وجوه لعملات واحدة

26-3-2025 | 13:51

نبدأ مقالتنا ونستفتحها بالذي هو خير، قوله تعالى: (ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة) نعم أولئك هم الكفرة الفجرة الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، دأبهم وديدنهم المكر والخداع والدهان، (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)

أولئك الملاعين الذين مردوا إلى النفاق، الذين يبدون من طرف اللسان حلاوة ويروغون منا كما تروغ الثعالب. هم من دسوا السم للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هم من خانوا العهود، وقتلوا الأنبياء، وتحدوا الله سبحانه وتعالى.

بل وبلغ بهم الكبر والتنطع إلى أن تجبروا وتكبروا على الله وذهبوا إلى أبعد مما يتخيله عقل بشر، (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)

فبعدما صبر عليهم الله تعالى وأعطاهم الفرصة تلو الأخرى، مسخهم فجعل منهم القردة والخنازير، ليس هذا فقط، بل وكتب عليهم التيه والشتات في الدنيا، بل وأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون.

أما في الآخرة، فإن بطش ربك لشديد فما تظنون عاقبة من يهلك الحرث ويقتل النسل ويهدم الدور العامرة بأهلها، فما ظنكم بمن يروع الآمنين من الأطفال والنساء والشيوخ العجائز.

فما ظنكم بمن يسوم الناس سوء العذاب بإلقاء آلاف الأطنان من المتفجرات من الصواريخ والقنابل، من يستخدمون أحدث آلات الحرب الفتاكة التي لا تبقي ولا تذر.

فما ظنكم بمن يريد طرد الناس من أراضيهم بغير حق وإخراجهم وتهجيرهم من أوطانهم، أي فجر هذا، أي حقد وكره للإنسانية هذا، كل ذلك لماذا، ولمصلحة من ولإرضاء من، لإرضاء لقطاء لا دين لهم ولا ملة، للتمكين لهؤلاء المستوطنين، لتقسيم جديد للعالم، لشرق أوسط جديد، فأي تقسيم، وأي شرق أوسط جديد؟ ومن الذي طلب منكم أن تفعلوا ذلك.

فما ظنكم بهؤلاء وحالهم يوم القيامة فماذا سيقولون لله تعالى وأشلاء الأطفال معلقة في رقابهم، ما حالهم يوم يقوم الناس لرب العالمين، (كلا إن كتاب الفجار لفي سجين)، ماذا سيقول من عاونهم وشايعهم وساعدهم على إبادة شعب أعزل لا يمتلك حتى قوت يومه، ماذا سيقول من منع إدخال المعونات والمساعدات الإنسانية إليهم.

ماذا سيقولون لرب غضبان غضبًا شديدًا في هذا اليوم أولئك الذين سعوا جاهدين في عرقلة خطوات وقف إطلاق النار.

إنهم وجوه لعملة واحدة لا فرق بينهم جميعًا حتى وإن اختلفت اللهجات والألسن، حتى وإن اختلفت الأجناس، لكن العملة واحدة، وجوهها واحدة وكتابتها واحدة، لا رحمة، لا إنسانية، الأنانية دينهم، المصلحة والمنفعة شريعتهم، فليس ثمة فرق بينهم جميعًا.

لكنهم سيعرضون يوم القيامة لا تخفى منهم خافية، يعرفون بسيماهم، وجوههم مكتوب عليها مجرمون، كاذبون، منافقون، مخادعون، قاتلون. (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام).

فتأتي هذه الوجوه يوم القيامة، عليها غبرة، سيئة المنظر قميئة المشهد عليها غبرة من جراء أفاعيلهم الشنعاء النكراء التي ترفضها كل المبادئ والقيم الأخلاقية، وترفضها كل القوانين الوضعية وكل المنظمات الحقوقية التي تهتم بالإنسان بغض النظر عن دينه وجنسه وإنما تعامله كإنسان إكرامًا لإنسانيته التي أهدرت على أيدي هؤلاء الجبارين البطاشين الذين غرتهم الحياة الدنيا وغرتهم قوتهم.

فليأتوا أمام الله للقصاص منهم، مصداقًا لقوله تعالى (ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) نعم، صدق الله (وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة)

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: