مع انتهاء شهر رمضان الكريم، حتى نودع معه الموسم الدرامي، حيث يلتف المصريون حول التلفزيون لمشاهدة البرامج والمسلسلات، ثم يعقدوم المقارنات بينها وبين ما شاهدوه من مواسم سابقة، حيث لا تزال العديد من الأعمال الدرامية عالقة في أذهانهم.
نشأنا منذ الصغر ونمت أفكارنا وترعرعت على حكايات ورؤية أعمال الكاتب أسامة أنور عكاشة الذى عشنا معه فى "ليالى الحلمية" وحضرنا معه نزال وعراك وتحدى سليم باشا البدرى مع العمدة سليمان غانم، وقهوة المعلم زينهم السماحى التى كانت شاهدة على حقبة زمنية معينة بدأ من النضال في تاريخ مصر ضد الملك والانجليز مرورًا بثورة 23 يوليو، والإيمان بالفكر الناصرى، والكفاح ضد العدوان الثلاثى، ثم الانكسار وتجرع مرارة هزيمة ٦٧ ، والعبور إلى الفرحة ورفع الرأس من خلال حرب الاستنزاف ونصر أكتوبر.
ثم نخرج من (ليالى الحلمية) ونصل إلى حي الحسين حيث الأصالة ومصر القديمة، وهناك نرفع رؤوسنا لنرى شبابيك المنازل المصنعة من الأرابيسك بورشة حسن النعمانى الذى تعلمنا منه رجولة وجدعنة إبن البلد الأصيل ومواقفة النابعة بل المعجونة بالأصالة المصرية، وهذا الذى أراد أن يصيغه لنا عكاشة على لسان الأستاذ وفائى (حسن حسنى) الرجل اليسارى العجوز والذى وصف مصر بأنها معدة كبيرة لا تقبل أى ثقافة غربية، بل العكس تأخذها وتفرز لها عصارة تهضمها وأنزيمات تحولها لجزء من نفس نسيجها وهذا واضح من رساخة الهوية المصرية تجاة أى من الغزاة سواء الهكسوس أو الفرنسيين أو الإنجليز.
ونخرج من حى الحسين لنرى كيفية بدء الخليقة وتاريخ البشرية من خلال مسلسل (لا إله إلا الله) للكاتبة أمينة الصاوى، والتى لم تهتم بحدث دينى أو تاريخى بعينه وإنما كان بمثابة رصد لتاريخ التوحيد ومسيرة الأديان السماوية ونظرة الانسان للإله على مر العصور، وهي الملحمة التي تمتد لأربعة أجزاء، شارك بها نخبة كبيرة من ألمع نجوم الفن في مصر.
وتنتهى الحكاية عند سيد مكاوى الذى يذكرنا بوجبة السحور، وهو يقول:(مسحراتى منقراتى فى البلد دوار)، ثم نستمع إلى بعض آيات الذكر الحكيم، ثم النشيد الوطنى، ويوم بعد يوم، ورمضان تلو الآخر وفكر ومعايير وأشياء كثيرة ترسخه بوجداننا.
وفى طريقنا لبداية الألفية الثانية نتعثر بصخرة كبيرة جعلتنا نموت ونحيا مع رائعة نجيب محفوظ فى "حديث الصباح والمساء"، والتى كانت شاهدة على مرحلة معينة من تاريخ مصر الحديث، حيث زواج عزيز المصرى (أحمد ماهر) من فرجة السماكة (سوسن بدر)، وذلك مع دخول الحمله الفرنسية على مصر .
ثم يختطف جنود الوالى محمد على داوود الذى يعود من فرنسا طبيبًا، ويصبح بعد ذلك داوود باشا المصرى (خالد النبوى) ويتزوج من إحدى فتايات العائلات التركية وينجب ولده عبدالعظيم باشا (طارق لطفى) الذى يجتمع بصحبة سعد باشا زغلول وآخرون للوصول إلى الشكل القانونى الممثل فى توكيل الشعب المصرى فى تفاوض سعد باشا ورفاقه مع الانجليز للحصول على حقنا فى الاستقلال، كما يتوقفنى الترابط الأسرى الذى ينقله المجتمع المصرى فى تلك الفترة ووصية داوود باشا المصرى لوحيده عبدالعظيم (يا ولدى صل رحمك صل رحمك صل رحمك) ثم يضيف (الشجرة التى بلا جذور لابد من سقوطها دائما وأبدا).
دراما رمضان فى الحاضر
تمر السنوات، ويعرض المؤلف محمد عبدالمعطى فى حى السبتية ورشة الأسطورة للحدادة لصاحبها رفاعى الدسوقى (محمد رمضان) والتى كانت تعمل بشكل سرى فى مجال تصنيع الأسلحة اليدوية "الفرد الخرطوش والمقروطة" وهذا ما جعل ذلك النموذج بمثابة كبير المنطقة، حيث يفرض سطوته وكلمته على الجميع ويفرض سيطرته وأحيانا تكون نابعة بشىء من الحكمة، ونلاحظ أن هذا النموذج متكرر فى كل دراما رمضان فى السنين الأخيرة بدءا من حبيشة مسلسل (ابن حلال) والبرنس، والأسطورة، مرورا بالعتاولة، وأخيرا (فهد البطل).
ومن هنا نصدر للمجتمع نوع جديد من القيم والمعتقدات يساهم في بناء جيل جديد يتربي علي مفاهيم أخرى غير الذي تربت عليه الأجيال السابقة من أخلاق وقيم؛ لذلك علينا جميعا أن نعمل نقطة نظام ونكون علي حذر سواء أتفقنا مع تلك المادة أو اختلفنا معها.
وهذا ما نوه عليه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى من ضرورة أن تتفق الأعمال الدرامية مع قيمنا المجتمعية التى توارثها المجتمع المصري عبر مئات السنين، من خلال تشكيل مجموعة عمل متخصصة لوضع رؤية مستقبلية للدراما والإعلام، دون تقييد لحرية الفكر والتعبير.