مصر وإيران تلتقيان

6-4-2025 | 12:36

شهدت الأيام القليلة الماضية مساعي جادة وجهودًا مخلصة لإعادة الروح إلى العلاقات الثنائية بين مصر وإيران، وهما الدولتان الكبيرتان حجمًا وتأثيرًا ومكانة، ليس على المستوى الإقليمي فحسب، بل على مستوى العالم الخارجي. 

وبعيدًا عن التوازنات والمحاور والسياسات، أو حتى قريبًا منها، فإن عوامل تلاقي هذين الكيانين، أمة ودولة، أكثر بكثير مما يردده البعض وقد يعوق تلاقيهما والتعاون والتنسيق بينهما. 

فقد حملت بداية عيد الفطر الأسبوع الماضي مناسبة للرئيس الإيراني لتهنئة الرئيس عبدالفتاح السيسي بالعيد، وتوجيه رسالة للأمة المصرية، بعد أول زيارة له لمصر في ديسمبر الماضي، حيث التقى الرئيسان على هامش حضور الرئيس الإيراني قمة مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، التي عقدت بالقاهرة. الرئيس الإيراني، خلال الاتصال، أعرب عن تمنياته لمصر بالاستقرار والتقدم، وشكر مصر على جهودها في التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وثمّن الرئيس المصري هذه المشاعر، متمنيًا أن تعود المناسبة بالخير على البلدين والأمة الإسلامية، وأكد حرص مصر على خفض التصعيد الإقليمي ومنع انتشار الصراع، لضمان الاستقرار والأمان لشعوب المنطقة. ولا شك أن الإقليم يشهد تحولات وتفاعلات نحو التعاون والتفاهم، وهو ما يشير إلى حدوث تطورات إيجابية في العلاقات الإيرانية الخليجية وخاصة السعودية، ولعل هذا التحسن يمهد الطريق بين مصر وإيران لتقوية علاقاتهما لصالح البلدين والمنطقة. 

في عام 2007، وخلال لقاء صحفي مع الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد خلال زيارته لأبوظبي، سألته عن إمكانية عودة العلاقات بين مصر وإيران، أجاب بلا تردد: "إنني على استعداد لعودة العلاقات فورًا وإعادة سفيرنا إلى القاهرة غدًا صباحًا، إذا وافقت مصر وأبدت استعدادها لذلك". 

وإذا كانت العلاقات بينهما تراوحت في الماضي بين مد وجزر، إلا أنها تشهد حاليًا تحولًا إيجابيًا على يد الرئيسين الحاليين، حيث دوائر الاهتمام المشترك لا حصر لها، فضلًا عن البعد الديني والإرث الحضاري وحتى الاجتماعي. فقد بدأت العلاقات بين القاهرة وطهران في التحسن منذ العام الماضي، بعدما أكدت وزارة الخارجية الإيرانية استعداد طهران لتعزيز وتقوية العلاقات الدبلوماسية مع مصر التي أبدت بدورها ترحيبها باستعادة العلاقات مع إيران، كما شهدت الأشهر الماضية لقاءات بين وزراء مصريين وإيرانيين في عدة مناسبات لبحث إمكانية تطوير العلاقات الثنائية. 

باللغة العربية، وجه وزير الخارجية الإيراني الأسبق عباس عراقجي رسالة إيجابية إلى الشعب المصري، بعد زيارته لعدد من المعالم الدينية والتاريخية في القاهرة، أكد في تغريدة عبر منصة "إكس"، أن "مصر وإيران حكومة وشعبًا تجمعهما هوية وثقافة مشتركة، تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، والتي ترسّخت بمجيء نبي الرحمة الهادي البشير، النبي محمد، وما فرّقته المسافات جمعه حب آل البيت، إذ وحّد البلدان وترسخ بداخلهما حب آل البيت وتبجيلهم وتكريمهم لهم". 

وأكد وزير الخارجية الإيراني الأسبق في تغريدته أن "الكلام مع الشعب المصري حفر ذكرى أعتز بها بصدق؛ كذلك لا عجب أن أديب نوبل، نجيب محفوظ، وجد ضالته في الصورة الذهنية للإيرانيين تجاه كافة المسلمين وأبناء الإنسانية في بيت حافظ الشيرازي: ای فروغِ ماهِ حُسن، از روی رخشان شما آبِروی خوبی از چاه زَنَخدان شما ضياء وجهك هو أصل نور الحسن وطابع حسنك هو أصل ماء الجمال"، وختم رسالته للمصريين بعبارة "أشوفكم على خير". في مايو 2023، بدأت خطوات دبلوماسية بناءة لتطوير العلاقات الرسمية مع مصر بما يؤدي إلى رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين الدولتين إلى درجة السفراء، وجاء هذا الترحيب من أعلى مستوى في طهران؛ حيث صرح المرشد الأعلى علي خامنئي بأن بلاده «ليس لديها أي مشكلة في عودة العلاقات بشكل كامل مع القاهرة في إطار التوسع في سياسات حُسن الجوار». 

وفي نفس العام سعت إيران إلى التهدئة الإقليمية، وما نتج عن ذلك من عودة العلاقات بينها وبين السعودية، وما يعنيه ذلك بالنسبة لمصر التي تعتبر "أمن الخليج العربي" خطًا أحمر، وتبدي مصر قدرًا من المرونة تجاه محاولات إيران المتعددة. 

والمعروف أن تاريخ العلاقات المصرية الإيرانية في العصر الحديث يعود إلى القرن التاسع عشر، وفي عام 1928 تم توقيع اتفاقيات صداقة بين البلدين. وكان تطورًا جديدًا في العلاقات زواج يقرب بين العائلتين الملكيتين في الدولتين، حيث تزوجت الأميرة فوزية - شقيقة الملك فاروق الأول - من ولي العهد الإيراني محمد رضا بهلوي. لم تتوقف الاتصالات الإيجابية بين الدولتين، وفي كل الأحوال فإن المزيد من التعاون والتنسيق بينهما سيجعل شكل الإقليم مختلفًا نحو الأفضل، لأن المستجدات الإقليمية لا حصر لها، وحان وقت التآزر والتلاقي، فعندما تلتقي الدولتان، فإن مصر وإيران لا تبغيان.. 

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: