مئوية جامعة القاهرة

26-3-2025 | 22:52

في مثل هذه الأيام وفي مارس ١٩٢٥ صدر المرسوم الملكي بإنشاء الجامعة الحكومية الأولى - جامعة القاهرة الآن - كان وراء إنشاء الجامعة الحكومية أحداث ووقائع تاريخية تستحق أن تروى منفردة كأول جامعة متكاملة وليست كجامعة صغيرة أهلية كما بدأت في ١٩٠٨.

فإنشاء الجامعة قد تم وقتها بالجهود الأهلية والتبرعات، وهي الفكرة التي طرحتها الصحافة عبر جورجى زيدان بالهلال في بداية القرن الماضي، وبعد إلحاح محمد عبده أيضًا على فكرة إنشائها؛ بل وطرح المكان أيضًا رغم رفض الاحتلال وتحفظه التام على إنشاء الجامعة المدنية.

وبعدها أعاد مصطفي كامل طرحها بقوة فقد كان المناخ التعليمي والثقافي خاصة بوجود عدة مدارس عليا مثل المهندسخانة والطب والحقوق والمعلمين العليا قد أفرز رغبة في التوسع في التعليم العالي، وبالفعل تم تشكيل لجنة اجتمعت في بيت سعد زغلول لاحقا (بدون مصطفي كامل ) وتم تدشين الجامعة بالفعل بعد جمع التبرعات، ولكن هذه الجهود والنوايا الطيبة لم تستطع الصمود ومواجهة التحديات التعليمية وواجهت صعوبات هددت وجودها نفسه خاصة أثناء الحرب العالمية الأولى بتوقف الجامعة الوليدة، لاسيما أن شهادتها لم تكن معتمدة أو تتبع وزارة المعارف وقتها مثل بقية مدارس التعليم العالي الموجودة بالفعل، فوقائع التاريخ الحديث تقول لنا إن أغلب الجامعات وعلى مستوى العالم تتعثر مسيرتها مالم تكن تتبع التمويل الحكومي كما يتم الآن في أغلب جامعات دول أوروبا، أو عبر مجالس أمناء يوفر الودائع والأموال للعملية التعليمية كما في أمريكا وغيرها، لذلك أصر الدستور المصري الحالي على وضع وتخصيص نسبة محددة لتمويل الجامعات (٢٪؜)، لأنه بدون ذلك تتعثر المسيرة وهذا ماحدث فعليا للجامعة الأهلية في العقدين الأوليين لها؛ حيث قابلتها صعوبات جمة حتى في البحث عن مكان وقاعات للتدريس فتنقلت المحاضرات كثيرا والتى كان يعلن عنها بالصحف بين القصور والفيلات من قصر جناكليس ومحمد صدقي وأخيرا قصر الزعفران، ولدينا أيضا واقعة د طه حسين حينما صدرت إليه التعليمات بالعودة من بعثته إلى فرنسا والتي ذهب إليها للحصول على درجة الدكتوراه.

ويروي رؤوف عباس أستاذ التاريخ بكتابه عن الجامعة بأن الجامعة الأهلية بعد التأسيس عانت أزمات خانقة وكادت أن تتوقف التبرعات وأنقصت الأوقاف الإعانة السنوية وأمام هذه الأوضاع والمشاكل لاسيما أن الأخبار ترددت عن اتجاه لتأسيس جامعة أمريكية بالقاهرة وهو ما سيتم فعليًا بعدها بسنوات قليلة؛ لذلك تقرر تشكيل لجنة رسمية بقرار حكومى في ١٩١٧، وأوصت اللجنة بضرورة إنشاء الجامعة الحكومية فورًا.

ولكن ذلك لم يحدث إلا عقب صدور دستور -١٩٢٣ - فاجتمع أحمد لطفي السيد وسيصبح" أول مدير للجامعة الحكومية فيما بعد" مع الملك فؤاد، والذى شغل سابقا منصب أول رئيس للجامعة الأهلية بعد قيامها ١٩٠٨، وكان طبيعيا أن يتحمس الملك وأصدر المرسوم الملكي لإنشاء أول جامعة حكومية، في مثل هذا التوقيت من شهر مارس عام ١٩٢٥ وبلغ عدد طلابها وقتها ٢٣٨١ طالبًا وبدون طالبات وبموازنة تبلغ ٣٠٠ ألف جنيه .

وأصبح لها حرمها المستقل بعد أن تبرعت الأميرة فاطمة بمجوهراتها وبأرض لبناء الجامعة ولذلك سنجد لافتة على قطعة رخامية بيضاء تزين الحرم الجامعى باسم الأميرة فاطمة .

فقد مثل الدعم لإنشاء جامعة حكومية إنقاذًا لتجربة التعليم العالى في مصر والمنطقة والاستمرار للمساهمة في نهوض البلاد وهو الاتجاه الصحيح والمستمر، فمازال الاعتماد الأساسي في التعليم العالى المصري يقوم على فضل وقوة الجامعات الحكومية سواء في إنشاء الجامعات الخاصة والجامعات الأهلية الجديدة والتى يقترن اسمها بالجامعات الحكومية.

 والجامعة الحكومية لا تعنى كما نفهم الآن الجامعة المجانية، فهذا لم يحدث للجامعات المصرية إلا مع العيد العاشر لثورة يوليو ١٩٦١ فصدر قرار مجانيته لتكتمل منظومته مع التعليم الابتدائى والثانوى والذى أصدره د طه حسين في حكومة الوفد في الخمسينيات.

فالجامعة الحكومية تعنى توفير الدعم المؤسسى المستمر، وتقرر لذلك ضم الجامعة الأهلية إلى كيان أكبر وشامل والنواة بأربع كليات هى الآداب والعلوم والحقوق والطب والأخيرتين كانتا موجودتين بالفعل، لكن تقرر ضمهما إلى الجامعة وأن تكون النواة وبداية الدراسة بالجامعة الحكومية بكلية الآداب لتمثل الصخرة الآولى في البنيان.
 

فبعد عبور البوابة الحديدية التراثية في التكوين الجمالى إلى جهة اليمين داخل حرمها المهيب سيكون أول مبنى يستقبلك بالجامعة هو كلية الآداب بأقسامها الخمسة والتى اكتملت ليكون لها دور قيادى، فأنارت سماء الثقافة والفكر المصري والعربي برواد النهضة الحديثة والبداية مع د طه حسين والذي كان له بنود بمفرده في الاتفاقيات الحكومية، وتم تعيين مصطفي عبد الرازق أستاذًا للفلسفة بها وهو صاحب كتاب" الإسلام وأصول الحكم" والذى أثار ضجة وصلت للمحاكم وتوقيف مصطفي عبد الرازق، وهى القضية التى سيتحدث عليها لاحقا سلامة موسى في مقارنته بقضية مماثلة حدثت فى الولايات المتحدة الأمريكية وقتها حول نظرية التطور، وتم توقيف الأستاذ الأمريكى بها أيضا.

أصبحت كلية الآداب معقلا لبداية التعليم الجامعى للنساء التى التحقن بها عام ١٩٢٩ ومنهن أمينة سعيد أول صحفية ونقابيّة محترفة لتشغل وكيل نقابة الصحفيين ورئيسة التحرير، وبعدهن سنجد د سهير القلماوي أول من تحصل على الدكتوراه بالكلية والجامعة وتدشن معرض القاهرة للكتاب وتصبح رئيسة قسم اللغة العربية وتشرف على رسالة جيهان السادات بل ويتعرض تلميذها نصر حامد أبو زيد لمحنة التفكير أو التكفير في إعادة لسيناريو مصطفي عبد الرازق، ويتخرج فيها صاحب نوبل الوحيدة لنا في الآداب نجيب محفوظ، وسنرى قمما فكرية من لويس عوض وعبد الرحمن بدوى وفؤاد زكريا وزكى نجيب محمود وجابر عصفور .

١٩٢٥ هو التحول والتدشين الحقيقى لجامعة القاهرة وكلية الآداب بها، والتى بدأت بأول عميد أجنبى لها هو د جريجوار، لتنتهى المئوية بتعيين أول سيدة مصرية عميدة لها هى د. نجلاء رأفت، وتستحق الجامعة كما قال لى د محمد سامى رئيسها، احتفالات وندوات ودراسات مستقبلية في عيد تدشينها بحرمها الحالى الذى لم يتغير منذ أصبحت حكومية قبل ١٠٠سنة.

 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: