د.وائل بدوي: الأسواق العالمية مضطربة وفرص واعدة أمام شركات التكنولوجيا العربية

5-4-2025 | 13:22
دوائل بدوي الأسواق العالمية مضطربة وفرص واعدة أمام شركات التكنولوجيا العربيةد.وائل بدوي
عمرو النادي

في مشهد غير معتاد، أنهى مؤشر داو جونز الصناعي تداولاته يوم أمس على انخفاض حاد بلغ 2,231.07 نقطة، مغلقًا عند 38,314.86 نقطة، في خسارة لم تمر مرور الكرام في أروقة المال والأعمال، الدكتور وائل بدوي، أستاذ الذكاء الاصطناعي، لم يرَ في هذا الرقم مجرد تحرك عابر على شاشة السوق، بل اعتبره إشارة عميقة على اضطراب الثقة في مستقبل الاقتصاد العالمي، ورسالة صاخبة من "وول ستريت" إلى بقية أسواق الكوكب بأن حقبة جديدة بدأت، تتطلب استعدادًا مختلفًا.

موضوعات مقترحة

هبوط جماعي وفقدان ثقة

يرى بدوي أن ما حدث خلال الأسبوع الماضي لم يكن مجرد تصحيح في الأسواق، بل زلزال اقتصادي مصغر حطم الأرقام القياسية في سرعة واتساع التراجع، فقد خسر مؤشر داو جونز أكثر من 14% من أعلى مستوياته التاريخية، بينما تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 9% في أسبوع واحد، وهي أكبر خسارة أسبوعية منذ ذروة الجائحة في 2020، أما مؤشر ناسداك، فقد دخل رسميًا ما يُعرف بـ"سوق الدب"، متراجعًا بأكثر من 22% من ذروته المسجلة في ديسمبر.

ترامب يعود والاقتصاد يتأرجح

في خلفية هذا التراجع الحاد، كان هناك اسم واحد يتردد بقوة: دونالد ترامب، عودة الرئيس الأميركي السابق إلى واجهة المشهد السياسي والاقتصادي، بإعلانه عن رسوم جمركية جديدة ضد الصين، فتحت جبهة مواجهة اقتصادية قديمة-جديدة.

الرد الصيني لم يتأخر، حيث أعلنت وزارة التجارة في بكين فرض رسوم بنسبة 34% على السلع الأمريكية، وإضافة شركات عملاقة إلى قائمتها السوداء، هذا التصعيد المتبادل خلق مناخًا ضبابيًا في الأسواق، رفع منسوب القلق إلى مستويات غير مسبوقة، تجلّت في مؤشرات مثل VIX الذي تجاوز حاجز 40، وهو مستوى لا يُسجل عادةً إلا في الأزمات الكبرى.

شركات التكنولوجيا تدفع الثمن

الجمعة الماضية كانت قاتمة على شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة، فقدت آبل 7% في يوم واحد، لتهبط خسائرها الأسبوعية إلى 13%، أما نفيديا، الشركة الرائدة في رقائق الذكاء الاصطناعي، فتراجعت بنسبة مماثلة وسط مخاوف من تعطل سلاسل الإمداد، وتسلا تلقت ضربة قاسية بخسارة 10% في جلسة واحدة، حتى رموز الصناعة التقليدية الأميركية مثل بوينغ وكاتربيلر لم تنجُ، متراجعة بـ 9% و5% على التوالي بسبب انكشافها الكبير على السوق الصينية، هذا الانكماش الجماعي يؤكد أن ما نشهده ليس مجرد تصحيح فني، بل تحول في المزاج العام تجاه الاقتصاد العالمي.

تأثير الدومينو يصل إلى الأسواق العربية

لم تكن الأسواق العربية بمنأى عن هذه العاصفة، في القاهرة، الرياض، دبي، سادت أجواء من التوتر والترقب، بدأت موجة سحب استثمارات أجنبية من أدوات الدين والأسهم، ما ضغط على المؤشرات المحلية، في مصر، تراجع مؤشر EGX30 نتيجة مخاوف من بيع جماعي، وارتفاع تكاليف الواردات المرتبطة بالولايات المتحدة والصين، أما في الخليج، فتراجعت بورصات كبرى مثل تداول وسوق دبي المالي نتيجة انخفاض أسعار النفط، وسط مخاوف من تباطؤ الطلب العالمي.

في ظل هذا المشهد، صعد الذهب مجددًا كملاذ آمن، متجاوزًا حاجز 2,210 دولارًا للأوقية، في أعلى مستوياته منذ ديسمبر، كما واصل الدولار الأميركي ارتفاعه أمام عملات الأسواق الناشئة، مما زاد من الضغط على ميزانيات الدول المستوردة للغذاء والطاقة، ومن ضمنها العديد من الدول العربية.

الأزمة تفتح أبواب الفرص.. كيف يمكن للعرب إعادة التموضع؟

برغم التشاؤم السائد، يرى الدكتور وائل بدوي أن الاضطراب العالمي يفتح نافذة نادرة للدول العربية لإعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية، هذه المرحلة قد تكون فرصة لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتعزيز الإنتاج المحلي، وجذب استثمارات تبحث عن بدائل آمنة بعيدًا عن الشرق الأقصى.

ويشدد بدوي على أن الانتظار لم يعد خيارًا، وأن الحياد في هذه المرحلة المتقلبة قد يعني خسارة فرصة استراتيجية نادرة.

ثلاثية التمكين العربي: التحرك، الاستغلال، الاستثمار

دعا بدوي الحكومات العربية إلى تبني خطة طوارئ اقتصادية متكاملة تعيد صياغة علاقتها بالاقتصاد العالمي على ثلاث مستويات رئيسية:

1. التحرك الاستباقي بدلاً من رد الفعل

لم تعد خطط التحفيز الكلاسيكية كافية. المطلوب هو رؤية صناعية شاملة تدعم التصنيع المحلي بدلاً من تشجيع الاستيراد. كما يجب اعتماد سياسات نقدية مرنة قادرة على امتصاص الصدمات، مع إدارة ذكية للديون في ظل ارتفاع تكاليف التمويل.

2. استغلال التحولات الجيوسياسية

في الوقت الذي تُغلق فيه الأبواب في آسيا، يمكن للعالم العربي أن يكون بديلًا استراتيجيًا للشركات الغربية الباحثة عن أسواق ومراكز تصنيع جديدة. المناطق الاقتصادية الخاصة مثل منطقة قناة السويس، العقبة، وجبل علي، يمكن أن تتحول إلى مراكز لوجستية وصناعية إقليمية وعالمية.

3. الاستثمار في الإنسان والتقنية

التحول لا يكتمل دون الاستثمار الحقيقي في رأس المال البشري. ويشمل ذلك إعادة توجيه الإنفاق نحو التعليم التقني، البحث العلمي، وبناء بيئة داعمة للشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا والابتكار.

السوق تهتز.. لكن العقول تبتكر

يختم بدوي حديثه برسالة تتجاوز الأرقام والمؤشرات: "الأزمات لا تُعطينا اختيارات، بل تفرض علينا قرارات. ربما لا نستطيع تغيير مسار البورصات العالمية، لكن يمكننا تغيير طريقة تعاملنا معها، الأسواق تهوي، لكن الأفكار الجريئة تصعد. والثقة تتراجع، لكن من يملك الخطة والمبادرة، يربح المعركة القادمة."

في النهاية، الأسواق لا تنهار من فراغ، بل لتعلن أن شيئًا ما يجب أن يتغير. والدول الذكية لن تكتفي بالمراقبة، بل ستبادر لتكون جزءًا من الترتيب العالمي الجديد. الدول العربية، بما تملكه من موقع، وموارد، وطموح بشري، أمام اختبار حقيقي: إما المبادرة... أو التأخر لعقد آخر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: