"لام شمسية".. تحدثوا مع أطفالكم ..!

29-3-2025 | 12:28

إن لم يثر عمل فني تساؤلات لدى مشاهديه، فهو مجرد ثرثرة وضياع للوقت، وهذا هو ملخص ما شاهدناه هذا العام في مسلسلات رمضان. وأي تساؤلات تلك التي تصبح محور لقاءات وجلسات وقراءات المشاهدين، وتصب في مصلحتهم أو مصلحة المجتمع؟ تساؤلات مثل تلك التي طرحها مسلسل "لام شمسية".

تلك اللام التي كانوا يعلموننا في اللغة العربية أنها تُكتب ولا تُنطق، عكس اللام القمرية التي تُكتب وتُنطق، وكان هذا الاختيار في البداية غير مفهوم للبعض.

اسم المسلسل "لام شمسية" اعتمد على الدلالات، ومن هنا أرادت المؤلفة مريم نعوم، والمخرج كريم الشناوي أن يراهنا على "الوعي". المشاهد سيستوقفه الاسم فيبدأ البحث، وحتى من عزف عنه من الحلقة الأولى، قد يعود لمتابعته ليقف عند ما يطرحه من أزمة حقيقية.

المجتمعات الشرقية تخشى دائمًا من البوح، أو كما يُقال بالعامية "من الفضيحة"، حتى لا تُوصم العائلة بوجود طفل تعرّض لتحرش من شخص مريض.

من هنا بدأنا نفكر، ونستعيد نقاهة المشاهدة مع عمل أظنه من أهم ما قدمته الدراما منذ سنوات طويلة. مسلسل يقول لك: قف، أمامك خط أحمر، بل عشرات الخطوط الحمراء. قف وتحدث مع ابنك. اشرح له، حتى وإن كان الشرح صريحًا، وقل له: هذه جريمة. إن حاول أحد أن يفعلها معك فاصرخ. كن لامًا قمرية، منطوقة ومقروءة. تحدثوا مع أبنائكم، صارحوهم، امنحوهم تصاريح الشجاعة التي يفتقدها الطفل طواعية في سن مبكرة. فهو يخاف من الأب، والأم، والمدرس، وزملائه بسبب التنمر، وعجزه عن المواجهة.

المسلسل لم يكن فقط قصصًا تُطرح عن التحرش الجنسي والتنمر. بل كانت هناك رؤية تسبق دوران الكاميرا. سيناريو بديع، ومخرج أراد أن يبهرنا، فقام بترشيح ممثلين لديهم من الموهبة ما يسهم في توصيل رسالته كما يجب. هو شاهدها في وجوههم، في أدائهم، في انفعالاتهم.

قد تكون شهادتي مجروحة في ممثل بمكانة أحمد السعدني، فقد عشت تجربته منذ البداية. عملنا معًا في مجلة الأهرام الرياضي صحفيين، وكنا نكتب تحقيقًا رياضيًا واحدًا يُنشر باسمينا في تلك المجلة الرائدة التي تصدر عن مؤسسة الأهرام.

وبداية الحكاية والكشف عن الموهبة كان عندما اقترح العم صلاح السعدني رحمه الله أن يجمع أبناء الفنانين في مسلسل واحد، هو "زمن العولمة" للراحل دكتور عصام الشماع. بدأ السعدني الصغير التمثيل في استوديو 2 بمبنى ماسبيرو مع عدد من أبناء الممثلين، ولم يستعن به عم صلاح بعدها كثيرًا، شق طريقه بمفرده.

أحمد السعدني أحد أهم نوابغ جيل يحلم باللحظة التي يقول فيها إن موهبته صُنعت على نار هادئة، وأنه ممثل من طراز خاص. في مسلسل "لام شمسية"، كسر حواجز الأداء. فلم يكن صوته فقط ما يصدر عنه، بل الشخصية التي تفاعل معها انفعالات قُيست بأدق التفاصيل. ولم يكن لمن يقف أمامه أن يشذ عن تلك القياسات. هناك موهبة مثل أمينة خليل، وموهوب جدًا محمد شاهين، والرائعة صفاء الطوخي، والطفل الذي أبهر الجميع علي البيلي.

أي أسرة قد تخشى على ابنها من أداء دور صعب وقاسٍ، لكن هناك وعيًا أظنه تم التواصل معه ومعهم بوجود متخصص من أساتذة علم النفس أو التضامن الاجتماعي. صعود تدريجي لسردية مصنوعة بحرفية نتج عنها دراما مخيفة جدًا، لكنها مفيدة جدًا. حطّمت فكرة أن الفن ليس له رسالة، أو أنه ليس درسًا أخلاقيًا. لا يا سيدي، هنا تحديدًا نحن بحاجة إلى أن نقف أمام التجربة أخلاقيًا.

ممثلون أصابتهم الغيرة، فراحوا يبدعون بطريقتهم. وبالطبع، المخرج كريم الشناوي حدد معالم المشاهد صوتًا وصورة. فقدمت ثراء جبيل أداءً واعيًا، ويسرا اللوزي التي تعرف بخبرتها متى تتنفس في المشهد بهدوء أو انفعال، أسيل عمران في تجربتها الثانية مع المخرج بعد فيلم "ضي". ياسمينا العبد، علي قاسم، يارا جبران، وفاتن سعيد، جميعهم برزوا في أدوارهم.

الصورة التي نقلت كل تلك الانفعالات تعود لمدير التصوير مصطفى فهمي. أما المونتاج المتقن فكان للمونتير باهر رشيد، والصوت المميز لأحمد صبور، والديكور الذي أبدعه أحمد حسام. كانت منافسة على من سيسهم أكثر في هذه التحفة الفنية. وبالطبع، لن ننسى المنتج الفني أحمد فرغلي وشركة "ميديا هوب".

قدموا لنا تجربة أربكتنا، وزرعت فينا جرأة أن نتحدث مع أبنائنا، وأن نقول لهم: تحدثوا واكتبوا بصوت اللام القمرية!.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: