نسعى جميعًا لاحتضان النعم بأعمارنا ومن أهمها نعمة الحياء من الرحمن الوهاب، قال صلى الله عليه وسلم: "الحياء شعبة من الإيمان".
أغلى الحياء هو الحياء من الخالق سبحانه وتعالى الذي يدفعنا لتجنب الاقتراب من كل ما يبعدنا عن رضا الرحمن عنا، ويمنحنا العزيمة والطاقات المتجددة للتقرب للوهاب بالطاعات بحب وخضوع ولهفة لإرضاء الخالق. وندعو أن يكرمنا الوهاب فنستحي منه، ونزيد الطاعات وكلنا خوف ورهبة يتناميان ألا يتقبل الله منا، ورغبة وأمل بأن يسامحنا اللطيف بعباده لتقصيرنا وكلنا مقصرون.
فلنبدأ بمقت الإحساس بأننا أفضل من غيرنا ولنردد بخضوع الآية الكريمة: "وما بكم من نعمة فمن الله"، ولا نتوهم أننا نصنع شيئًا للآخرين عند مساعدتهم، فنحن مجرد وسيلة ولا حول لنا ولا قوة، ولا نملك لأنفسنا نفعًا أو ضرًا.
وعندما يمتدحنا أحد؛ فلنتنفس قول بن عطاء الله: "من مدحك فإنما مدح مواهب الله عندك فالفضل لمن منحك لا لمن مدحك". لنعترف بنعمة حماية الرحمن لنا من الخطأ الديني والدنيوي، وعندما نرى غيرنا يرتكبه فلنسارع بالسجود شكرًا للرحمن، ونطرد العجب، وندعو لأنفسنا وللجميع بالستر وحفظ الرحمن، ونتذكر من يفضلوننا وهم كثر من المعاصرين أو السابقين، وندعو لهم بحب ونحس بالتقصير النبيل للتنافس معهم بالتقرب للرحمن، ونجتهد عند رؤية الأقل منا بالدعاء لهم بالخير الوفير، وبالشكر للخالق الذي وهبنا وحده ما نملك من علم، ومال، وجمال، وحكمة ومكانة اجتماعية.
لنزرع بقلوبنا وعقولنا الحياء من التكبر ومن التجبر على أي مخلوق، ونرحم الجميع بالقول وبالفعل طاعة للوهاب، ونستحي من الاهتمام بإرضاء البشر؛ فالأذكى طرد التفكير برضاهم، والتركيز على إرضاء الخالق.
أما من يرد الوصول للحياء من ابتغاء غير وجه الرحمن والتفكير في الحصول على إعجاب الناس ولا يسعى للإخلاص فاليتدبر الأمر الإلهي: "فاعبد الله مخلصًا له الدين".
وننتبه ونمنع تسلط الدنيا ولنتنفس الآية الكريمة: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ".
ونود الذوبان حياءً من التفكير ولو لثانية بانتظار المدد والعون من القوي اللطيف بعباده ولنتدبر: "وكفى بالله نصيرًا".
نتمنى أن نذكر أنفسنا ومن نحب بالحياء من الخوف إلا من الله "فلا تخشوهم واخشوني"، ونستحي من المعصية "إن الله يحب المتطهرين"، والحياء من تعجل أي أمر "وما تشاءون إلا أن يشاء الله"، ولا نقول عند الفشل: لم يوفقنا الله؛ فهذا سوء أدب نعوذ بالرحمن أن نقترفه ولنتدبر قوله تعالى: "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك".
ننبه لأهمية الحياء من النظر لرزق الغير "ولا تتمنوا ما فضل الله" ومن استكثار النعمة على إنسان وحسده فهو اعتراض على إرادة المنعم الوهاب، ونزرع الحياء من الكسل وعدم إتقان العمل لقول رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، وقول رب العزة العلي القدير: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".
وندعو اللطيف بعباده أن يرزقنا الحياء من تهلكة النفس بالاستسلام للأفكار والتصرفات المؤذية، ونتبرأ من البخل ومن الإسراف وقلوبنا تنبض بالآية الكريمة "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين".
نتوقف عند الحياء من التكاسل عن خدمة الناس ونتدبر قول نبينا وقائدنا محمد "صلى الله عليه وسلم": "خيركم أنفعكم للناس" ونتنافس بمنح الأهل والوالدين حقوقهم وتجنب المبالغة بحب الأبناء والزوجات والأزواج، ونتذكر قول الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" ونرتقي بنوايانا فنجعل كل ذلك وسيلة للفوز برضا الرحمن ونؤديه كما يحب.
ونعز أنفسنا بالحياء من الانشغال بالنعمة عن شكرها، ومن الجزع عند المصيبة وعدم الصبر وتفويض الأمور للقوي العليم ونردد قوله تعالى: "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون". لنجدد الحياء من ترك السعي والتواكل، وترك الأمم تسبقنا، وعدم الأخذ بالأسباب ومن التوكل على الأسباب وعدم الرضا الحقيقي بما يكتبه الوهاب، فربما أعطى فمنع وربما منع فأعطى، والمحبة هي الموافقة، ولنبذل الجهد ليكون المسلم خير دعاية للدين الحق لغير المسلمين في حسن الخلق والمظهر والنجاح بالحياة، ونكره السماح للضعف بالتسلل للنفس، فالله عز وجل يقول "خذ ما آتيتك بقوة".
ونستحي من السماح للحزن بالإقامة ونسارع بطرده بالفرح بنعمة الإسلام، وكفى بها نعمة فبها العزة ونبغض البخل بالنصيحة، بالعلم وبالصدقة ونمقت المعصية سرًا؛ فسبحانه يعلم السر والعلانية، والحياء من المجاهرة بالمعصية، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا كذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه".
لنحسن لأنفسنا بالحياء من التوقف عند الصغائر؛ فدورنا إعمار الحياة ونمنع إبليس من سرقة طاقاتنا بالتفكير المتواصل فيما ينقصنا وجلد الذات، فلا نقوى على الإعمار، ولنستحي ألا نسعى لنكون من القلة من الآخرين ونسعى فقط لتحسين دنيانا ولنمنع تبديد أعمارنا وأرزاقنا وصحتنا فيما لا يرضيك عنا يا أرحم الراحمين ومن الانشغال بالدنيا أثناء العبادات، ونتذكر دومًا الحديث الشريف: "الحياء خير كله".