في عالم الإنترنت الحديث، تُعد "المشاهدات" هي العملة الأكثر تداولًا، وهي المعيار الذي نقيس به النجاح والشهرة، من يوتيوب إلى تيك توك، مرورًا بإنستجرام وفيسبوك، وحتى منصة X (تويتر سابقًا)، وكلما زادت المشاهدات، زاد الانبهار والمصداقية، أو هكذا يُخيَّل إلينا.
موضوعات مقترحة
لكن الحقيقة الصادمة بحسب موقع theverge التقني المتخصص هي أن هذه المشاهدات لا تعني شيئًا. نعم، لا شيء. إنها مجرد وهم، أو كما وصفها أحد الكتّاب التقنيين: «المشاهدات كذبة».
تعريف المشاهدة يتغير حسب مزاج المنصة
السبب في ذلك بسيط وخطير في الوقت نفسه: لا يوجد تعريف عالمي موحد لماهية "المشاهدة". كل منصة تضع تعريفها الخاص، والذي غالبًا ما يكون مصممًا لتعظيم الأرقام وليس لقياس التفاعل الحقيقي.
فمثلًا، على تيك توك وإنستجرام ويوتيوب شورتس، تُحسب "المشاهدة" بمجرد أن يبدأ تشغيل الفيديو، حتى لو قمت بتخطيه بعد ثانية واحدة. أي أن التمرير السريع يُحتسب كمشاهدة، وكأنك شاهدت الفيلم بالكامل لمجرد مرورك بجواره!
أما فيسبوك، فيحتسب المشاهدة بمجرد عرض الفيديو أو حتى صورة أو نص على الشاشة، بفضل خاصية التشغيل التلقائي. لكن المنصة لا تكتفي بذلك، بل تقدم للمنشئين أرقامًا غير متاحة للعامة مثل "مشاهدات الثلاث ثواني" و"مشاهدات الدقيقة الواحدة"، وهي الأقرب لتمثيل التفاعل الحقيقي.
كل شيء أصبح يُحتسب كمشاهدة
الوضع لا يختلف كثيرًا على منصة X، حيث تُحسب كل منشورات الخط الزمني كمشاهدات تلقائيًا عند مرورها على الشاشة، سواء تفاعلت معها أم لا. وفي حالة الفيديوهات، يكفي أن يُعرض نصف الفيديو على الشاشة لمدة ثانيتين فقط ليُحتسب كمشاهدة!
هذا التعريف الفضفاض يمنح المنصات تحكمًا كاملًا في الأرقام، مما يعني أن المشاهدة لم تعد تتطلب تفاعلًا فعليًا من المستخدم، بل أصبحت مجرد ظهور عابر على الشاشة.
لماذا تروج الشركات لهذه الأرقام الوهمية؟
قد تتساءل: لماذا تفعل المنصات ذلك؟ الإجابة تكمن في المنافسة الشرسة على جذب المعلنين والمبدعين. إذا قدمت منصة تعريفًا صارمًا للمشاهدة، ستظهر أرقامها أقل مقارنة بالمنافسين، مما قد يدفع المستخدمين والمعلنين للانتقال إلى منصات أخرى تحقق لهم "نجاحًا أكبر" – حتى وإن كان وهميًا.
المنصات تعلم جيدًا أن هذه الأرقام ليست حقيقية، ولهذا تقدم للمعلنين بيانات تفصيلية لا تظهر للمستخدمين، مثل النسبة التي شاهدت 25% أو 50% أو 100% من الفيديو. أما المبدعون، فتقل البيانات المتاحة لهم باستمرار.
حتى نتفليكس تلعب اللعبة
حتى منصات البث الكبرى مثل نتفليكس دخلت في لعبة الأرقام. في السابق، كانت المنصة تحتسب المشاهدة بعد إكمال 70% من الفيلم أو الحلقة. أما الآن، فتكتفي بدقيقتين فقط لتُعلن أن المشاهدة قد تمت، بدعوى أن هذا "يدل على قرار مقصود بالمشاهدة". لكن الواقع يثبت عكس ذلك.
المفارقة أن نتفليكس على الأقل تشرح معاييرها، بينما تبقى معظم المنصات الأخرى غامضة ومتحفظة.
هل الحل في إلغاء الأرقام؟
لقد حولتنا هذه المقاييس الوهمية إلى لاعبين في لعبة رقمية بلا قواعد واضحة. نلاحق أرقامًا لا تعني شيئًا، ونبني قراراتنا على مشاهدات لا تعكس الواقع. ربما يكون الحل الأمثل هو تجاهل هذه الأرقام تمامًا، لكن طالما أنها موجودة، علينا أن نتذكر دائمًا: ليست كل "مشاهدة" تعني مشاهدة فعلية... فـ"المشاهدات" كذبة كبيرة.