السلطان سيف الدين قطز.. ًولد في سمرقند عام628هـ/ 1231م، واسمه الحقيقي محمود بن ممدود، وقد ولد أميرًا، فأبوه هو الأمير ممدود ابن عم سلطان الدولة الخوارزمية جلال الدين الخوارزمي وزوج أخته، ولكن حياة الإمارة إنتهت بسقوط الدولة الخوارمية بيد التتار، فتم خطفه وبيعه كمملوك، ومن وقتها أصبح لقبه قطز، وهو اسم أطلقه التتار عليه حيث قاومهم بشراسة خلال اختطافه وبيعه، ومعنى قطز باللغة المغولية (الكلب الشرس).
موضوعات مقترحة
من خادم إلى قائد تم بيعه في أسواق دمشق
بدأ حياته خادمًا إلى أن شراه أحد القادة وضمه إلى مماليك السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب الذي كان يكثر من شراء المماليك ويضمهم إلى جيشه ويربيهم على الولاء لجيشه وكان اسم الجيش "المماليك الصالحية"، ولأن قطز من أصول ملكية في الدولة الخوارزمية، وقد تعلم فيها فنون القتال، وشاهد المعارك والحروب التي دارت بين قومه وبين التتار المغول، فقد ساعده ذلك كله في ترقيته في صفوف المماليك الصالحية البحرية، وارتقى بسرعة حتى أصبح الساعد الأيمن لأمير الجند عز الدين أيبك.
في عام646هـ/ 1249م تعرضت مصر لحملة فرنجية بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا وتوفي السلطان الأيوبي نجم الدين أيوب أثناء احتلال الفرنجة لدمياط شمال مصر، وبدأ الفرنجة بالزحف نحو القاهرة، إلا أن قوات المماليك استطاعت إلحاق الهزيمة بهم عند مدينة المنصورة647هـ/ 1250م ثم فارسكور وآلت الحملة إلى الفشل، وأُسِر الملك لويس التاسع وانتهت برحيل الصليبيين عن مصر، وزاد نفوذ سيف الدين قطز نتيجة الشجاعة والبسالة التي أبداها في المعارك.
توليه الحكم
من قائد إلى سلطان
وفي عام648هـ/ 1250م قًتل السلطان الأيوبي توران شاه بن نجم الدين أيوب على يد المماليك، وتولت شجر الدر زوجة نجم الدين أيوب الحكم، ولكن الخليفة العباسي المستعصم بالله رفض توليها لأنها إمرأة، وكتب الخليفة العباسي المستعصم بالله إلى مصر:"إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيّر إليكم رجلاً".
تزوجت شجر الدر من عز الدين أيبك وأصبح السلطان المعز عز الدين أيبك هو السلطان، وكان قطز هو ساعده اليمين وأقرب القادة له، ولكي يضمن السلطان أيبك السيطرة قام بتأسيس جيش مملوكي جديد هو "المماليك المعزية"، وبدأ بإضطهاد المماليك الصالحية فقتل فارس الدين أقطاي وهرب بيبرس وقلاوون، وكان قطز هو المشرف على عملية الإضطهاد.
وفي عام655هـ/ 1257م قتل عز الدين أيبك على يد زوجته شجر الدر، وتولى الحكم السلطان علي بن أيبك وكان طفل، وانشغل قطز بصراعات المماليك الداخلية وصد الأيوبيين القادمين من الشام، كل هذا على الرغم من ازدياد الخطر المغولي بسقوط بغداد عام656هـ/ 1258م وإستشهاد الخليفة العباسي المستعصم بالله.
ومع عزم المغول على احتلال مصر قام قطز بخلع السلطان علي بن أيبك بسبب طيشه وضعفه وتحكم أمه والقادة به، وأصبح قطز هو السلطان في نوفمبر657هـ/ 1259م.
في ظل تقدم المغول وانتصارهم على كل ما هو أمامهم، بدأ السلطان سيف الدين قطز بالإستعداد لمواجهتهم، فراسل المماليك الصالحية للقدوم لمصر ومصالحتهم فعاد بيبرس وقلاوون إلى مصر، وبهذا أصبح جيّش المماليك كبيرًا بتوحد المماليك المعزية والصالحية، وفرض ضرائب لدعم الجيش بعد أن أخذ فتوة من العز بن عبد السلام، وقام بمصالحة إمارة عكا الفرنجية كي يجعلهم على الحياد.
وقبل المعركة إقترح أغلب قادة المماليك أن ينتظروا جيش المغول إلى أن يصل لمصر، ولكن قطز خالفهم وأمر بالذهاب إلى فلسطين، وكانت المعركة في سهل عين جالوت شمال فلسطين في 1260/09/03م/ الموافق 25 رمضان 658هـ، وقد تم خداع كتبغا قائد جيش المغول بأن ظهر أمامه عدد قليل من جيش المماليك بقيادة بيبرس، فظن كتبغا أنه كامل الجيش فهاجمه، وبعد أن وقع في الفخ، إنقض عليهم باقي جيش المماليك الذي كان مختفي خلف التلال، وحاصروا المغول من كل جنب ولكن المغول واجهوهم بقوة وبسالة، وتأزم الموقف عند المماليك، عندها رمى قطز خوذته وأخذ يصرخ «واإسلاماه... واإسلاماه»، واحتدم القتال في سهل عين جالوت، وكان فيه أن صوّب أحد التتار سهمه نحو قطز، فأخطأه وأصاب فرسه وقتل الفرس، واستمر القتال وقطز في أرض المعركة يقاتل، وبدأت الكفة تميل لصالح المماليك، وارتد الضغط على التتار، وتقدم أمير من أمراء المماليك واسمه جمال الدين آقوش الشمسي، واخترق صفوف التتار حتى وصل لكتبغا، ودار بينها قتال فتمكن آقوش من كتبغا وقتله، وبهذا إنتصر المماليك
مقتل قطز
بعد الانتصار في عين جالوت قام قطز بملاحقة المغول وتحرير الشام من إحتلالهم فحرر دمشق وفيها بايع الخليفة العباسي أحمد الحاكم، ثم قام بتحرير حمص ثم حلب، وفي حلب أعلن قطز توحيد مصر والشام تحت قيادته.
كانت نهاية سيف الدين قطز بعد معركة عين جالوت بخمسين يوم فقط، اتفق المؤرخون على أن قطز قتل وهو في طريق عودته من دمشق إلى القاهرة في منطقة تسمى الصالحية، ولكنهم اختلفوا في من قتله، ومنهم من يقول أن مقتله كان على يد القائد المملوكي الظاهر بيبرس.
و يروي جلال الدين السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء:"…وكان المظفر عزم على التوجه إلى حلب لينظف آثار البلاد من التتار فبلغه أن بيبرس تنكر له وعمل عليه فصرف وجهه عن ذلك ورجع إلى مصر وقد أضمر الشر لبيبرس وأسر ذلك لبعض خواصه فأطلع على ذلك بيبرس فساروا إلى مصر و كل منهما محترس من صاحبه فاتفق بيبرس وجماعة من الأمراء على قتل المظفر فقتلوه في الطريق في ثالث عشر شهر ذو القعدة من 658هـ/ 22 أكتوبر عام 1260م.
د. سليمان عباس البياضي
عضو اتحاد المؤرخين العرب
د. سليمان عباس البياضي
د. سليمان عباس البياضي