يمثل اليتيم في الشريعة الإسلامية مكانة خاصة، حيث أولاه القرآن الكريم والسنة النبوية اهتمامًا بالغًا تجلى في العديد من الآيات والأحاديث التي تحث على رعايته وكفالته والإحسان إليه وتتوعد المسيئين إليه بأشد العذاب. هذا الاهتمام ليس مجرد توصية أخلاقية بل هو جزء أصيل من منظومة القيم الإسلامية التي ترتكز على التكافل الاجتماعي والرحمة والإحسان إلى الضعفاء والمحتاجين.
موضوعات مقترحة
اليتيم في القرآن الكريم: وصايا مؤكدة وحقوق محفوظة
تتجلى عناية القرآن الكريم باليتيم في العديد من السور والآيات فقد وردت كلمة "يتيم" ومشتقاتها في مواضع مختلفة تحمل في طياتها توجيهات واضحة لحماية حقوقه وضمان معيشته الكريمة.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (البقرة: 220).
حذر القرآن الكريم بشدة في هذه الاية الكريمة من أكل أموال اليتامى ظلمًا، وتوعد فاعلي ذلك بعذاب شديد.
قال تعالى في سورة النساء: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا" (النساء: 10).
هذا الوعيد الشديد يدل على عظم جريمة التعدي على حقوق اليتيم واستغلال ضعفه.
ولم يقتصر الأمر على الجانب المادي بل امتد ليشمل الجانب المعنوي والنفسي.
فقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتامى وجعل ذلك من صفات المتقين. قال تعالى في سورة البقرة: "لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة: 177).
اليتيم في السنة النبوية: قدوة حسنة وأجر مضاعف
أما السنة النبوية المطهرة، فقد جاءت لتؤكد ما جاء في القرآن الكريم وتفصله وتضرب أروع الأمثلة في رعاية اليتيم والإحسان إليه.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتيمًا، وعاش تجربة فقد الأب في صغره، مما جعله أشد الناس حرصًا على حقوق اليتامى وتقديرًا لظروفهم.
وردت أحاديث نبوية كثيرة تبين فضل كفالة اليتيم وعظيم أجر القائم بها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى (رواه البخاري).
هذا الحديث العظيم يبين المنزلة الرفيعة التي ينالها كافل اليتيم في الآخرة، حيث يكون قريبًا من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى اليتامى وعدم قهرهم أو استغلال ضعفهم.
قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة" (رواه ابن ماجه). ومعنى "أحرج" أي أضيق على من ضيع حقهما وأشدد عليه.
هذه الأحاديث النبوية تؤكد على فضل رعاية اليتامى سواء كانوا ثلاثة أو اثنين أو حتى يتيمًا واحدًا.
مسؤولية المجتمع تجاه الأيتام
إن الاهتمام باليتيم ليس مسؤولية فردية فحسب، بل هو مسؤولية مجتمعية تقع على عاتق الأفراد والمؤسسات على حد سواء. فالمجتمع المسلم مطالب بتوفير البيئة الصالحة لنمو اليتيم وتربيته وتعليمه وضمان حصوله على حقوقه كاملة غير منقوصة.
إن رعاية اليتيم وكفالته تمثل استثمارًا حقيقيًا في بناء مجتمع قوي ومتماسك، يسوده التكافل والرحمة. فاليتيم الذي يحظى بالرعاية والعناية الكافية يصبح فردًا صالحًا نافعا لمجتمعه، بينما إهماله قد يؤدي إلى انحرافه وضياعه، مما يترتب عليه آثار سلبية على المجتمع بأكمله.
إن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الواضحة والصريحة تدعونا جميعًا إلى مضاعفة الجهود في رعاية الأيتام وكفالتهم والإحسان إليهم. فلنحرص على تقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، ولنكن لهم عونًا وسندًا في حياتهم لننال بذلك الأجر العظيم والمنزلة الرفيعة في الدنيا والآخرة ونساهم في بناء مجتمع ينعم بالرحمة والتكافل والعدل.