بين الموروث والعلم.. هل التداوي بالأعشاب حقيقة طبية أم خرافة شعبية؟ | فيديو

4-4-2025 | 14:46
بين الموروث والعلم هل التداوي بالأعشاب حقيقة طبية أم خرافة شعبية؟ | فيديو أنواع الأعشاب الطبية التي تستخدم في علاج العديد من الأمراض
الإسكندرية - جمال مجدي

بطبقين نحاسيين وقف بائع العرقسوس وسط الإسكندرية يقرعمها سويًا للفت أنظار المارة لشراء مشروبه المثلج القادر على ترطيب أجسادهم، وعلى إحدى طاولات ذلك المقهى القريب جلس الرجل السبعيني مشدوهًا إلى إعلان تليفزيوني عن علاج فعّال مستخلص من أعشاب طبيعية لخشونة المفاصل، التي لطالما آلمته، فيما تطالع شابة جامعية أثناء انتظارها «المشروع» -الميكروباص- شاشة هاتفها عن مستحضرات لتفتيح البشرة منتجة هي الأخرى من أعشاب طبيعية.

موضوعات مقترحة

ثلاث حالات في نفس المكان انجذب أصحابها إلى قوة وسحر الأعشاب، إما للترطيب «العرقسوس»، أو الشفاء من الأمراض المزمنة «خشونة المفاصل»، وأخيرًا لإضفاء لمسة جمالية على بشرة الشابة الجامعية، فهل حقًا للأعشاب هذه القوة السحرية للتداوي والجمال؟.. أما أنها مجرد خرافات شعبية يستغلها البعض لتحقيق الثروات على أحلام البسطاء؟

حملت «بوابة الأهرام» أسئلتها إلى عدد من المنخرطين في التعامل مع الأعشاب، من بائعين، وأطباء، ومرضى رأوا فيها دواءً، تاركين الإجابة عن السؤال المطروح في العنوان للقارئ نفسه «هل التداوي بالأعشاب حقيقة طبية أم خرافة شعبية؟»


أنواع الأعشاب الطبية التي تستخدم في علاج العديد من الأمراض

العشّاب.. بين الموروث الثقافي والعلم

في محاولة لفهم أعمق لدور الأعشاب في العلاج، زارت «بوابة الأهرام» أحد أقدم العشابين في الإسكندرية، للتعرف على أنواع الأعشاب الطبية التي تستخدم في علاج العديد من الأمراض.


أنواع الأعشاب الطبية التي تستخدم في علاج العديد من الأمراض

ويؤكد خالد حسن قطب، أن هناك فرقًا جوهريًا بين العطار التقليدي والعشّاب، حيث لدى الأخير خبرة واسعة في معرفة تأثيرات النباتات الطبيعية على الجسم، لافتا إلى أنه يعمل في هذا المجال منذ أكثر من 35 عامًا، بعد أن ورث المهنة عن أجداده.

لم يكتفِ خالد بالخبرة المتوارثة -بحسب قوله- بل سعى إلى تطويرها من خلال الدراسة، حتى حصل على سبع شهادات في الطب البديل -بحسب زعمه-، مشيرًا إلى أن عائلته تمارس طب الأعشاب منذ أجيال، ويمثل مع شقيقه الجيل الخامس في هذه المهنة.


أنواع الأعشاب الطبية التي تستخدم في علاج العديد من الأمراض

أمراض تعالجها الأعشاب

ويؤكد قطب أن العلاج بالأعشاب الطبيعية أثبت فعاليته في التعامل مع العديد من المشكلات الصحية، ومنه ما هو موروث بالفطرة وأصبح عادة لدى العديد من المصريين؛ ومنها تناول الحلبة والترمس في عيد الفطر للتخلص من السكر الزائد في الجسم، وتحسين مستوى الكوليسترول بعد الوجبات الدسمة والحلويات التي يتم يتناولها خلال شهر رمضان.


أنواع الأعشاب الطبية التي تستخدم في علاج العديد من الأمراض

وأوضح وحود خلطات من الأعشاب تساعد في علاج العديد من الأمراض، ولا تتعارض مع الأدوية الكميائية، مثل علاج تأخر الإنجاب وتنشيط المبايض، وعلاج التكيسات وتقوية المناعة، واضطرابات البروستاتا والتبول اللاإرادي، والأورام السرطانية في مراحلها الأولى والثانية، ومشكلات السمنة والنحافة وحرق الدهون، وتساقط الشعر والأنيميا، والآم المفاصل مثل الروماتيزم والروماتويد، والأمراض المعدية مثل الجرثومة والتهابات الجهاز التنفسي.


أنواع الأعشاب الطبية التي تستخدم في علاج العديد من الأمراض

العلاج بالأعشاب.. حقيقة أم خرافة؟

ويرى العشّاب السكندري، أن تناول الأعشاب الطبية ليس له آثار جانبية عند استخدامها بشكل صحيح، مؤكدًا أن العلاج بالأعشاب أمر جائز شرعًا، استنادًا إلى الحديث النبوي "ما أنزل الله عز وجل من داء، إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله"، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الأدوية الحديثة تعتمد في تركيبها على مستخلصات طبيعية.


أنواع الأعشاب الطبية التي تستخدم في علاج العديد من الأمراض

«مربى الشعراوي».. تركيبة سحرية لعلاج السعال

ويشير قطب إلى أن من بين التركيبات العلاجية الشهيرة،“مربى الشعراوي”، وهي وصفة عشبية لعلاج السعال والكحة وأعراض البرد، وهو منشط ومقوٍّ عام، لافتا إلى أن 80% من الأعشاب الطبية المستخدمة في السوق مستوردة، وأغلبها يأتي من الهند.


أنواع الأعشاب الطبية التي تستخدم في علاج العديد من الأمراض

بين الممارسة والدراسة.. هل تكفي الخبرة وحدها؟

ويؤكد محمد حسن، أحد العشابين أن مهنته ليست مجرد مهنة متوارثة، بل تحتاج إلى دراسة متعمقة، موضحا أنه يسعى لتطوير معرفته من خلال الإطلاع على الكتب المتخصصة في الطب البديل، مما مكنه من اكتشاف فوائد جديدة لنباتات لم تُستخدم من قبل.


أنواع الأعشاب الطبية التي تستخدم في علاج العديد من الأمراض

علاج خشونة الركبة بالأعشاب.. تجربة سودانية ناجحة

 

ويضيف عبد الفتاح عبد الرحمن، أحد المرضى السودانيين الذين لجأوا للعلاج بالأعشاب في مصر، يروي قصته قائلاً: “عانيت من خشونة شديدة في الركبة والظهر، حتى أصبحت أصلي على كرسي لمدة أربع سنوات، خضعت خلالها للعديد من العلاجات في السودان ومصر، لكن أغلبها كان مجرد مسكنات، ولم أكن اتخيل أن العلاج بالأعشاب سيكون فارقًا في رحلتي العلاجية.

وأكد ممارسته لحياته بشكل طبيعي، على الرغم من إجماع الأطباء على ضرورة إجراء جراحة لتغيير مفصل للركبة بعد تهالك المفصل.


الحذر من استخدام الأعشاب في التداوي

وفي سياق متصل، أكدت الدكتورة مها غانم، أستاذ الطب الإكلينيكي والطب الشرعي بكلية الطب جامعة الإسكندرية، أن العديد من الأعشاب تُستخدم في تصنيع الأدوية، مثل ورق الجوافة والكافور لعلاج السعال، والنعناع والينسون لتخفيف تقلصات المعدة، موضحة أن المادة الفعالة يتم استخلاصها بدقة لضمان نقاوتها وتحديد الجرعة المناسبة لكل حالة، مما يقلل من احتمالية حدوث أضرار.

وحذرت الطبيبة، من تناول الأعشاب بشكل مباشر دون رقابة علمية، مشيرة إلى أن تركيز المادة الفعالة في النبات قد يختلف بسبب عوامل بيئية مثل قلة المياه في منطقة الزراعة، مما يؤدي إلى زيادة تركيز بعض المركبات الفعالة بشكل قد يكون ضارًا، كما أن بعض الأعشاب قد تُخلط بمواد أخرى غير آمنة، مما يزيد من خطورتها.

هل تعالج الأعشاب الأمراض المزمنة؟

وأوضحت الدكتورة مها غانم، أن هناك العديد من الادعاءات حول قدرة الأعشاب على علاج أمراض مثل الزهايمر، تكيسات المبايض، وحتى السرطان، مؤكدة أنه لم يُثبت علميًا أن هناك عشبة يمكنها علاج هذه الأمراض بشكل جذري، لافتة أن بعض الأعشاب قد تساهم في تعزيز المناعة، لكنها لا تُعد بديلاً عن العلاجات الطبية المعتمدة.

رحلة الدواء.. من الأرض الزراعية إلى المريض

وتابعت؛ أن تصنيع الأدوية تمر بمراحل دقيقة قبل وصولها إلى المرضى؛ حيث تبدأ بالبحث العلمي، ثم التجارب على الحيوانات، ثم يجري اختبارها على متطوعين أصحاء؛ للتأكد من سلامتها، ثم تُجرى تجارب سريرية على مجموعات من المرضى قبل أن تحصل على موافقات الجهات الرقابية، مثل هيئة الدواء المصرية، لتُطرح بعد هذه الرحلة في الأسواق.

ومن الأعشاب ما قتل.. احذر الاستخدام العشوائي

وحذرت الدكتورة مها غانم من خطورة استخدام الأعشاب دون وعي أو استشارة، مشيرة إلى أن بعض النباتات تحوي  موادًا تصل إلى مستوى السُمية، وقد تؤدي إلى الوفاة.

ودللت على ذلك، بزيت الخروع المستخرج من عشبة الخروع؛ حيث تحتوي بذوره على مركبات بروتينية قد تُسبب حالات تسمم خطيرة، بالإضافة إلى بعض الأعشاب الأخرى التي قد تؤدي إلى سكتات قلبية مميتة.

مخاطرة كبيرة.. لا تعتمدوا على الأعشاب وحدها

وأكدت الطبيبة، أن اللجوء إلى الأعشاب كعلاج أساسي دون استشارة طبية يُعد مخاطرة كبيرة، داعية إلى ضرورة توخي الحذر والاعتماد على الأدوية المعتمدة التي اجتازت الاختبارات العلمية لضمان فعاليتها وسلامتها.

وأشارت إلى إمكانية استخدام الأعشاب في الحالات التي أثبتت فعاليتها، مثل رفع المناعة بحبة البركة أو البردقوش، أو علاج السعال بورق الجوافة والكافور وغيرها من الأعشاب المتعارف عليها.

تاريخ طويل من الاستخدام العلاجي

وفي ذات السياق، أكدت الدكتورة ميرفت السيد، مدير المركز الإفريقي لصحة المرأة التابع لوزارة الصحة، أن النباتات الطبية والعلاجية كانت جزءًا أساسيًا من الممارسات العلاجية منذ آلاف السنين.

وأضافت أن المصريين القدماء كانوا أول من استخدم الأعشاب في التداوي، كما توثق بردية «إيبرس» التي تعود إلى عام 1550 قبل الميلاد، والتي تحتوي على ما يقرب من 700 مركب طبي مستخلص من الأعشاب، إضافةً إلى استخدام النباتات في التجميل، مثل نبات «البلادونا» الذي استخدمته السيدات لتحسين مظهرهن.

الإدمان أو الحساسية.. تأثيران خطيران للتداوي بالأعشاب

وأوضحت مدير المركز الإفريقي لصحة المرأة، أن أكثر من 25% من الأدوية المتداولة في الصيدليات تستمد مادتها الفعالة من الأعشاب، لكنها خضعت لاختبارات علمية صارمة قبل إقرارها للاستخدام، مشددة على أن تناول الأعشاب في صورتها الخام قد يكون خطيرًا، نظرًا لاحتمالية الغش التجاري، أو استخدام تركيزات غير مناسبة، أو امتلاك بعضها تأثيرًا مخدرًا قد يؤدي إلى الإدمان أو الحساسية.

للأعشاب المشهورة آثار ضارة.. فاحذروها

وحذرت الدكتورة ميرفت السيد من التفاعل العشوائي بين الأعشاب والأدوية الكيميائية الذي قد يشكل خطرًا على صحة المرضى، مشددة على ضرورة التأكد من سلامة وفعالية النبات قبل استخدامه طبيًا.

وأوضحت -على سبيل المثال- أن عشبة العرقسوس، التي رغم فوائدها، فإن تناولها بكميات كبيرة يؤدي إلى فقدان الجسم للبوتاسيوم، ما قد يسبب مشكلات صحية خطيرة، فضلا عن الأعشاب التي قد تتسبب في الفشل الكلوي والكبدي، أو تقرحات المعدة والأمعاء.

هل نصدق أن «الأعشاب إن لم تنفع فلن تضر»؟

واختتمت مدير المركز الإفريقي لصحة المرأة حديثها مؤكدة أن الاعتقاد السائد بأن «الأعشاب إن لم تنفع فلن تضر» هو مفهوم خاطئ، إذ أن بعض النباتات قد تكون سامة وتؤدي إلى الوفاة.

وشددت على استخدام النباتات العلاجية تحت إشراف طبي، كعلاج تكميلي وليس بديلاً عن الأدوية التقليدية، لضمان أقصى استفادة دون تعريض حياة المرضى للخطر.

العلاج بالأعشاب.. بين الحقيقة الطبية والخرافة الشعبية

ورغم القصص التي حالفها الشفاء بعد التداوي بالأعشاب، إلا أن مصطلحات «الطب البديل» و«العلاج بالأعشاب» تظل محل جدل بين الأطباء والعشابين والعطارين والبسطاء من المصريين؛ فبينما يراه البعض وسيلة علاجية طبيعية فعالة، يشدد آخرون على الحذر من استخدامه دون إشراف طبي.

وفي الوقت الذي يروج بائعو الأعشاب لـ «بضاعتهم العلاجية» مستغلين حاجة المرضى للتداوي والسعي للتخفيف الآلام، يتناسى من يقبل على التصديق أنه -ربما- على وشك الدخول إلى مصيدة النصب بمحض إرادته، واعيًا لفعله ولكن دون معرفة أو استشارة طبية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة