الأنبا باخوميوس.. وداعًا للاستثنائي

2-4-2025 | 21:31
الأنبا باخوميوس وداعًا للاستثنائيالأنبا باخوميوس وداعا للاستثنائي
أميرة هشام

أعلنت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأحد الماضي وفاة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية ورئيس دير الأنبا مكاريوس السكندري جبل القلالي وشيخ مطارنة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. 

موضوعات مقترحة

المطران الاستثنائي، صانع السلام، بطريرك دون رقم، القائد الحكيم، الراعي الزاهد في الألقاب.. تلك الألقاب التي تم إطلاقها على الأنبا باخوميوس لم تأتي من فراغ فكل خطوة في مشوار خدمته وحياته هي خطوة ملهمة ذات طبيعة استثنائية تستحق التوثيق. 

أصغر خدام مدارس الأحد 

فهو أصغر خادم ومدرس في مدارس الأحد وكان ضمن اول دفعة تخرجت من جامعة عين شمس وصاحب أول قرار إعارة من الدولة للكنيسة عندما كان موظفا بوزارة الخزانة وكان مرشده الروحي بحسب وصفه هو البابا شنودة وقت أن كان راهبا و أب اعترافه هو القمص مكاري السرياني الذي أصبح فيما بعد الأنبا صموئيل مؤسس أسقفية الخدمات وأسقفها. 

أول أسقف رسمه البابا شنودة 

كذلك هو أول أسقف رسمه (عينه) البابا شنودة في حبريته قبل نحو 54  عاما وتلميذه (البابا تواضروس) جلس على سدة مارمرقس الرسول ليكون البطريرك رقم 118 في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وهو من وقف أمام تابوت البابا شنودة في جنازته بصفته قائم مقام للكنيسة القبطية الأرثوذكسية لينعيه وليبدأ طريق وعر يسير فيه بمحاذاة الخطوط الحمراء ليقود الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في أصعب أوقاتها حيث إنه حين تنيح "توفى" البابا شنودة الثالث في مارس 2012 ووصول الإخوان المسلمين لسدة الحكم وعبر بها رغم كل شيء لبر الأمان.

نشأة مدارس الأحد 

ولد الأنبا باخوميوس في 17 ديسمبر 1935، وبدأ خدمته مبكرا جدا للكنيسة؛ حيث  التحق عام 1949 للتدريس في مدارس الأحد (وكانت وقتها فكرة جديدة) في كنيسة القديس الأنبا بيشاي بقسم يوسف بك بالزقازيق وكان أصغر عضو فيه. 

نظير جيد يلتقي الأنبا باخوميوس 

وهو نفس الوقت الذي تعرف عليه نظير جيد (البابا شنودة الثالث)، فعندما ذهب نظير جيد للزقازيق  ليتفقد مدارس الأحد هناك لفت نظره وجود فصل بمدارس الأحد يجلس كل طلابه في هدوء شديد دون وجود مدرس، حتى تبين أن المدرس شاب صغير لم يتجاوز سنه 14 عام ويقترب طوله من طولهم وهيئته من هيئتهم وهو الأنبا باخوميوس. 

يقول البابا شنودة عن أول مرة يراه فيها : رأيت فتى صغير يدرس بطريقة ممتازة في مدارس الأحد وانبهرت به. 

أول دفعة تخرجت من جامعة عين شمس 

التحق الأنبا باخوميوس بجامعة عين شمس (هليبوليس) وذلك بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة (التوجيهية) في يوليو 1952 وكان ضمن اول دفعة تخرجت من الجامعة بكلية التجارة. 

أثناء وجود شيخ المطارنة بالقاهرة للدراسة في كلية التجارة، جاء نظير جيد ليعطي محاضرة لخدام مدارس الأحد وسأل عن ذلك الشاب الذي رآه عام 1949  في الزقازيق ويدرس بطريقة رائعة ، وكانت تلك بداية توطيد العلاقة. 

أب اعتراف الأنبا باخوميوس 

سمع الأنبا باخوميوس عن القمص مكاري السرياني الذي أصبح فيما الأنبا صموئيل مؤسس أسقفية الخدمات وأسقفها فكان يتتبع خطاه حتى أصبح أب اعترافه وبالتوازي مع ذلك كان يتتبع خطوات نظير جيد ويحرص على حضور محاضراته حتى ترهبن البابا شنودة في دير السريان باسم الراهب انطونيوس السرياني فظل الأنبا باخوميوس يزوره من وقت لآخر ويستشيره في عدة أمور. 

كان أول من زارني في مغارتي في الجبل وجائني للاستشارة بالذهاب للخدمة في الكويت وعند عودته تم رسامته راهب عندما تم رسامتي أسقف.. هكذا تحدث عنه البابا شنودة في مختلف لقاءاته

خدم الأنبا باخوميوس في منطقة الجيزة حيث قدم خدمة القرى فكان يجوب القرى ويتواصل مع خدامها وعمل بسكرتارية البابا كيرلس بناء على طلب البطريرك رقم  116. 

وفقا لما رواه الأنبا باخوميوس  : كنت حديث العهد في خدمة سكرتارية البابا كيرلس عام 1956 وتم تعييني مشرفا على معهد الكرازة بكوتسيكا بالقاهرة وكان وقتها بها 18 شاب نصفهم يدرسون بالعربي والنصف الآخر باللغة الإنجليزية واختارني الله لأكون خادم لهم. 

كنت اسأل نفسي دائما وانا اسير في طريقي : "ماذا تريد يارب ان أفعل"؟.. هكذا كان يردد الأنبا باخوميوس في كل محطة من محطات حياته،حتى جاء عام 1960 واختاره البابا كيرلس السادس ليكون خادما في أول كنيسة في المهجر وهي الكنيسة التي تم انشائها في دولة الكويت ووقتها قرر الأنبا باخوميوس الاستقالة من عمله بالحكومة للتفرغ للخدمة ووقتها تدخل وزير التموين كمال رمزي استينو وكان متابع جيد للعلاقة بين الكنيسة والدولة وعز عليه أن يترك الأنبا باخوميوس وظيفته فقام بعمل إعارة له من الدولة  للكنيسة وكانت أول إعارة في تاريخ مصر الحديث  وبعد ذلك فتح الباب لناس كثيرة أن يأخذوا  نفس تلك الإعارة. 

عاد الأنبا باخوميوس من الكويت وترهب  في دير السريان بوادي النطرون، باسم الراهب أنطونيوس السرياني في نوفمبر 1962 وهو نفس الاسم الذي ترهبن به البابا شنودة في الفترة من عام 1954 وحتى عام 1962 قبل ان تتم رسامته كأول أسقف للتعليم باسم الأنبا شنودة. 

رسم (عين) البابا شنودة الثالث الأنبا باخوميوس أسقفا  يوم 12 ديسمبر 1971 وكان باكورة رسامات البطريرك رقم 117  عقب أقل من شهر من تجليسه على كرسي مار مرقس الرسول.

يقول البابا شنودة : بعد رسامته للبحيرة امتدت خدمته للمدن الغربية فبعد أن تم اهدائنا كنيسة في طرابلس وبهذا الشكل بدأت خدمته في ليبيا

نال الأنبا باخوميوس رتبة مطران في 2 سبتمبر عام 1990 ليصبح بذلك شيخ المطارنة وأقدمهم ووفقا لتقاليد الكنيسة يصبح هو القائم مقام بعد نياحة (وفاة) البابا شنودة في مارس 2012 وحتى 18 نوفمبر 2012.

انتخاب البطريرك للكنيسة القبطية الأرثوذكسية

أدار الأنبا باخوميوس عملية الترشح وانتخاب البطريرك الجديد بحكمة ودقة ونظام شديد لم يخلو من الحزم المغلف بالمرونة حتى وصل ليوم القرعة الهيكلية واختيار الأسقف الذي سيصير بطريرك.

القرعة الهيكلية عام 2012

وقتها التقط الأنفاس وهو يرفع الورقة التي تحمل اسم نيافة الأنبا تواضروس الأسقف العام ليعلن اسم البطريرك رقم 118 ولم يغفل وقتها الأنبا باخوميوس أن يخبر الحاضرين للقرعة أن اليوم 4 نوفمبر 2012 يوافق ذكرى الميلاد ال60 لتلميذه الأسقف. 

انسحاب الكنيسة من لجنة إعداد الدستور 

لم يكن الأنبا باخوميوس يريد أن يورط البطريرك الجديد في قرارات سياسية ولاسيما في ظل وصول جماعة الإخوان الإرهابية لحكم مصر فاتخذ قرار انسحاب الكنيسة من لجنة إعداد الدستور قبل ساعات من تجليس البطريرك الجديد. 

ليقول بعد ساعات من هذا القرار وهو يسلم البابا تواضروس عصا الرعاية سأصير له ابنا وخدامًا تحت قدميه، فنحن في المجمع المقدس نؤمن بالأبوة الروحية ليبكي البابا تواضروس بعد هذه الكلمة محاولا إخفاء ملامح وجهه خلف الصليب الذي يمسكه بيده. 

بعد أن رفع الأنبا باخوميوس تلك الورقة التي تحمل اسم البطريرك وسلمه عصا الرعاية تواري عن المشهد عائدًا إلي إيباراشيته وقد أغلق الباب خلفه علي فترة انتقالية في تاريخ الكنيسة ربما كانت الأصعب في تاريخها.. تاركًا المهمة لتلميذه الأنبا تواضروس

كان الأنبا باخوميوس صادقا فيما قاله ورغم إدعاء البعض تدخله في إدارة الكنيسة في بداية حبرية البابا تواضروس، أجاب على ذلك ببساطة حين سألته بوابة الأهرام قبل 12 عاما نافيا إدارته للكنيسة من وراء ستار قائلا : غير صحيح ومن يقول هذا إنسان غير صادق ولابد أن يراجع ضميره.

وارجع الأنبا باخوميوس مايقال وقتها في اعتقاده إلى أنه يؤمن بفكر البابا ولديهما منهج  فكري واحد نخدم به .. فهذا المنهج هو ما يخدم به الآن. 

استطرد وقتها الأنبا باخوميوس في تصريحاته لبوابة الأهرام : علي سبيل المثال قمت بكتابة كتاب عن لوائح اللجان منذ 15 عاما، وقد تجدين حديث له في الوقت الحاضر  عن لوائح اللجان، ليس لأنني أخبرته بها من قبل ولكن لأنه فكرنا منذ 15 عاما، وهناك أشياء تسألي البابا عنها سيجيبك نفس إجابتي، وبأمانة مضي علينا شهرين، لم نتقابل وأحيانا لانتحدث في التليفون لفترة تقترب من الشهر، لهذا من يقول أنني أدير من خلف الستار إنسان غير أمين ولابد من مراجعة فكره، فأنا لدي الشجاعة الكاملة، أن أعلن ما أفعله.

صلي البابا تواضروس على جثمان الأنبا باخوميوس 3 مرات، الأولى في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية والثانية بمقر مطرانية البحيرة والثالثة في دير الأنبا مكاريوس السكندري جبل القلالي حيث مثوى شيخ المطارنة الأخير. 

ورغم مايمتلك البابا تواضروس من رباطة جأش وثبات انفعالي أبت دموعه إلا أن تنهمر على معلمه وأبيه، وخانه صوته أكثر من مرة واحتبس  في حنجرته مختنقا بالدموع. 

حياة حافلة بالإخلاص والتفاني الذي رافق كل خطوة من خطوات شيخ المطارنة وحكيم الكنيسة ليظل حلقة الوصل وشاهد على كبرى الأحداث ومعاصر لعظام الشخصيات والقيادات الكنيسة بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية. 

قال البابا تواضروس عن مسيرة خدمته :  "عاصر أجيال كثيرة وكان له دور وبصمة واضحة في التاريخ الكنسي الحديث، منحه الله بركة العمر المديد (حوالي  90 سنة) وبركة الخدمة الطويلة (حوالي 75 سنة) تدرج خلالها فيما لا يمكن أن نتخيله من مواقع في الخدمة الكنسية من حيث عددها ونوعها، ليس على فقط على مستوى مصر ولكن خارجها أيضًا، وكذلك على مستوى الوطن إذ حافظ على سلام الكنيسة والوطن في أزمات عديدة.


الأنبا باخوميوس وداعا للاستثنائيالأنبا باخوميوس وداعا للاستثنائي

الأنبا باخوميوس وداعا للاستثنائيالأنبا باخوميوس وداعا للاستثنائي

الأنبا باخوميوس وداعا للاستثنائيالأنبا باخوميوس وداعا للاستثنائي

الأنبا باخوميوس وداعا للاستثنائيالأنبا باخوميوس وداعا للاستثنائي

الأنبا باخوميوس وداعا للاستثنائيالأنبا باخوميوس وداعا للاستثنائي
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: