في ظل هيمنة الهواتف الذكية على تفاصيل الحياة اليومية، ومع تزايد الشعور الجماعي بالإرهاق الرقمي، بات كثيرون يبحثون عن طرق فعالة للحد من استخدام الأجهزة المحمولة، فرغم أنها باتت ضرورية للتواصل والعمل والتنقل، فإنها أيضاً بوابة مفتوحة على التشتت المستمر، بفضل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات المتكررة التي لا تنتهي، وفي محاولة لتقديم حل بسيط وفعّال لهذا الإدمان المتفاقم، قدّمت وكالة تصميم بريطانية حلاً مبتكرًا ومختلفًا: مجرد تغطية الشاشة.
موضوعات مقترحة
"أبرتشر": حافظة هاتف تعيد تعريف علاقتك بالشاشة
بحسب موقع wired التقني فقد طرحت وكالة التصميم "Special Projects" التي تتخذ من لندن مقراً لها نموذجاً أوليًا لما وصفته بـ"أبرتشر" (Aperture)، وهي حافظة هاتف مصممة خصيصًا للحد من استخدام الشاشة عبر أسلوب مباشر: تغطية معظمها، تعتمد فكرة الحافظة على آلية فريدة، إذ يمكن قلبها لتغطي واجهة الهاتف، مع ترك فتحة صغيرة مخصصة لعرض المهام الأساسية فقط مثل الرسائل النصية والمكالمات وطلب الاتجاهات.
لكن الفكرة لا تتوقف عند الجانب الفيزيائي فقط، فالحافظة تتكامل مع تطبيق خاص يُثبَّت على الهاتف ويتولى عرض المعلومات عبر النافذة الصغيرة بطريقة بسيطة وخالية من أي عناصر مشتتة. كما أن الشاشة تصبح سوداء تلقائيًا عندما لا يكون المستخدم بحاجة إلى النظر إليها، وهو ما يعزز من قدرة المستخدم على التركيز في العالم الحقيقي بعيداً عن الانغماس المتواصل في الشاشة.
تحويل السلوك القهري إلى استخدام واعٍ للتقنية
يرى القائمون على المشروع، المصممان كلارا جاجيرو ويستاواي وأدريان ويستاواي، أن الفكرة تنبع من مبدأ بسيط لكنه فعّال: خلق قدر بسيط من "الاحتكاك" الجسدي الذي يحد من السلوك التلقائي. يقول أدريان: "نزع الحافظة عن الشاشة ليس أمراً صعباً بالمعنى الحرفي، لكنه كافٍ لردع المستخدم عن فتح الهاتف بلا تفكير". وتضيف كلارا: "نحن لا نمنع استخدام الهاتف، لكننا نحفّز المستخدم على الوعي بكيفية استخدامه. إنها محاولة لتحويل سلوك قهري إلى فعل مقصود".
مشروع بين الفن والتقنية ينتظر خطواته نحو التطبيق
رغم أن "أبرتشر" لا تزال في مرحلة النموذج الأولي ولم تُطرح في الأسواق بعد، إلا أن الوكالة بدأت بالتعاون مع شركات تصنيع حافظات الهواتف لإنتاج نسخ قابلة للتطبيق الفعلي. تواجه الفكرة عدة تحديات، منها اختلاف تصاميم الحافظات، ما قد يمنع بعض الطرز من الانقلاب بطريقة محكمة، أو قد يؤدي إلى الضغط على أزرار الهاتف الجانبية.
كما أن التطبيق المصاحب للحافظة يتطلب صلاحيات واسعة للوصول إلى بيانات المستخدم وعرضها في مساحة محدودة، وهو أمر لا يمكن تنفيذه بفعالية دون التنسيق مع أنظمة التشغيل مثل أندرويد وiOS. ولهذا، قد تحتاج الوكالة إلى شراكة مباشرة مع شركات كبرى مثل آبل وجوجل لضمان عمل التطبيق دون تعريض بيانات المستخدم للخطر.
الحجب الفيزيائي قد يكون أكثر فاعلية من أدوات البرامج
العديد من مستخدمي الهواتف حاولوا سابقًا الحد من استخدامهم عبر أدوات الرفاه الرقمي المتاحة في أنظمة التشغيل، مثل مؤقتات التطبيقات أو تحويل الشاشة إلى ألوان رمادية. لكن هذه الأدوات قابلة للتجاوز بسهولة، ويقوم المستخدمون غالبًا بتعطيلها عند أول رغبة لا تقاوم في تصفح "تيك توك" أو "إنستغرام". في المقابل، قد يكون الحجب المادي للشاشة وسيلة أكثر فاعلية على المدى الطويل.
وتشير دراسة حديثة إلى أن منع الوصول إلى الإنترنت على الهاتف أدى إلى تحسين التركيز والصحة النفسية وزيادة الشعور بالرضا الذاتي. ويرى فريق "Special Projects" أن حجب الشاشة قد يحقق نتائج مماثلة، خصوصاً وأنه يعيد رسم العلاقة بين المستخدم والجهاز من جديد.
من الحلول المؤقتة إلى رؤية بعيدة المدى
يعود اهتمام الفريق بالفكرة إلى مشاريع سابقة اعتمدت على حلول مؤقتة، مثل تغليف الهاتف بورق أو طباعة مهام اليوم من خلال تطبيق خاص لاستخدامها بدلاً من الهاتف. لكن الشرارة الحقيقية لفكرة "أبرتشر" انطلقت عندما لاحظ الفريق أن فتحة الكاميرا في الجهة الخلفية من بعض حافظات الآيفون تُشبه في حجمها شاشة ساعة آبل، والتي تنجح في عرض معلومات مهمة في مساحة محدودة للغاية. من هنا وُلدت الفكرة: ماذا لو استُخدمت هذه المساحة نفسها لتقديم تجربة جديدة لاستخدام الهاتف؟
إعادة تعريف علاقتنا بالتكنولوجيا
في نهاية المطاف، لا يسعى فريق العمل إلى محاربة التكنولوجيا أو الدعوة إلى التخلي عنها، بل إلى إعادة توظيفها بشكل يخدم الإنسان بدلاً من أن يتحكم به. تقول كلارا: "لا نعتقد أن الحل يكمن في التخلي عن التكنولوجيا كلياً، بل في تمكين الناس من استخدامها دون أن يكونوا أسرى لها".
"أبرتشر" ليست مجرد حافظة، بل هي رؤية جديدة لاستخدام الهاتف الذكي بشكل أكثر وعيًا. إنها دعوة للتأمل في علاقتنا اليومية مع التقنية، وتذكير بأن السيطرة ليست مستحيلة، حتى وإن كانت تبدأ بخطوة بسيطة: تغطية الشاشة.