تُعيد تشكيل موازين القوى.. هل تُمهد محادثات الرياض طريق إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية؟

26-3-2025 | 18:53
تُعيد تشكيل موازين القوى هل تُمهد محادثات الرياض طريق إنهاء الحرب الروسية  الأوكرانية؟د.أريج جبر- د.عمر البستنجي - د.عمرو حسين- د.فتحي السيد
محمد الطماوي
الأهرام العربي نقلاً عن

د.أريج جبر: موسكو ترى أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب لكن الطريق نحو السلام مليئًا بالعقبات

موضوعات مقترحة

د.عمرو البستنجي: ترسم ملامح نظام عالمي جديد وسط تراجع أوربي وصعود قوى الشرق الأوسط

د. عمرو حسين: المفاوضات تعكس صفقة ترامب الكبرى ومساعي بوتين لفك العزلة عن روسيا

د. فتحي السيد: العقوبات الغربية لم تكسر الإرادة الاقتصادية لروسيا وأوكرانيا تدفع ثمن الحرب الباهظ

وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية، تستضيف المملكة العربية السعودية مفاوضات حساسة بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا، في محاولة لوقف الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين، تأتي هذه المحادثات وسط مؤشرات على انفتاح جديد في الدبلوماسية الدولية، حيث يجتمع وفد أوكراني بشكل منفصل مع وفد أمريكي،للتوصل إلى اتفاق على وقف مؤقت لقصف منشآت الطاقة والبنية الأساسية الحيوية،قبل أن يسبقها حوار بين موسكو وواشنطن، وهو أسلوب يعرف بمفاوضات "الغرف المنفصلة".

الملف الأوكراني، الذي ظل نقطة ارتكاز رئيسية في التوتر بين الشرق والغرب، يزداد تعقيدًا مع دخول الولايات المتحدة في عهد إدارتها الجديدة بقيادة دونالد ترامب، الذي يسعى إلى إعادة صياغة الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصراع، فهل يمكن لهذه المفاوضات أن تنهي النزاع، أم أنها مجرد محطة جديدة في إعادة تشكيل التوازنات العالمية؟.

في سياق هذه المحادثات، تم إجراء مكالمة هاتفية مطولة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين استمرت لأكثر من ساعة، لم يكن هذا الاتصال مجرد محادثة بروتوكولية، بل حمل في طياته نقاشات عميقة حول مستقبل الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى قضايا أمنية وسياسية أخرى تتعلق بالنفوذ الروسي في أوروبا والسياسات الأمريكية الجديدة تجاه موسكو.

تشير تقارير إلى أن الوفد الأوكراني يسعى للحصول على التزامات أمريكية واضحة فيما يخص الدعم العسكري والاقتصادي، إلى جانب الضغط على موسكو لإجبارها على قبول وقف إطلاق النار، من جهتها، تتعامل إدارة ترامب بحذر مع المطالب الأوكرانية، حيث تسعى إلى ضبط تدخلها في الحرب لتجنب مزيد من الاستنزاف العسكري والاقتصادي،  ورغم الدعم التقليدي الذي كانت تقدمه واشنطن لكييف، فإن فريق ترامب ينظر إلى الحرب من منظور استراتيجي أوسع، يرتبط بعلاقاته مع روسيا والصين، وهو ما يجعل الموقف الأمريكي أكثر براجماتية مقارنة بالإدارات السابقة.

في المقابل، تستغل موسكو هذه المحادثات لمحاولة تحقيق مكاسب سياسية تعزز موقفها في المفاوضات المستقبلية، تصريحات المسؤولين الروس تظهر استعدادًا للنقاش، لكن ضمن شروط واضحة تحافظ على سيطرة موسكو على الأراضي التي ضمتها خلال الحرب، ويرى بعض المحللين أن بوتين قد يستخدم هذه المحادثات لكسب مزيد من الوقت، بينما يراهن على تغيرات سياسية في أوروبا قد تخفف الضغوط عن موسكو، خاصة مع تصاعد الدعوات داخل بعض الدول الغربية لإعادة النظر في الدعم المقدم لأوكرانيا.

لكن السؤال الأهم يظل: هل هذه التحركات مؤشر على اقتراب وقف الحرب، أم أنها مجرد محاولات لشراء الوقت وتعديل موازين القوى قبل جولة جديدة من التصعيد؟ هذا ما يحاول التحقيق التالي الإجابة عليه من خلال تحليل أبعاد هذه المفاوضات، دوافع الأطراف المختلفة، والسيناريوهات المحتملة لمسار الحرب في أوكرانيا.

صراع القوى 

في البداية، قالت الدكتورة أريج جبر، أستاذ العلوم السياسية في الأردن، إن المسار الروسي الأوكراني يشهد تطورات متسارعة بين سعي موسكو لترسيخ رؤيتها السياسية والاستراتيجية وبين الحث الأوكراني المتواصل لتحقيق سلام دائم وعاجل، مضيفةً أن الاجتماعات التي تُعقد برعاية أمريكية وسعودية تأتي في إطار محاولة روسية لوضع النقاط على الحروف بشأن الموقف الغربي من الحرب، موضحة أن موسكو تسعى إلى تأطير المرحلة المقبلة بعقلانية تأخذ في الاعتبار المصالح المشتركة، مشيرة إلى أن الرؤية الترامبية تلعب دورًا بارزًا في هذا الإطار، حيث سبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن أكد أنه الوحيد القادر على وقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأضافت أن الدبلوماسية السعودية تبذل جهودًا حثيثة لتقريب وجهات النظر بين الجانبين الروسي والأوكراني، مشيرةً إلى أن الرياض تعمل على جسر الفجوات بين الطرفين ضمن إطار وساطة جادة تهدف إلى تحقيق سلام مستدام وإنهاء الحرب وتداعياتها التي لا تقتصر على طرفي الصراع فحسب، بل تمتد لتشمل العالم أجمع، مؤكدة أن الأنظار تتجه نحو الدور السعودي الذي يتفوق على الدور الأمريكي بالنزاهة والحياد، متابعة أن هناك آمالًا معقودة على تحقيق اختراق حقيقي لحالة الجمود الراهنة، رغم التحديات الكبيرة التي تكتنف هذا المسار.

وحول الاجتماعات التي تُعقد في هذا السياق، أوضحت جبر أن هناك اجتماعين رئيسيين، أحدهما أمريكي-أوكراني والآخر أمريكي-روسي، مشيرة إلى أن هذه الاجتماعات تأتي استكمالًا لسلسلة لقاءات سابقة استضافتها السعودية، حيث تم خلالها بحث سبل وقف إطلاق النار، ومنع المزيد من التصعيد العسكري، وإنهاء حالة الاقتتال، فضلًا عن مناقشة قضايا الأمن والسيادة، مؤكدةً أن كييف وضعت أجندة واضحة لأولوياتها، مشيرة إلى أن الجهود التي تبذلها بالتعاون مع الوسطاء الدوليين، وعلى رأسهم السعودية، تهدف إلى تحقيق السلام، وهو الأمر الذي تعتبره أوكرانيا خيارًا لا يمكن التنازل عنه، ومؤكدةً أن هذا المسار هو السبيل الوحيد الذي يحقق مصالح الجميع.

وأضافت جبر أن التدخلات الأمريكية والأوروبية باتت متراجعة نسبيًا في الفترة الأخيرة، مشيرةً إلى أن أوكرانيا وجدت نفسها غارقة في أتون الحرب بعد أكثر من ثلاث سنوات كارثية، تكبدت خلالها خسائر فادحة على مستوى الأراضي والثروات والقدرات الدفاعية، وأصبحت في وضع صعب بين مطرقة الحرب الروسية وسندان الضغوط الغربية، مؤكدةً أن الطموحات الأمريكية باتت أكثر وضوحًا، حيث تطالب كييف بدفع أثمان باهظة جراء الدعم الذي تلقته، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري.

وفيما يتعلق بالموقف الروسي، أوضحت الدكتورة أريج جبر أن موسكو تسعى إلى تثبيت مكاسبها على الأرض عبر فرض سياسة الأمر الواقع، مشيرة إلى أن روسيا تستند إلى تفوقها الميداني وقدرتها على المناورة في تحديد شروط المرحلة المقبلة، ومؤكدةً أن الطريق نحو السلام لا يزال مليئًا بالعقبات والتباينات، إلا أن موسكو ترى أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب، مضيفةً أن مشاركتها في الاجتماعات التي تستضيفها السعودية تأتي انطلاقًا من إدراكها لأهمية تثبيت الوقائع الجديدة، بعدما أثبتت قدرتها على إدارة المشهد، رغم تحالف القوى الغربية والأمريكية ضدها.

ترتيبات إستراتيجية 

من جانب آخر، قال الدكتور عمر البستنجي، الخبير في العلاقات الدولية الأردني، إن الساحة الدولية تشهد تطورات متسارعة تعكس تحولات جوهرية في موازين القوى العالمية، مشيرًا إلى أن القمة الروسية-الأمريكية من ناحية، والقمة الأمريكية-الأوكرانية من ناحية أخرى، تمثلان مؤشرات تتجاوز مجرد البحث عن تسوية لإنهاء الحرب، بل تفتحان الباب أمام ترتيبات استراتيجية عميقة ترسم ملامح النظام العالمي القادم.

وأضاف البستنجي أن هناك إرادة قوية لدى كل من واشنطن وموسكو لإنهاء الصراع الأوكراني وفق صيغة تضمن مصالح الطرفين، موضحًا أن روسيا تسعى إلى تثبيت مكاسبها الاستراتيجية وتقليص نفوذ الناتو بالقرب من حدودها، في حين تدرك الولايات المتحدة أن استمرار الحرب بات يستنزف مواردها وحلفاءها، ويؤثر على استقرار الاقتصاد العالمي.

وتابع البستنجي قائلًا إن أوكرانيا، التي دفعت ثمنًا باهظًا في هذه الحرب، تجد نفسها أمام واقع لا يسمح لها برفض أي تسوية تضمن لها وقف نزيف الاستنزاف العسكري والاقتصادي، مؤكدًا أن التوجه نحو المفاوضات بات أمرًا لا مفر منه لجميع الأطراف.

واستطرد موضحًا أن المفارقة التي تستحق التوقف عندها طويلاً هي التجاهل الأمريكي المتعمد للدور الأوروبي في هذه المفاوضات، رغم أن أوروبا كانت الداعم الرئيسي لأوكرانيا طيلة فترة الحرب سواء عبر المساعدات العسكرية أو الضغط السياسي والدبلوماسي ضد موسكو.

وأشار البستنجي إلى أن واشنطن، في عهد الرئيس ترامب، اختارت إدارة التفاوض بشكل منفرد، معتبرًا أن ذلك يعكس تحولًا مفصليًا في خريطة التحالفات الدولية، فذهاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نحو طاولة المفاوضات بعيدًا عن حلفائه الأوروبيين وبإيعاز أمريكي مباشر، يعد إشارة صريحة إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر أوروبا لاعبًا رئيسيًا في الملفات الجيوسياسية الكبرى، بل تراها ساحة نفوذ يجب إعادة ضبطها وفق المصالح الأمريكية.

وأكد الخبير الأردني أن النظرة الأمريكية للقارة العجوز تشهد تغييرات كبيرة، موضحًا أن المشهد السياسي العالمي يشهد أيضًا صعود العديد من القوى في الشرق الأوسط، حيث إن اختيار المملكة العربية السعودية كمضيف لهذه المفاوضات يمثل نقطة في غاية الأهمية، إذ يؤكد أن الشرق الأوسط لم يعد مجرد منطقة نزاعات، بل أصبح فاعلًا محوريًا في إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد.

وأضاف أن الرعاية السعودية لقمة بهذا الحجم تجمع قوتين عالميتين، توازيها في الأهمية الدور المصري في إدارة ملف المفاوضات حول الحرب في غزة، حيث تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الدبلوماسية المصرية في هذا الملف، مشيرًا إلى أن ذلك يعكس تحولًا في النظرة الغربية لدور القوى الشرق أوسطية، التي باتت تُعامل كقوى دولية كبرى وفاعلة في التوازنات العالمية.

وأوضح البستنجي أن واشنطن وموسكو تدركان أن الاستقرار في الشرق الأوسط بات ضرورة استراتيجية، سواء لضمان إمدادات الطاقة أو لضبط تفاعلات السياسة الدولية في ظل صعود قوى إقليمية تمتلك تأثيرًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا متزايدًا.

واختتم البستنجي تصريحاته قائلًا إن العالم يقف على أعتاب مرحلة جديدة تتسم بإعادة تشكيل موازين القوى، مشيرًا إلى أن التحالفات التقليدية لم تعد كافية لضمان استقرار النظام الدولي، بل باتت المصالح الاقتصادية والجيوسياسية هي المحرك الأساسي لإعادة ترتيب الأولويات، لذا فإن القمة الروسية-الأمريكية والقمة الأمريكية-الأوكرانية ليست مجرد محطات تفاوضية لإنهاء الحرب، بل هي خطوات أولى نحو رسم خريطة عالمية جديدة، يكون فيها لمن يملك القدرة على التأثير الاقتصادي والسياسي الدور الأكبر في صياغة المستقبل.

الدوافع والأسباب

قال الدكتور عمرو حسين، الباحث والخبير في العلوم السياسية والاستراتيجية، إن هناك عدة دوافع وأسباب دفعت الولايات المتحدة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع روسيا في المملكة العربية السعودية مع بدء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، موضحًا أن ترامب هو رجل الصفقات وليس رجل الحروب الطويلة، وأنه منذ توليه المسؤولية في 20 يناير الماضي، وجد أن الاقتصاد الأمريكي يعاني من مرحلة الركود التضخمي وتباطؤ شديد في النمو، نتيجة الدعم المستمر لأوكرانيا وإسرائيل.

وأضاف حسين أن سياسات البنك الفيدرالي في عهد الرئيس السابق جو بايدن، والتي شملت رفع الفائدة 11 مرة للسيطرة على التضخم الذي بلغ 10%، أدت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة على المواطن الأمريكي، موضحًا أن التخلي عن النفط الروسي، الذي كانت موسكو تصدره بمعدل 13 مليون برميل يوميًا، أثّر بشكل كبير على رفاهية المواطنين في الولايات المتحدة وأوروبا.

وأشار حسين إلى أن تداعيات الحرب الأوكرانية طالت أيضًا سلاسل الإمداد العالمية، خصوصًا في ما يتعلق بالحبوب والمواد الغذائية، حيث تمثل كل من روسيا وأوكرانيا مصدرين رئيسيين لهذه السلع على مستوى العالم، مؤكدًا أن الرئيس ترامب أقرّ بأن الولايات المتحدة أنفقت ما يقارب 700 مليار دولار في حرب وصفها بالفاشلة، وانتقد من خلالها إدارة بايدن، محملًا إياها مسؤولية التدهور الاقتصادي.

واستطرد حسين قائلًا إن أحد العوامل الرئيسية التي دفعت واشنطن للتراجع عن دعم كييف هو التطورات الميدانية خلال عام 2024، حيث تمكن الجيش الروسي من السيطرة على معظم مناطق دونباس، لا سيما دونيتسك، التي تمثل أهمية استراتيجية كبرى لأوكرانيا، مشيرًا إلى أن فشل الهجوم الأوكراني المضاد في صيف 2023، وسقوط مدينة باخموت في قبضة القوات الروسية، أظهر التفوق الروسي على الأرض، رغم محاولات أوكرانيا لاستعادة كورسك.

وأوضح حسين أن الدعم الغربي والأمريكي لكييف لم يتوقف، لكن واشنطن باتت تدرك أن أوكرانيا لن تحقق نصرًا في هذه الحرب، مضيفًا أن روسيا تسعى إلى تثبيت سيطرتها على المناطق التي تعتبرها ضمن نطاق نفوذها التاريخي، خاصة أن أوكرانيا كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين، وكانت ميناء أوديسا نقطة استراتيجية هامة للقوات الروسية.

وتابع حسين قائلًا إن ترامب يسعى من خلال هذه المفاوضات إلى تحقيق "صفقة كبرى" في أوكرانيا، بالنظر إلى ثرواتها المعدنية الهائلة، خصوصًا التيتانيوم واليورانيوم والثوريوم، والتي قدّرها ترامب بحوالي 500 مليار دولار، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي يهدف إلى إخضاع أوكرانيا اقتصاديًا، خاصة في مجال صناعة أشباه الموصلات والتكنولوجيا المتقدمة.

وحول الأهداف الروسية، أكد حسين أن موسكو تركز على تحقيق هدفين رئيسيين: الأول، تأمين حدودها وضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، بالإضافة إلى منع نشر الدرع الصاروخي للناتو في الأراضي الأوكرانية، والحفاظ على سيطرتها على مناطق زابورجيا، خيرسون، دونيتسك، ولوجانسك. والثاني، السعي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والتي أثرت بشدة على الاقتصاد الروسي، وأخرجتها من منظومة "سويفت" المالية العالمية، مما أدى إلى ارتفاع التضخم وتراجع قيمة الروبل مقابل الدولار.

وأضاف حسين أن الرئيس فلاديمير بوتين يسعى أيضًا من خلال هذه المفاوضات إلى إزالة اسمه من قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، التي تعتبره "مجرم حرب"، مما يمنحه حرية السفر عالميًا، إلى جانب السماح للفرق الرياضية الروسية بالمشاركة في البطولات الدولية، وعودة روسيا إلى الساحة الدولية عبر علاقات طبيعية مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الروسي في المستقبل.

سلاح العقوبات

في المقابل، يرى الدكتور فتحي السيد يوسف، الخبير الاقتصادي ومدرس الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة بنها، أن الأزمة الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير من عام 2022، تحولت إلى واحدة من أكثر الصراعات تعقيدًا في العصر الحديث، موضحًا أن هذا التعقيد جاء نتيجة تداخل الضغوط الاقتصادية والعسكرية مع الأبعاد السياسية والإنسانية.

وأضاف أن الدول الغربية لجأت إلى استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة للضغط على روسيا، في محاولة لدفعها إلى طاولة المفاوضات، مشيرًا إلى أن أوكرانيا تواجه تحديات اقتصادية كبيرة بسبب التكلفة الباهظة للحرب، إلى جانب تراجع الدعم الغربي الذي أثر على قدرتها على الاستمرار في المواجهة.

وأوضح أن العقوبات المفروضة على روسيا منذ بدء الحرب تضمنت تجميد أصول البنك المركزي الروسي، ومنع المواطنين والشركات في الدول الغربية من إجراء أي تعاملات مالية مع البنك المركزي الروسي أو وزارة المالية الروسية أو صندوق الثروة السيادي الروسي، مشيرًا إلى أن هذه العقوبات شملت أيضًا إبعاد البنوك الروسية عن نظام "سويفت"، بالإضافة إلى فرض قيود على المنتجات التي يمكن إرسالها إلى روسيا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، فضلًا عن حظر بيع الطائرات ومعداتها لشركات الطيران الروسية، إلى جانب حظر جميع الرحلات الجوية الروسية من المجال الجوي للدول الغربية.

وتابع بأن هذه العقوبات أدت في البداية إلى انهيار قيمة الروبل الروسي بأكثر من 30%، مما تسبب في ارتفاع معدلات التضخم، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على المواطنين الروس، موضحًا أن روسيا استطاعت التكيف مع هذه العقوبات من خلال تعزيز علاقاتها التجارية مع دول مثل الصين والهند، حيث تمكنت من إيجاد أسواق بديلة للنفط والغاز الروسي.

وأشار إلى أن الصين والهند حصلتا على النفط الروسي بأسعار تقل عن أسعار السوق العالمية بنحو 20 إلى 30 دولارًا للبرميل، موضحًا أن ذلك ساعد روسيا في تخفيف تأثير الحظر الغربي على صادراتها من الطاقة، مما سمح لها بالحفاظ على مستويات الإنتاج والتصدير دون انخفاض كبير.

وأضاف أن ارتفاع أسعار الطاقة العالمية كان من العوامل التي ساعدت روسيا في مواجهة العقوبات الغربية، مشيرًا إلى أن أسعار النفط قفزت إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، وهو ما ساهم في تعزيز الإيرادات الروسية من النفط والغاز، مما مكّن موسكو من تعويض الأصول المجمدة بسبب العقوبات الغربية.

وحول تأثير الحرب على أوكرانيا، أكد أن تكلفة تدمير البنية التحتية تجاوزت 100 مليار دولار، مشيرًا إلى أن 30% من قطاع الطاقة الأوكراني تعرض للتدمير أو التلف، فيما انكمش الاقتصاد الأوكراني بنسبة تتراوح بين 30 إلى 40% خلال عام 2022.

وأضاف أن إجمالي تكلفة الحرب على أوكرانيا قد تتجاوز 500 مليار دولار وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، موضحًا أن الإنفاق العسكري الأوكراني تراوح بين 5 إلى 10 مليارات دولار شهريًا خلال عام 2022، بينما تجاوزت المساعدات العسكرية الغربية لكييف 50 مليار دولار حتى نهاية عام 2023.

وأشار إلى أن الدعم الأمريكي وحده تخطى 100 مليار دولار حتى عام 2023، مشيرًا إلى أن هذه المساعدات تشمل دعمًا اقتصاديًا وعسكريًا، إلا أنها لا تزال غير كافية لتغطية الأضرار الهائلة التي لحقت بالاقتصاد الأوكراني.

وأوضح أن عدد اللاجئين الأوكرانيين الذين فروا إلى خارج البلاد تجاوز 8 ملايين شخص، بينما قُدر عدد النازحين داخل أوكرانيا بنحو 6.5 ملايين شخص، مضيفًا أن عدد الوفيات المباشرة جراء الحرب تجاوز 20 ألف شخص، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة.

وأضاف أن البنك الدولي قدّر تكلفة إعادة إعمار أوكرانيا بنحو 350 مليار دولار، مشيرًا إلى أن هذه التكلفة تشمل إعادة بناء البنية التحتية المدمرة وتجديد المدن والمناطق الزراعية التي تعرضت لأضرار جسيمة بسبب الحرب، واستطرد قائلاً إن فرص التهدئة بين الطرفين تعتمد بشكل رئيسي على مواقف الدول الغربية، موضحًا أن هناك عدة سيناريوهات محتملة لحسم الصراع.

وأوضح أن السيناريو الأول يتمثل في تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا، مما قد يدفعها إلى التفاوض وقبول بعض التنازلات لصالح روسيا، مشيرًا إلى أن هذا السيناريو قد يصبح أكثر ترجيحًا بعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة مجددًا، حيث يتبنى مواقف أكثر تحفظًا تجاه استمرار الدعم المالي والعسكري لكييف.

وأضاف أن السيناريو الثاني يتمثل في استمرار الضغوط الغربية على روسيا مع تعزيز دعم أوكرانيا، مما قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع دون التوصل إلى حل قريب، موضحًا أن الكرملين اكتسب خبرة طويلة في التعامل مع العقوبات الغربية على مدار السنوات الـ10 الأخيرة، مما سمح له بإظهار مرونة كبيرة في مواجهة هذه الضغوط، علاوة على أن إرهاق حلفاء أوكرانيا قد يؤدي إلى تغيير في مواقفهم المستقبلية.

أما السيناريو الثالث، فأوضح أنه يتمثل في تزايد التأثيرات الاقتصادية للعقوبات المفروضة على روسيا، مما قد يدفعها إلى إعادة تقييم استراتيجيتها العسكرية والسياسية، خاصة إذا بدأت العقوبات تؤثر على استقرارها الداخلي أو قدرتها على تمويل الحرب، مشيرًا إلى أنه في ظل هذا السيناريو، قد يتم التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة للطرفين.

وأكد في ختام حديثه أن فرص التهدئة بين روسيا وأوكرانيا تبدو محدودة في الوقت الراهن، موضحًا أن العقوبات الغربية لم تكسر الإرادة العسكرية أو الاقتصادية لروسيا، بينما تدفع التكلفة الباهظة للحرب أوكرانيا إلى حافة الإنهاك.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: