي بظلال قاتمة على حركة الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، وما يترتب على ذلك من غلاء وبطالة وتراجع حركة الملاحة والنقل.

وفي المقابل، لا بد من خطوات وإجراءات يتوجب على الدول اتخاذها لمواجهة هذه التداعيات التي حتمًا ستعيد ترتيب خريطة التجارة الدولية، وفي مقدمة هذه الإجراءات هو البحث عن أسواق بديلة للسوق الأمريكية، والعمل على توطين الصناعات ورفع جودة المنتج، والعمل على الدخول في تحالفات تجارية والاستفادة من التسهيلات التي توفرها التكتلات الاقتصادية واتفاقيات منظمة التجارة العالمية في النفاذ للأسواق، ودعم القدرات التنافسية للمنتج المحلي. 

وأحسب أن مصر لديها فرصًا كبيرة للاستفادة من الأسواق البديلة؛ سواء في أوروبا أو إفريقيا أو في المنطقة العربية ودول آسيا، وهناك تجارب رائدة للمصدرين المصريين في النفاذ إلى مثل هذه الأسواق يمكن البناء عليها واستلهام الدروس منها.

هي حرب تجارية لا تقل في ضراوتها وخسائرها عن الحروب التقليدية، أرادها ترامب أن تكون الذراع الثانية بجانب الأسلحة الفتاكة التي يهدد بها في معركة الهيمنة التي يقودها ضد العالم وبسط نفوذ الإمبراطورية الأمريكية، لكن في تقديري أن رسوم ترامب ستأتي بنتائج عكسية، إذ أنها حرفيًا تعني انسحاب أمريكا من حركة التجارة العالمية وعزل نفسها كليًا عن الاقتصاد الدولي، وهو بالطبع سيفسح المجال لنقل القيادة إلى الصين التي يتوقع أن تستغل انحسار الدور الأمريكي تجاريًا لتقوم بتوسيع تجارتها مع دول العالم والدخول في تحالفات تجارية تسد بها الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة الأمريكية في التجارة العالمية، وهو ما سيؤدي إلى إعادة رسم الخريطة الاقتصادية العالمية وتشكيل نظام تجاري دولي جديد، ولكن بدون أمريكا، وتلك هي النتيجة المتوقعة لرصاصة الرسوم الجمركية التي أطلقها ترامب.. إلا إذا تراجع!

[email protected]

كلمات البحث