حقيقة لا يمكن تكذيبها، ألا وهي "أن كل شخص ينعم بالحياة على الأرض تسيطر عليه مشاعر الاحتياج لقوة يركن إليها"، وتشد من عضده، غير أن البعض يتجاوز هذا الحاجز الفطري ويقاومه، ويزعم هؤلاء أنهم واقفون على أرض ثابتة، وسرعان ما ترتعد أقدامهم خوفًا، حين تواجههم قوة أشد منهم، ومن جهة أخرى كلما تعاظمت اكتشافات الإنسان، يخرج عليه ما يبدد نظرياته، أو تتكشف حقائق جديدة تؤكد أنه ما زال على أول الطريق.
ولا يقدر أي فرد على إخفاء ضعفه أو خوفه في مواجهة القوى الكونية سواء ظاهرة أو باطنة، وإن امتلك كنوز قارون وقبض على زمام جن سليمان، ومن أبرز عمالقة القوى الكونية الزلازل والبراكين والأعاصير، ولماذا نبعد بعيدًا؟ فالمرض بمفرده كفيل بتركيع الرجال، ولا بد من الإقرار أن الضعف صفة بشرية لا يختلف عليها اثنان، لذا نحتاج إلى الدين، ونستسلم في معيته.
والاحتياج إلى الدين جعل رأس الملحدين يلح على الإمام أبي حنيفة قائلا: يا أبا حنيفة دلني على شيخك لأكون تلميذًا تحت قدميه، وتخبرنا الحكاية عن حوار طويل دار بين الإمام وبين عدد من الملحدين، وأبرز ما جاء فيها سؤال الملحدين لأبي حنيفة: هل رأيت ربك؟ ويجيب الإمام بالآية القرآنية: "سبحانه ربي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار"، ويرد عليه الملحدون بقولهم نحن لا نؤمن إلا بالطبيعة.. فأتِ لنا بمثال من الطبيعة، وسألهم الإمام إذا كنتم جلوسا عند رجل وحضرته سكرات الموت، فعندما يموت ماذا تخرج منه؟ قالوا تخرج منه روحه، فرد عليهم: تخرج روحه أمامكم.. فهل ترونها؟ أجابوه بالنفي، فقال الإمام: هكذا الروح فقد خلقها الله ولا ترونها.
إن الإنسان منذ وجوده في بحث دائم عن كيفية عبادة خالقه، ولما لا فالإنسان كائن عاقل، والدين ملاذ كل ذي عقل، والعاقل حائر في متاهة، حتى يرسو على شاطئ الإيمان بخالقه، وقال الفيلسوف الفرنسي فولتير: لما تشكون في وجود الله، ولولاه لخانتني زوجتي، وسرقني خادمي، وفي موقف آخر يمدح فولتير الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: "إن دينه حكيم وصارم وطاهر وإنساني".
والإنسان في حال معرفته بالله والتقرب إليه تدنو له الحياة وتستقيم، ثم يخطو الخطوة الثانية وينهل من تعاليم الدين، ويجعله منهاجًا ورفيقًا في دروب حياته، وتتجلى تلك الرؤية في دراسات اجتماعية ونفسية حديثة، توضح أن أهم أسباب استقرار الحياة الزوجية إيمان الزوجين بوجود هدف إلهي من زواجهما.
ومن خلال الأبحاث الميدانية يقر الأزواج أن الإيمان كان لهما حصن الأمان، وأثبتت الدراسات الأكاديمية أن العنف بينهم يكاد يتلاشى، بينما الدراسات النفسية تكشف أن ممارسة الشعائر الدينية تكسو النفوس روحًا هادئة، ولا يفارقها الأمل في النيل من رضا الله، وهذا أمر يمنحهم ثباتا في المحن، ويعبر عنه علماء النفس بالثبات الانفعالي.
ومهما حاول المكذبون الهروب من الغاية العظيمة من خلقهم، ستنحني قامتهم في أقرب وقت تحت سماء خالقهم، ولو أبدوا عكس ذلك، ولن يمكنهم الاستمرار في الهروب من فطرتهم السوية الكامنة بين جنبيهم، ولا سيما فطرتهم السوية من وقت لآخر تنتفض بداخلهم لتصوب انحراف بوصلتهم، وقد يطول الصراع بين فطرتهم وشهواتهم، ويقيم المولى عليهم الحجة في قوله الله تعالى: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم. ألست بربكم. قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين".
[email protected]